حكم الاستعانة بغير المسلم

منذ 2003-04-03

هذا الموضوع يتضمن أمرين:

الأمر الأول: حكم تعاون المعارضة العراقية مع الأمريكان، لإسقاط نظام صدام

الأمر الثاني: خطورة هذا الأمر على مستوى العراق والأمة الإسلامية

وستتضمن الإجابة بيان خمسة محاور:

المحور الأول: السبب الذي تعلنه المعارضة لتسويغ تحالفها مع الحكومتين الأمريكية والبريطانية، وبيان مدى شرعيته

المحور الثاني: حكم الاسنعانة بغير المسلمين على غير المسلمين.

المحور الثالث: حكم الاستعانة بغير المسلمين على المسلمين.

المحور الرابع: حكم تحالف المسلمين مع غير المسلمين.

المحور الخامس: الأخطار المترتبة على هذا التحالف.

المحور السادس: الحل الشرعي.

وإلى تفصيل المحاور المذكورة.

المحور الأول..

السبب الذي تعلنه المعارضة لتسويغ تحالفها مع الحكومتين الأمريكية والبريطانية، وبيان مدى شرعيته

إن السبب المعلن من قبل المعارضة العراقية، لتحالفها مع الحكومتين الأمريكية والبريطانية، ومن دار في فلكهما من الأتباع، يتكون من البنود الآتية:

البند الأول: استبداد حاكم العراق بالأمر في الشعب العراقي، واستئثاره بجميع مرافق الشعب وخيراته.

البند الثاني: ظلم هذا الحاكم لشعبه، سجنا وتشريدا وقتلا بشتى أنواع الأسلحة الفتاكة.

البند الثالث: إشعاله الحروب في المنطقة، ومنها حربا الخليج الماضيتين في وما ترتب عليهما من آثار مدمرة.

البند الرابع : اعتداؤه على جيرانه واحتلال أرضهم، كما حصل في الكويت.

وهذه البنود كلها صحيحة، ولكن يجب هنا الإجابة على الأسئلة الخمسة الآتية

السؤال الأول: هل أطراف المعارضة بريئة من المشاركة في هذا السبب ببنوده الأربعة، أو أن كثيرا منهم قد شاركوا فيه بصورة مباشرة أو غير مباشرة؟

معلوم أن كثيرا من المعارضين اليوم، كانوا من أركان نظام حاكم بغداد، وأنهم من المسئولين عن كثير من المآسي والمظالم التي حلت بالشعب العراقي، وأن معارضتهم ليست في حقيقتها توبة نصوحا إلى الله وندما على ما اقترفته أيديهم من عدوان.

وكثير منهم من أجهزة المباحث والاستخبارات التي وطدت أركان الحكم الظالم، ولهم ارتباطاتهم بأجهزة الاستخبارات الأجنبية التي ظلوا يتعاملون معها فترة طويلة من الزمن، وهم اليوم يتفيئون في ظلالها، وينعمون بضيافتها، وقد أصبحت هذه الوظيفة عادة متمكنة في نفوسهم، يصعب عليهم الانفكاك عنها؟

السؤال الثاني: هل هدف أطراف المعارضة العراقية إزالة الأسباب التي ارتكبها حاكم بغداد، من الاستبداد، والظلم، وإشعال الحرب في المنطقة، والاعتداء على الجيران؟
إنه من الظلم أن ننفي هذا الهدف عن جميع أطراف المعارضة، ففي المعارضة رجال صالحون، شديدو الرغبة في القضاء على تلك الأسباب التي أعلنت لمعارضة حاكم العراق.

ولكن هذه الفئة التي تريد تحقيق هذا الهدف، بعيدة كل البعد عن التحالف مع الأمريكان والبريطانيين، لأنها ترى أن الأيدي الطاهرة المؤمنة الوطنية، لا يمكن أن تعقد صفقة ضد شعبها مع اليهود والصليبيين.

إن غالب المتحالفين مع الأمريكان والبريطانيين، هدفهم الوصول إلى السلطة على دبابات الجيوش الأجنبية التي ستدمر الشعب ومصالحه وقواته، ثم تسيطر عليه وتنهب بتروله وخيراته، وتفرض الوصاية على نظامه المستسلم الجديد، الذي تريد له أن يكون توأما لنظام "كابل"!

السؤال الثالث: هل سيختفي الظلم والسجن والقتل والتشريد عن الشعب العراقي، بعد أن يتربع على كرسي الحكم نظام مفروض من محاربين أجانب؟

ومن سيضمن ما يعد به المحاربون الأجانب من نشر الديمقراطية وتثبيت العدل كما يزعمون؟ ومن سيضمن وحدة الشعب العراقي وعدم تمزيقه إلى دويلات، أو تمكين قلة من الأطراف المتنازعة من الحكم وتسليطها على الأغلبية، كما هو المعتاد من الدول الأجنبية التي تحتل بلدان المسلمين؟ كما فعلت بريطانيا وفرنسا وإيطاليا وهولندا والبرتغال في غالب بلدان العالم، ولا زالت تلك البلدان تتجرع غصص ذلك المكر الاستعماري البغيض، ومنها بعض الدول المجاورة للعراق.

السؤال الرابع : هل سيطفئ الغزو الأمريكي البريطاني للعراق نار الحروب، ويقضي على العداوات والأحقاد بين طوائف الشعب العراقي وأحزابه المتصارعة؟
أو سيكون بداية لانفجار حروب طاحنة بين طوائف دينية وأحزاب سياسية، ومجموعات عرقية، يصعب وقفها والقضاء عليها، بل ألا يخشى من أن يصب العدو والمحتل الزيت على النار ليقوي الشقاق والنزاع والانقسام، تحقيقا للترتيب الاستعماري الجديد الذي قرر إضعاف الدول العربية وتقوية الدولة اليهودية؟


السؤال الخامس : هل ستمحو أمريكا باحتلالها للعراق، وتنصيبها نظاما جديدا فيه، النزعة العدوانية على بعض البلدان المجاورة.
وهل سيستمر النظام الجديد المفروض فرضا على العراق في الحكم وفي السمع والطاعة لأمريكا؟
أو سترفضه القوى المطرودة التي ستصبح هي المعارضة الجديدة، وستعيد السيرة الأولى "العدوان على بعض الجيران" بعزم أقوى وحقد أشد مما كانا عليه؟

بل هل ستضمن الدول المجاورة التي تتظاهر أمريكا اليوم أنها تدافع عنها، أن تقلب لها أمريكا ظهر المجن، فتدخلها في الترتيب الظالم الجديد؟ إذا رأت أن مصلحتها في ذلك؟

هذه الأسئلة وغيرها ترد على الأسباب التي تعلنها طوائف المعارضة العراقية، وتسوغ بها تحالفها مع الأمريكان والبريطانيين.

إن الأسباب التي تعلنها المعارضة العراقية وتسوغ بها التحالف مع دول الكفر، لإسقاط نظام بغداد الحالي، وإقامة نظام جديد، تنصبه أمريكا، هذه الأسباب ليست خاصة بالنظام العراقي، بل تتصف بغالب تلك الأسباب أنظمة في الدول العربية، وأنظمة في كثير من الشعوب الإسلامية، بنسب متفاوتة، فهل يعد ذلك مسوغا لاستدعاء أعداء الإسلام من اليهود والصليبيين لتغيير تلك الأنظمة بالقوة، وإحلال أنظمة محلها، تقيمها هي تحت عينها وبصرها؟!

إن معنى هذا أن تعطي الجماعات والأحزاب المعارضة في كل دولة، الغطاء الشرعي لاحتلال لدول الأجنبية تلك الدول والسيطرة عليها، وإنزال ظلم أشد على أهلها من الظلم الذي أنزله بها بعض أبنائها، وهو أمر لا يمكن أن يرضى به ذو عقل سليم؟


المحور الثاني..

حكم الاستعانة بغير المسلمين على غير المسلمين.

إن الموضوع الذي ذكر العلماء فيه الاختلاف في الاستعانة بغير المسلمين، كان في استعانة المسلمين بالمشركين على المشركين، والنصوص التي فهم منها جواز الاستعانة أو عدمها، هي في هذا المعنى، وليست في استعانة المسلمين بالكفار على المسلمين.
ولهذا يجب على علماء العصر، عندما يذكرون الحكم الشرعي، جوازا أو عدم جواز، أن يحرروا محل النزاع، حتى لا يختلط على الناس الأمر.

النصوص دالة على النهي عن الاستعانة بالمشركين على المشركين، ومن قال بذلك من العلماء

منها حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، أنها قالت: « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بدر، فلما كان بحرة الوبرة أدركه رجل قد كان يذكر منه جرأة ونجدة، ففرح أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حين رأوه، فلما أدركه قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: جئت لأتبعك وأصيب معك.قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (تؤمن بالله ورسوله)؟ قال: لا، قال: (فارجع فلن أستعين بمشرك)
قالت: ثم مضى حتى إذا كنا بالشجرة، أدركه الرجل فقال له كما قال أول مرة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم كما قال أول مرة قال (فارجع فلن أستعين بمشرك) قال ثم رجع فأدركه بالبيداء، فقال له كما قال أول مرة: (تؤمن بالله ورسوله)؟ قال: نعم. فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم (فانطلق)
» [صحيح مسلم، برقم (1817)]

ومنها حديث خبيب بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده رضي الله عنه، قال: « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته فأتيته أنا ورجل قبل أن نسلم، فقلنا: إنا نستحيي أن يشهد قومنا مشهدا، فقال (أأسلمتما)؟ قلنا: لا. قال: (فإنا لا نستعين بالمشركين على المشركين) فأسلمنا وشهدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتلت رجلا وضربني الرجل ...فتزوجت ابنته فكانت تقول: لا عدمت رجلا وشحك هذا الوشاح. فقلت لا عدمت رجلا عجل أباك إلى النار »
[أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (2563) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" وخبيب بن عبد الرحمن بن الأسود بن حارثة، جده صحابي معروف وله شاهد عن أبي حميد الساعدي"]

ومنها حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه، قال: « خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا خلف ثنية الوداع، إذا كتيبة، قال: (من هؤلاء)؟ قالوا بنو قينقاع، وهو رهط عبد الله بن سلام، قال: (وأسلموا)؟ قالوا: لا بل هم على دينهم، قال: (قل لهم فليرجعوا فإنا لا نستعين بالمشركين) » [نفس المصدر، برقم (2564)]



من قال بعدم جواز الاستعانة بالمشركين.

المالكية:

"في الاستعانة بالمشركين على قتال العدو قلت : هل كان مالك يكره أن يستعين المسلمون بالمشركين في حروبهم ؟ قال : سمعت مالكا يقول : بلغني  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : « لن أستعين بمشرك » قال : ولم أسمعه يقول في ذلك شيئا , قال ابن القاسم : ولا أرى أن يستعينوا بهم يقاتلون معهم إلا أن يكونوا نواتية أو خداما , فلا أرى بذلك بأسا . ابن وهب عن الفضيل بن أبي عبد الله عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم , أنها قالت : خرج رسول الله صلى الله..." [ثم أورد حديث عائشة السابق. المدونة (/)

"( واستعانة بمشرك لا لكخدمة ) من المدونة قال ابن القاسم : لا يستعان بالمشركين في القتال لقوله صلى الله عليه وسلم : « لن أستعين بمشرك » . ولا بأس أن يكونوا نواتية وخدمة . ابن رشد : ولا بأس أن يستعار منهم السلاح... وأجاز ابن حبيب أن يقوم الإمام بمن سالمه من الحربيين على من لم يسالمه . وروى أبو الفرج عن مالك : لا بأس للإمام أن يستعين بالمشركين في قتال المشركين إذا احتاج إلى ذلك" التاج والإكليل لمختصر خليل"

( و ) حرم علينا ( استعانة بمشرك ) والسين للطلب فإن خرج من تلقاء نفسه لم يمنع على المعتمد ( إلا لخدمة ) منه لنا كنوتي أو خياط أو لهدم حصن . ( قوله : بمشرك ) المراد به مطلق الكافر لا خصوص من يشرك مع الله إلها آخر فهو من إطلاق الخاص , وإرادة العام ( قوله : لم يمنع على المعتمد ) [حاشية الدسوقي]


نصوص دالة على الاستعانة بالمشركين، على المشركين ومن قال بذلك من العلماء

منها الاستعانة بهم في أخذ السلاح منهم، وهذا أمر مباح مشروع، ولا حرج فيه سواء كان بيعا، أو إعارة، مالم يكن مشروطا بشروط تضر المسلمين.
ومن ذلك استعارة الرسول صلى الله عليه وسلم، أدرع صفوان بن أمية، كما حديث جابر الطويل في قصة غزوة حنين: « ...بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى صفوان بن أمية، فسأله أدراعا، مائة درع وما يصلحها من عدتها، فقال: أغصبا يا محمد؟ قال: ( بل هي مضمونة حتى نؤديها إليك ) ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم سائرا » [أخرجه الحاكم في المستدرك، برقم (4369) وقال: "صحيح الإسناد ولم يخرجاه]
عن بن شهاب قال: "غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم، غزوة الفتح فتح مكة، ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بمن معه المسلمين، فاقتتلوا بحنين فنصر الله دينه والمسلمين، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يومئذ صفوان بن أمية مائة من النعم ثم مائة ثم مائة، قال بن شهاب: حدثني سعيد بن المسيب، أن صفوان قال: والله لقد أعطاني رسول الله ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إلي، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي" [مسلم، برقم (2313)]

ومن ذلك حديث عائشة رضي الله عنها، في قصة استئجار الرسول صلى الله عليه وسلم، عبد الله بن أريقط الديلي الليثي، ليدله على الطريق في هجرته إلى المدينة، وكان مشركا على دين قومه.

قال البخاري رحمه الله: "باب استئجار المشركين عند الضرورة، أو إذا لم يوجد أهل الإسلام...... عن عائشة رضي الله عنها: « واستأجر النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلا من بني الديل ثم من بني عبد بن عدي، هاديا خريتا.... وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، ووعداه غار ثور بعد ثلاث ليال، فأتاهما براحلتيهما صبيحة ليال ثلاث، فارتحلا وانطلق معهما عامر بن فهيرة والدليل الديلي فأخذ بهم أسفل مكة وهو طريق الساحل » [البخاري، برقم (2144)

ومنها حديث ابن عمر في إقرار الرسول يهود خيبر على العمل في أرض خيبر، فقد روى ابن عمر: "أن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما أجلى اليهود والنصارى من أرض الحجاز وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ظهر على خيبر أراد إخراج اليهود منها وكانت الأرض حين ظهر عليها لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمسلمين وأراد إخراج اليهود منها فسألت اليهود رسول الله صلى الله عليه وسلم ليقرهم بها أن يكفوا عملها ولهم نصف الثمر فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: « نقركم بها على ذلك ما شئنا فقروا بها حتى أجلاهم عمر إلى تيماء وأريحاء » [البخاري (2213) ومسلم (1551)

ومن ذلك حديث عائشة في قصة استعانة الرسول صلى الله عليه وسلم، بعبد الله بن أريقط الديلي الليثي، ليدله على الطريق عند هجرته إلى المدينة، قالت عائشة رضي الله عنها: « لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم، من الغار مهاجرا ومعه أبو بكر، وعامر بن فهيرة مردفه أبو بكر، وخلفه عبد الله بن أريقط الليثي فسلك بهما أسفل من مكة ثم مضى بهما حتى هبط بهما على الساحل أسفل من عسفان...الحديث » [الحاكم في المستدرك، برقم (4272) وقال: صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه]

 

من قال بجواز الاستعانة بالمشركين

الحنفية:

قال الجصاص الحنفي:
قوله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزوا ولعبا } فيه نهي عن الاستنصار بالمشركين ; لأن الأولياء هم الأنصار . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم « أنه حين أراد الخروج إلى أحد جاء قوم من اليهود وقالوا : نحن نخرج معك , فقال : إنا لا نستعين بمشرك » , وقد كان كثير من المنافقين يقاتلون مع النبي صلى الله عليه وسلم المشركين . وقد حدثنا عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا أبو مسلم : حدثنا حجاج : حدثنا حماد عن محمد بن إسحاق عن الزهري : « أن ناسا من اليهود غزوا مع النبي صلى الله عليه وسلم فقسم لهم كما قسم للمسلمين » . وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا ما حدثنا محمد بن بكر قال : حدثنا أبو داود قال : حدثنا مسدد ويحيى بن معين قالا : حدثنا يحيى عن مالك عن الفضل عن عبد الله بن نيار عن عروة عن عائشة قال يحيى :  « إن رجلا من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم ليقاتل معه فقال : ارجع ثم اتفقا فقال : إنا لا نستعين بمشرك  » . وقال أصحابنا : لا بأس بالاستعانة بالمشركين على قتال غيرهم من المشركين إذا كانوا متى ظهروا كان حكم الإسلام هو الظاهر , فأما إذا كانوا لو ظهروا كان حكم الشرك هو الغالب فلا ينبغي للمسلمين أن يقاتلوا معهم . ومستفيض.." [أحكام القرآن]
وقال في موضع آخر: " قوله تعالى : { بشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } قيل في معنى قوله { أولياء من دون المؤمنين } أنهم اتخذوهم أنصارا وأعضادا لتوهمهم أن لهم القوة والمنعة بعداوتهم للمسلمين بالمخالفة جهلا منهم بدين الله ; وهذا من صفة المنافقين المذكورين في الآية , وهذا يدل على أنه غير جائز للمؤمنين الاستنصار بالكفار على غيرهم من الكفار ; إذ كانوا متى غلبوا كان حكم الكفر هو الغالب ; وبذلك قال أصحابنا"

الشافعية:

قال الشافعي وإن كان مشرك يغزو مع المسلمين وكان معه في الغزو من يطعيه من مسلم أو مشرك وكانت عليه دلائل الهزيمة والحرص على غلبة المسلمين وتفريق جماعتهم لم يجز أن يغزو به وإن غزا به لم يرضخ له لأن هذا إذا كان في المنافقين مع استتارهم بالإسلام كان في المكتشفين في الشرك مثله فيهم أو أكثر إذا كانت أفعاله كأفعالهم أو أكثر ومن كان من المشركين على خلاف هذه الصفة فكانت فيه منفعة للمسلمين القدرة على عورة عدو أو طريق أو ضيعة أو نصيحة للمسلمين فلا بأس أن يغزي به [الأم (4/166)]

الحنابلة
قال ابن قدامة: "فصل ولا يستعان بمشرك وبهذا قال ابن المنذر والجوزجاني وجماعة من أهل العلم وعن أحمد ما يدل على جواز الاستعانة به وكلام الخرقي يدل عليه أيضا عند الحاجة وهو مذهب الشافعي .." (9/207)

 

وقد لخصت الموسوعة الفقهية مذاهب العلماء في الجمل الآتية:

"الاستعانة بأهل الكتاب في القتال"
ذهب الحنفية , والحنابلة في الصحيح من المذهب , والشافعية ما عدا ابن المنذر , وابن حبيب من المالكية , وهو رواية عن الإمام مالك إلى : جواز الاستعانة بأهل الكتاب في القتال عند الحاجة . ..... وصرح الشافعية والحنابلة بأنه يشترط أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين ويأمن خيانتهم , فإن كانوا غير مأمونين لم تجز الاستعانة بهم ; لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذل والمرجف , فالكافر أولى .
كما شرط الإمام البغوي وآخرون شرطا آخر , وهو : أن يكثر المسلمون , بحيث لو خان المستعان بهم , وانضموا إلى الذين يغزونهم , أمكنهم مقاومتهم جميعا .
وشرط الماوردي : أن يخالفوا معتقد العدو, كاليهود والنصارى . ويرى المالكية ما عدا ابن حبيب , وجماعة من أهل العلم , منهم ابن المنذر والجوزجاني : أنه لا يجوز الاستعانة بمشرك ; لقوله عليه الصلاة والسلام: « فارجع فلن أستعين بمشرك » . ولا بأس أن يكونوا في غير المقاتلة , بل في خدمات الجيش ..."

فأنت ترى من النصوص وأقوال العلماء، أن محل الخلاف إنما هو في استعانة المسلمين بالمشركين على أعدائهم من المشركين، وأن القائلين بالجواز اشترطوا شروطا تمنع ما قد يتوقع من ضرر يلحق بالمسلمين من الاستعانة بهم، كما هو واضح.
وقد يدعي المعارضون للنظام العراقي، أن القصد من هذه الحرب، ليس الشعب العراقي المسلم، وإنما المراد بها الرئيس العراقي ونظامه، وهو كما يصرح كثير منهم نظام كافر، فهم إنما يستعينون بكافر طارئ، على كافر متمكن، والطارئ ينتهي وجوده بالقضاء على الكافر المتمكن، فهو من ارتكاب أخف الضررين.

وهي دعوى باطلة لا يخفى بطلانها على عاقل، للأمور الآتية:

الأمر الأول: أن الحكم بالكفر على معين يعلن إسلامه، يحتاج إلى محققين من أهل الفقه في الدين، يطبقون عليه قواعد التكفير، وليس ذلك كلأ مباحا لكل الناس، وبخاصة الخصم الذي كثيرا ما يعتدي على خصمه.

الأمر الثاني: أن كثيرا من المعارضين لا فرق بينهم وبين رأس النظام هذا، بل كانوا له شركاء في كل ما يتهمونه به الآن، وما ينطبق عليه ينطبق عليهم.
الأمر الثالث: أن بعض أحزاب المعارضة، هم من ذوي المذاهب الدينية المتعصبة التي تحمل حقدا شديدا على خصمها المخالف لها، بل تحكم عليه بالكفر في واقع الأمر، وإن أظهرت غير ذلك خداعا وتضليلا.

ولهذه الأحزاب أهداف تخطط لها من زمن بعيد في داخل العراق وخارجها، تدعمها في ذلك قوى خارجية، وإذا حققت هذه الأهداف، أحدثت في المنطقة من الشرور والمفاسد ما هو أشد من الشرور الحالية، وإنه لمن المؤسف حقا أن كثيرا من الناس يجهلون هذا الأمر ولا يلقون له بالا.

الأمر الرابع: أنه ليس من السهولة بمكان، أن تسقط الحرب بأسلحتها المعاصرة، النظام العراقي، بدون أن تزهق الكثير من الأرواح من المدنيين والعسكريين، وتسيل كثيرا من الدماء، وتحدث الإعاقات السيئة بكثير من البشر، وتحطم غالب مرافق البلد وتقضي على خيراته، ليصبح شعبا مدمرا يحتاج إلى عقود كثيرة من الزمن ليستعيد شيئا من ضرورات حياته.

هي إعانة وليست استعانة

ومع ذلك يجب أن يعلم أن الحالة التي يجري البحث فيها الآن، وهي العدوان الأمريكي على العراق، وما سيعقبه من أخطار، ليس فيه استعانة مسلمين بكفار في الحقيقة، بل فيه إعانة من يدعون الإسلام للكفار على الشعب العراقي المسلم، فالكفار هم الذين أعدوا العدة لهذه الحرب، وهم الذين دعوا المعارضين للنظام إلى الانضمام إليهم، ليتخذوهم ذريعة يضفون بها شرعية على عدوانهم، وإعانة المسلم للكافر على أخيه المسلم أشد جرما من استعانة المسلم بالكافر، فالأمريكان والمعارضون العراقيون، شبيهون بـ(المحلل والمحلل له) في باب النكاح، وحكم ذلك معروف.

رجحان مصلحة المسلمين فيما جرى من استعانتهم بغيرهم

ثم إن الحالات التي استعان فيها الرسول ببعض المشركين، واضح رجحان مصلحة المسلمين فيها، لأن المستعان به إما أن يكونوا أفرادا مأموني الجانب، كما هو الحال في قصة عبد الله بن أريقط الديلي، دليل الرسول صلى الله عليه وسلم في الهجرة، وإما أفرادا في جيش عرمرم من المسلمين، كما في قصة صفوان بن أمية وأصحابه في غزوة حنين، وإما طائفة تحت قيادة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في قصة بني قينقاع التي روي فيها استعانة الرسول صلى الله بهم، فقد كانوا محكومين بالوثيقة المشهورة التي عقدها الرسول صلى الله عليه وسلم مع كافة سكان المدينة، من الأنصار بقبيلتيهم، الأوس والخزرج، والمهاجرين، واليهود بقبائلهم الثلاث، بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة.

وكان مرد أهل الوثيقة كلهم هو الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، كما يظهر من النص الآتي: (وإن على اليهود نفقتهم، وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه، وإن النصر للمظلوم، وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين، وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة، وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم، وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها، وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم " [السيرة النبوية (3/35)]

وسبق أن الذين أجازوا للمسلمين الاستعانة بالمشركين على المشركين، وليس على المسلمين، اشترطوا بـ"أن يعرف الإمام حسن رأيهم في المسلمين ويأمن خيانتهم , فإن كانوا غير مأمونين لم تجز الاستعانة بهم ; لأننا إذا منعنا الاستعانة بمن لا يؤمن من المسلمين مثل المخذل والمرجف, فالكافر أولى". كما اشترطوا " أن يكثر المسلمون, بحيث لو خان المستعان بهم, وانضموا إلى الذين يغزونهم, أمكنهم مقاومتهم جميعا".

فماذا يقول الذين يعينون الكفار على الشعب المسلم في العراق؟ هل الصليبيون واليهود مأمونون على المسلمين؟ وهل عندهم قدرة على مقاومة الأمريكان وأعوانهم الذين لا يشك في خيانتهم مسلم يؤمن بالله وباليوم الآخر؟!


المحور الثالث: حكم الاستعانة بغير المسلمين على المسلمين.


ظاهر مما سبق، أن اختلاف العلماء في جواز الاستعانة بالمشركين، يشروطها، أو عدم جواز ذلك، إنما هو في استعانة المسلمين بالمشركين على المشركين.
وعلى هذا فإن استعانة المسلمين بالمشركين على المسلمين، هو من اتخاذ الكافرين بطانة من دون المؤمنين، ومن موالاة أعداء الله الكافرين على عباده المؤمنين، ومعلوم حكم من يفعل ذلك.

تحريم الولاء للكفار و اتخاذهم بطانة منهم

معلوم أن الواجب على المؤمنين، أن يكون الله تعالى هو وليهم، وأن يكون بعضهم أولياء بعض، يتحابون ويتناصرون، كما قال تعالى: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا... } الآية [المائدة ()]
قال ابن جرير رحمه الله: " القول في تأويل قوله تعالى { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } يعني تعالى ذكره بقوله: { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا } ليس لكم أيها المؤمنون ناصر إلا الله ورسوله والمؤمنون الذين صفتهم ما ذكر تعالى ذكره، فأما اليهود والنصارى الذين أمركم الله أن تبرءوا من ولايتهم، ونهاكم أن تتخذوا منهم أولياء، فليسوا لكم أولياء ولا نصراء، بل بعضهم أولياء بعض ولا تتخذوا منهم وليا ولا نصيرا " [جامع البيان في تأويل آي القرآن (6/287)]

ومعلوم كذلك حرمة موالاة المؤمنين لأعداء الله الكافرين، قال تعالى: { يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } [المائدة (51)]

قال القرطبي رحمه الله: " قوله تعالى: { ومن يتولهم منكم } أي يعضدهم على المسلمين { فإنه منهم } بين تعالى أن حكمه كحكمهم، وهو يمنع إثبات الميراث للمسلم من المرتد، وكان الذي تولاهم ابن أبي، ثم هذا الحكم باق إلى يوم القيامة في قطع المولاة.

وقد قال تعالى: { ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار } وقال تعالى في آل عمران: { لا تتخذوا بطانة من دونكم } وقد مضى القول فيه.
وقيل: إن معنى بعضهم أولياء بعض أي في النصرة، { ومن يتولهم منكم فإنه منهم } شرط وجوابه، أي لأنه قد خالف الله تعالى ورسوله، كما خالفوا، ووجبت معاداته كما وجبت معاداتهم، ووجبت له النار كما وجبت لهم فصار منهم أي من أصحابهم" [الجامع لأحكام القرآن (6/217)]

و من أهم الأهداف التي يتخذ المنتسبون للإسلام الكفار أولياء من دون المؤمنين، ظنهم أنهم ينالون من موالاتهم العزة في الدنيا، كما قال تعالى: { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا } [النساء (139)] وهم لا ينالون في الحقيقة إلا نقيض قصدهم، وهي الذلة، لأنهم طلبوا العزة من غير العزيز الذي لا يملك العزة سواه.

قال القرطبي رحمه الله: "قوله تعالى: { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين } الذين نعت للمنافقين، وفي هذا دليل على أن من عمل معصية من الموحدين ليس بمنافق، لأنه لا يتولى الكفار، وتضمنت المنع من موالاة الكافر وأن يتخذوا أعوانا على الأعمال المتعلقة بالدين، وفي الصحيح عن عائشة رضي الله عنها، أن رجلا من المشركين لحق بالنبي صلى الله عليه وسلم يقاتل معه، فقال له: « ارجع فإنا لا نستعين بمشرك » [الجامع لأحكام القرآن (5/416)]

وقال ابن كثير رحمه الله: "وقوله تعالى: { من كان يريد العزة فلله العزة جميعا } أي من كان يحب أن يكون عزيزا في الدنيا والآخرة، فليلزم طاعة الله تعالى، فإنه يحصل له مقصوده، لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعا، كما قال تعالى: { الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين أيبتغون عندهم العزة فإن العزة لله جميعا } وقال عز وجل: { ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا } وقال جل جلاله: { ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون } [تفسير القرآن العظيم (2/550)]

تحريم اتخاذ غير المؤمنين بطانة من دونهم

قال تعالى: { يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون } [(118)]

ومعنى قوله { بطانة من دونكم } دخلاء من غيركم، وبطانة الرجل وأخلاؤه أهل سره ممن يسكن إليه ويثق بمودته .. مشتقة من البطن { لا يألونكم خبالا } أي فسادا يعني لا يقصرون في فساد دينكم، والعرب تقول ما ألوته خيرا أي ما قصرت في فعل ذلك به، وكذلك ما ألوته شرا ،كل حلف فيه ضرر على المسلمين فهو محرم [التبيان في غريب القرآن]

قال القرطبي رحمه الله: "نهى الله عز وجل المؤمنين بهذه الآية أن يتخذوا من الكفار واليهود وأهل الأهواء دخلاء وولجاء يفاوضونهم في الآراء، ويسندون إليهم أموالهم .... لا يألونكم خبالا يقول فسادا، يعني لا يتركون الجهد في فسادكم، يعني أنهم وإن لم يقاتلوكم في الظاهر، فإنهم لايتركون الجهد في المكر والخديعة ... لا آلو جهدا أي لا أقصر وألوت آلوا قصرت، قال امرؤ القيس:

وما المرء ما دامت حشاشة نفسه ،،،،،،،،،،، بمدرك أطراف الخطوب ولا آل

والخبال: الخبل، والخبل الفساد، وقد يكون ذلك في الأفعال والأبدان والعقول .... " وقيل لعمر رضي الله عنه: إن ههنا رجلا من نصارى الحيرة، لا أحد أكتب منه ولا أخط بقلم، أفلا يكتب عنك؟ فقال: "لا آخذ بطانة من دون المؤمنين". فلا يجوز استكتاب أهل الذمة، ولا غير ذلك من تصرفاتهم في البيع والشراء والاستنابة إليهم.

قلت وقد انقلبت الأحوال في هذه الأزمان، باتخاذ أهل الكتاب كتبة وأمناء، وتسودوا بذلك عند الجهلة الأغبياء من الولاة والأمراء، وروى البخارى عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: (ما بعث الله من نبي، ولا استخلف من خليفة، إلا كانت له بطانتان، بطانة تأمره بالمعروف وتحضه عليه، وبطانة تأمره بالشر وتحضه عليه، فالمعصوم من عصم الله تعالى) [تفسير القرطبي (4/(4/178...)]

تأمل قول عمر في كاتب نصراني: "لا آخذ بطانة من دون المؤمنين".وقارن بينه وبين من يعين الكفار على تحقيق أهدافهم في اغتصاب ديار المؤمنين وانتهاك حرماتهم، ونهب خيراتهم وإزهاق أرواحهم!

و قال ابن كثير رحمه الله: "يقول تبارك وتعالى ناهيا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانة، أي يطلعونهم على سرائرهم وما يضمرونه لأعدائهم، والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالا، أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودون ما يعنت المؤمنين ويحرجهم ويشق عليهم، وقوله تعالى لا تتخذوا بطانة من دونكم أي من غيركم من أهل الأديان، وبطانة الرجل هم خاصة أهله الذين يطلعون على داخلة أمره [تفسير القرآن العظيم (1/399)]


المحور الرابع: حكم تحالف المسلمين مع غير المسلمين.

الحلف قسمان:

القسم الأول: حلف لا يخالف شرع الله، بل يحقق مصالح للمسلمين وغيرهم، كحلف الفضول الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم: « لو ادعى به في الإسلام لأجبت » ويمكن تطبيق هذا الحلف اليوم بين المسلمين وغيرهم من الأمم، ما دام يحقق العدل ونصر المظلوم، ودفع العدوان.

قال القرطبي: في قوله تعالى: { وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون } [النحل (91)]:
"فيه ثلاث مسائل:
الأولى قوله تعالى: { وأوفوا بعهد الله } لفظ عام لجميع ما يعقد باللسان ويلتزمه الإنسان من بيع أو صلة أو مواثقة في أمر موافق للديانة، وهذه الآية مضمن قوله: { إن الله يأمر بالعدل والإحسان } لأن المعنى فيها افعلوا كذا وانتهوا عن كذا، فعطف على ذلك التقدير.
وقد قيل إنها نزلت في بيعة النبي صلى الله عليه وسلم على الإسلام، وقيل نزلت في التزام الحلف الذي كان في الجاهلية وجاء الإسلام بالوفاء به، قاله قتادة ومجاهد وابن زيد.

والعموم يتناول كل ذلك كما بيناه. روى الصحيح عن جبير بن مطعم قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا حلف في الإسلام، وأيما حلف كان في الجاهلية، لم يزده الإسلام إلا شدة) يعني في نصرة الحق والقيام به والمواساة. [الحديث رواه بهذا اللفظ مسلم، برقم (2530)] وهذا كنحو حلف الفضول الذي ذكره ابن إسحاق، قال: اجتمعت قبائل من قريش في دار عبد الله بن جدعان لشرفه ونسبه، فتعاقدوا وتعاهدوا على ألا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها أو غيرهم، إلا قاموا معه حتى ترد عليه مظلمته، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، أي حلف الفضائل، والفضول هنا جمع فضل للكثرة كفلس وفلوس، روي ابن إسحاق عن ابن شهاب قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا ما أحب أن لي به حمر النعم لو أدعى به في الإسلام لأجبت) [الجامع لأحكام القرآن القرطبي (10/169)]

فلو أن الأمم المتحدة، وبخاصة مجلس الأمن، التزمت بحلف من الأحلاف يتحقق به هذا المعنى الذي أثنى عليه الرسول صلى الله عليه وسلم، وقال فيه: « لم يزده الإسلام إلا شدة » لكان ذلك مما لا ينبغي للمسلمين التأخر عن المشاركة فيه.

القسم الثاني: حلف يخالف حكم الله تعالى، سواء أكان بين المسلمين، أم بينهم وبين غيرهم، من اليهود والنصارى والوثنيين.

مثال الحلف المخالف لحكم الله: الحلف الذي كان معمولا به في الجاهلية، حيث يختص يتعاقد المتحالفون على التناصر على الحق والباطل، وعلى لتوارث بينهم دون الأقارب، وكذلك التوارث بالهجرة، الذي كان معمولا به في المدينة بين المهاجرين والأنصار، عندما آخى بينهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم نسخ الله تعالى ذلك، ورد الإرث على الأقارب، كما فصل ذلك في سورة النساء، وأبقى تعالى بين المهاجرين والأنصار وكافة المؤمنين، التناصح و التناصر والمواساة.

والذي نسخ التوارث بين غير الأقرباء، قوله تعالى: { والذين آمنوا من بعد وهاجروا وجاهدوا معكم فأولئك منكم وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله إن الله بكل شيء عليم } [الأنفال (75)]

قال أبو بكر الجصاص: "قال الله تعالى : { والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم } فلم يختلف المفسرون أنهم في أول الإسلام قد كانوا يتوارثون بالحلف دون النسب، وهو معنى قوله: ((والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم)) إلى أن جعل الله ذوي الأرحام أولى من الحليف بقوله: { وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله من المؤمنين والمهاجرين }.
فقد كان حلف الإسلام على التناصر والتوارث ثابتا صحيحا.
وأما قوله : "لا حلف في الإسلام" فإنه جائز أن يريد به الحلف على الوجوه التي كان عليها الحلف في الجاهلية, وكان هذا القول منه بعد نسخ التوارث بالحلف.
وقد كان حلف الجاهلية على وجوه: منها الحلف في التناصر, فيقول أحدهما لصاحبه إذا حالفه: "دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك" فيتعاقدان الحلف على أن ينصر كل واحد منهما صاحبه، فيدفع عنه ويحميه بحق كان ذلك أو بباطل; ومثله لا يجوز في الإسلام; لأنه لا يجوز أن يتعاقدا الحلف على أن ينصره على الباطل، ولا أن يزوي ميراثه عن ذوي أرحامه ويجعله لحليفه; فهذا أحد وجوه الحلف الذي لا يجوز مثله في الإسلام..." [أحكام القرآن تفسير الآية الأولى من سورة المائدة { يا أيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود } ]

ويدخل في هذا القسم - الحلف المخالف لشرع الله - دخولا أوليا، تحالف بعض المسلمين مع بعض، على ظلم غيرهم من المسلمين أو غيرهم، وأشد جرما من ذلك، تحالف بعض المسلمين مع الكفار من اليهود والنصارى، على مسلمين، كما يحصل اليوم من التحالف مع الأمريكان على الشعب العراقي.
وقد يستمر هذا التحالف الآثم على بلدان إسلامية أخرى، لأن الحكومة الأمريكية عازمة على الاعتداء على كثير من بلدان المسلمين... لتكمل سيطرتها على المسلمين، وتتصرف في مصالحهم المادية والمعنوية كما تشاء.
وهو يعود بالنقض على تعاون المسلمين على البر والتقوى، ويقوي التعاون على الإثم والعدوان، والله تعالى يقول: { وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان }

وقال النووي رحمه الله: "وأما المؤاخاة في الإسلام والمحالفة على طاعة الله تعالى والتناصر في الدين والتعاون على البر والتقوى وإقامة الحق، فهذا باق لم ينسخ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم في هذه الأحاديث: « وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة » وأما قوله صلى الله عليه وسلم: « لا حلف في الإسلام » فالمراد به حلف التوارث والحلف على ما منع الشرع منه والله أعلم" [شرح النووي على مسلم (16/82)]


المحور الخامس: الأخطار المترتبة على هذا التحالف.
الأخطار كثير وشديدة، وذات امتداد زماني ومكاني:

1-الأخطار التي تهدد العراق:

الخطر الأول: إزهاق الأرواح المدنية والعسكرية بالأسلحة الفتاكة التي سيكون كثير منها من الأسلحة الجديدة التي جرت عادة أمريكا أن تجرب في كل حرب ما لم يستعمل منها في حروب سابقة، أو تم تطويره وإن كان قد استعمل من قبل، ومعلوم ما تحدثه الحرب إذا اندلعت في أي زمان، وبخاصة في ومننا هذا الذي تمت فيه صناعة أنواع من الأسلحة ما لم يعهد له نظير.

الخطر الثاني: تدمير مقومات الشعب العراقي الاجتماعية والاقتصادية والصناعية والعسكرية والإعلامية والثقافية والزراعية والتجارية، من العدوان الأمريكي، ومن الاقتتال الذي سينشب بين الأحزاب والطوائف العراقية المتعددة، التي غرست في نفوس بعضها على البعض الأحقاد، بسبب النزاعات والثارات السابقة الطويلة الأمد، لأن هذه الحرب إذا اندلعت، وستحاول أمريكا إشعال نار الفتنة ودعمها لتخفف على جيوشها من الضربات الشعبية والرسمية المتوقعة، التي ستكون أشد عليها من الضربات التي تلقتها في بلدان أخرى، كفيتنام والصومال وما يجري الآن في أفغانستان.
وستشتعل الحرب بين الأحزاب والطوائف والقبائل العراقية التي تملك كلها من الأسلحة الثقيلة والخفيفة، ما يكفي لطول تناحرها واقتتالها.


الخطر الثالث: نزوح سكان العراق من مدنهم وقراهم التي تشتد فيها المعارك، وتشردهم بنسائهم وأطفالهم وشيوخهم ومرضاهم طلبا للمأوى والأمن والإعاشة، وسينالهم ما نال غيرهم من البلدان التي اشتعلت فيها الحروب، في أفغانستان والدول الأفريقية، وسيلقى كثير منهم حتفه، من البرد أو الحر، والجوع والعطش، وستنتشر فيهم الأمراض المعدية والقاتلة.

الخطر الرابع: تفتيت الشعب العراقي، وتقسيمه إلى دويلات، باسم الفيدرالية، ليكون أشد ضعفا وأكثر انصياعا للمطالب الأمريكية، وتعميق معاني القوميات العرقية والدينية، التي تجعل كل قومية أو طائفة أشد عداء مما هي عليه الآن.

الخطر الخامس: إقامة حاكم عسكري أمريكي، تحت مظلة فرض الأمن، ثم فرض الغزاة نظاما جديدا بتنصيب حاكم جديد، يكون عميلا لأمريكا، على غرار كرازاي في أفغانستان، تحميه قوة عسكرية وأمنية أمريكية، تحت مظلة الأمم المتحدة، لينفذ المخططات الأمريكية الشاملة، التي تريد ترتيبها في العراق، لتكون منطلقا للتغيير في المنطقة المسماة بـ(الشرق الأوسط) وبخاصة دول الخليج التي هي الهدف الأول من الغزو الأمريكي الظالم.

وسيكون من أهم المقاصد التي لها الأولوية في العراق، تضليل عقول أجيال العراق، بتغيير ثقافتهم ومفهوماتهم الإسلامية والتاريخية والاجتماعية والوطنية والجغرافية، عن طريق وضع مناهج تعليم وبرامج إعلام، يحاولون بها تحقيق ذلك المقصد.

الخطر السادس: الهيمنة على الدول الصناعية التي تشتد حاجتها إلى البترول، كبعض الدول الأوربية واليابان والصين وتايوان وكوريا... لتكون أكثر دورانا في الفلك الأمريكي وتأييدا لسياساته الظالمة،،، ثم لتؤثر على المنظمة البترولية العالمية [الأوبك] لتفكيكها أو التلاعب في أسعارها لتناسب الإرادة الأمريكية...


الخطر السابع: السيطرة الأمريكية على بترول العراق ونهب عائداته، باسم التعويضات عن ميزانية الحملة العسكرية الظالمة، وإعادة إعمار البلد بعد تدميره، والإنفاق على القوات الأجنبية التي سترابط فيه باسم حفظ الأمن، وسيجعل ذلك غالب سكان العراق في فقر مدقع.


2-الأخطار التي تهدد الأمة الإسلامية

الخطر الأول: إدخال النظام الجديد في الشعب العراقي ضمن الدول العربية التي اعترفت اعترافا كاملا بالدولة اليهودية، بالشروط اليهودية، وبذلك يتم الضغط على بقية الدول العربية المجاورة، وبخاصة دول الخليج التي قد تبادلت بعضها العلاقات الممهدة للاعتراف الكامل باليهود (المسمى بالتطبيع) وبدأت في تنفيذ تلك الشروط، ومنها التبادل التجاري و مراجعة مناهج التعليم لتغييرها بما يحقق الأهداف اليهودية من ذلك التغيير.


الخطر الثاني: تطبيق المخطط الأمريكي الذي ينفذ في العراق، على بقية الدول العربية، وبخاصة دول الخليج وسوريا ولبنان- وربما إيران - بتغيير الأنظمة، وتقسيم الدول، وإشعال نار الفتنة بين مناطقها وطوائفها، بذلك يضمنون تمزيق الدول العربية لتكون أشد ضعفا مما هي عليه الآن، وتكون أنظمتها أكثر استجابة لتنفيذ الأوامر الأمريكية.

الخطر الثالث: تحقيق الحلم اليهودي الصليبي بإقامة دولة ما يسمى بـ"إسرائيل الكبرى" التي تريد التهام أراضي الدول المجاورة، "من النيل إلى الفرات" ولهم في الجزيرة العربية حقوق مدعاة، لا يمكن أن ينسوها، وما الذي يحول بينهم وبين تحقيق ذلك الحلم إذا أعيد "ترتيب الشرق الأوسط من جديد" كما قال وزير الخارجية الأمريكي "باول" مقتديا بـ"بيريز" الذي سمى كتابه "نحو شرق أو سط جديد"؟ ما الذي يمنعهم من ذلك إذا حققوا أهداف حملتهم الظالمة؟


الخطر الرابع: فتح باب اعتراف جميع دول الشعوب الإسلامية بالدولة اليهودية، التي تنتظر بفارغ الصبر استكمال الدول العربية للاعتراف الرسمي الواضح... وبذلك يمتد الخطر المكاني والزماني على الأمة الإسلامية.

ومعلوم هو المكر اليهودي الذي يملك ما لا يملكه العرب، في داخل فلسطين وفي العالم الخارجي، من خبرة اقتصادية ووفرة مالية، وتجارة اقتصادية، ومعاملات بنكية ومصرفيه، وصناعات مدنية وعسكرية، وخبرات سياسية واستخبارية وإدارية، وتضليل إعلامي، إضافة إلى الدعم الأمريكي والغربي القوي، وسيزداد إذا تحققت الأهداف الأمريكية قوة...

الخطر الخامس: تجهيل أجيال الأمة الإسلامية، بسلب فقهها لدينها ومقومات عزتها، ومعرفة تاريخا وثقافتها، ومعرفة أعدائها على حقيقتهم، ومعرفة جغرافية بلدانها، بتغيير مناهج تعليمها الذي يصر عليه اليهود والصليبيون، بحجة أن ما بقي من المواد الإسلامية في المناهج التعليمية، هو السبب في ما يسمونه بـ"الإرهاب".

وقد طبقت ذلك بعض الدول العربية التي تم اعترافها بالدولة اليهودية، وكثير من الدول العربية التي لم تعترف باليهود رسميا، بدأت تراجع تلك المناهج، لتكون جاهزة عندما يحين وقت الاعتراف الرسمي.
وهذا الخطر في الحقيقة هو أشد من جميع الأخطار التي ذكرت والتي لم تذكر، لأن جهل الأمة بالمصالح التي يجب أن تحافظ عليها، والمفاسد التي يجب عليها أن تجتنبها، يدمرها وهي لا تشعر بذلك.
والذي يعرف انه مريض يسعى لمعالجة مرضه، والذي لا يشعر به يهلكه وهو في غفلة عنه.

الخطر السادس: ما يجيده اليهود من الاستعانة بمرضى القلوب من المنافقين على المسلمين، كما كانوا يفعلون ذلك مع المنافقين في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد فصلت ذلك آيات القرآن الكريم، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وسيرته، وما يجيدونه كذلك من تأليب إخوانهم الكفار على المسلمين، كما فعلوا مع المشركين في جمعهم على العدوان على الرسول وأصحابه في غزوة الأحزاب....
ومكرهم وخداعهم معلوم في حقب التاريخ كلها، ومع جميع الأمم، كما أن أساليبهم معلومة كذلك.
ولهذا اجتهدت الدول الغربية في إنشاء دولة لهم في فلسطين، ليجلوهم من بلدانهم التي عاثوا فيها فسادا، ليأمنوا شرهم بعد أن شعروا بخطرهم ومكرهم، ومن تلك البلدان أمريكا...

المحور السادس: الحل الشرعي

وكان في إمكان حكومات الشعوب الإسلامية أن تمنع هذه الشرور التي نزلت بشعوبها، ومنها الحملات الأمريكية والبريطانية الظالمة وغيرهما من الدول المتحالفة معهما على العدوان، لو أتلك الحكومات طبقت شرع الله تعالى في شعوبها، وفيما بينها.

فقد رسم القرآن الكريم للمسلمين الحل الشرعي، لإنهاء النزاعات والخصومات فيما بينهم، وهو القيام بالصلح بالعدل ببين الطائفتين المقتلتين من المسلمين، وإذا بغت إحداهما على الأخرى ورفضت الصلح العادل، فالفرض على المسلمين قتال الفئة الباغية حتى تفيء إلى أمر الله، كما قال تعالى: { وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين } [الحجرات (9)]

فقد أوجب الله في هذه الآيات أن يقوم المسلمون بالصلح بين أي طائفتين منهم حصل بينهما خلاف بالعدل، فإذ لم يقبلوا الصلح بالعدل، فإنه عندئذ يجب على المسلمين أن يقاتلوا الفئة الباغية حتى تعود إلى صف المسلمين، وفي هذا اهتمام عظيم بالقضاء على أسباب الخلاف والشقاق بين المسلمين.
قال القرطبي رحمه الله: "قال العلماء: لا تخلوا الفئتان من المسلمين في اقتتالهما، إما أن يقتتلا على سبيل البغي منهما جميعا أو لا.. فإن كان الأول فالواجب في ذلك أن يمشي بينهما بما يصلح ذات البين ويثمر المكافة والموادعة، فإن لم يتحاجزا ولم يصطلحا وأقامتا على البغي صير إلى مقاتلتهما.
وأما إن كان الثاني، وهو أن تكون إحداهما باغية على الأخرى، فالواجب أن تقاتل فئة البغي إلى أن تكف وتتوب، فإن فعلت أصلح بينها وبين المقضي عليها بالقسط والعدل، فإن التحم القتال بينهما لشبهة دخلت عليهما، وكلتاهما عند أنفسهما محقة، فالواجب إزالة الشبهة بالحجة النيرة، والبراهين القاطعة على مراشد الحق، فإن ركبتا متن اللجاج ولم تعملا على شاكلة ما هديتا إليه ونصحتا به في اتباع الحق بعد وضوحه لهما، فقد لحقتا بالفئتين الباغيتين" [الجامع لأحكام القرآن: 16/317].

ولقد أهمل حكام الشعوب الإسلامية هذا الحكم، كغالب الأحكام الشرعية، فترتب على إهمالهم هذه الفتن التي نزلت بالأمة.

والعجيب أن كثيرا من هذه الدول، تهمل الإصلاح بين حكام أي دولة وبعض رعاياها عندما يحصل بينهما نزاع، وتسوغ إهمالها بأنها لا تريد التدخل في الشئون الداخلية لغيرها من الدول، والغالب أن كثيرا من تلك الدول تتدخل في شئون دول أخرى، بطرق خفية أو ظاهرة، سياسية أو دبلوماسية أو اقتصادية، بل وعسكرية إذا لزم الأمر، ولو كانت ظالمة في تدخلها إذا ظنت أن فيه مصلحة لها.
ولقد لمسنا تجربة صلح قامت بها المملكة العربية السعودية، بين المتقاتلين اللبنانيين الذين قامت الحرب بينهم فترة طويلة من الزمن، فجمعت الأطراف المتحاربة في الطائف، ومنحتهم فرصة الحوار والمشاورة، وخرجوا في النهاية بحل وقف به نزيف الدم.

واليوم يمكن للدول العربية إذا اتفقت وصدقت، أن تجمع الأطراف المتنازعة، من العراقيين من حكومة ومعارضين، في أي بلد عربي، وتقوم بما أوجب الله تعالى عليها من الصلح بالعدل بين الطوائف المختلفة، وهذا الصلح ليس سهلا، ولكنه ليس مستحيلا، إذا خلصت النيات و استعين عليه بالصبر.

ولو قامت الدول العربية بهذا الحل الشرعي، ووقفت كلها وقفة صادقة، وتعاونت مع بقية حكومات الشعوب الإسلامية، على هذا الأمر ورفضت إعانة الأمريكان بصفة مباشرة أو غير مباشرة على عدوانها لوقت شعوبها ويلات الحروب التي تأكل الأخضر واليابس.
{ يا أيها الذين ءامنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين } [المائدة (51)]
{ فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين } [المائدة (52)]
 
المصدر: خاص بإذاعة طريق الإسلام