حراسة الفضيلة - حراسة الفضيلة - الـحــجــاب الــخــاص

منذ 2014-08-14

يجب شرعًا على جميع نساء المؤمنين التزام الحجاب الشرعي، الساتر لجميع البدن، بما في ذلك الوجه والكفان، والساتر لجميع الزينة المكتسبة من ثياب وحلي وغيرها من كل رجل أجنبي.

يجب شرعًا على جميع نساء المؤمنين التزام الحجاب الشرعي، الساتر لجميع البدن، بما في ذلك الوجه والكفان، والساتر لجميع الزينة المكتسبة من ثياب وحلي وغيرها من كل رجل أجنبي، وذلك بالأدلة المتعددة من القرآن والسنة، والإجماع العملي من نساء المؤمنين من عصر النبي صلى الله عليه وسلم مرورًا بعصر الخلافة الراشدة، فتمام القرون المفضلة، مستمرًا العمل إلى انحلال الدولة الإسلامية إلى دويلات في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، وبدلالة صحيح الأثر، والقياس المطرد، وبصحيح الاعتبار بجلب المصالح ودرء المفاسد.

وهذا الحجاب المفروض على المرأة إن كانت في البيوت فمن وراء الـجُدر والخدور، وإن كانت في مواجهة رجل أجنبي عنها داخل البيت أو خارجه فالحجاب باللباس الشرعي: العباءة والخمار الساتر لجميع بدنها وزينتها المكتسبة، كما دلَّت النصوص على أنَّ هذا الحجاب لا يكون حجابًا شرعيًا إلا إذا توافرت شروطه، وأن لهذا الحجاب من الفضائل الجمة، الخير الكثيرة والفضل الوفير، ولذا أحاطته الشريعة بأسباب تمنع الوصول إلى هتكه أو التساهل فيه.

فآل الكلام في هذا الأصل إلى أربع مسائل:

المسألة الأولى: تعريف الحجاب.
المسألة الثانية: بم يكون الحجاب؟
المسألة الثالثة: أدلة فرض الحجاب على نساء المؤمنين.
المسألة الرابعة: في فضائل الحجاب.

وإليك بيانها:

المسألة الأولى: تعريف حجاب المرأة شرعًا:
الحجاب: مصدر يدور معناه لغة على: السَّتر والحيلولة والمنع.
وحجاب المرأة شرعًا: هو ستر المرأة جميع بدنها وزينتها، بما يمنع الأجانب عنها من رؤية شيء من بدنها أو زينتها التي تتزين بها، ويكون استتارها باللباس وبالبيوت.
أما ستر البدن: فيشمل جَميعه، ومنه الوجه والكفان، كما سيأتي التدليل عليه في المسألة الثالثة إن شاء الله تعالى.
وأما ستر زينتها: فهو ستر ما تتزين به المرأة، خارجًا عن أصل خلقتها، وهذا معنى الزينة في قول الله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} [النور:31] ، ويسمى: الزينة المكتسبة، والمستثنى في قوله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ‌ مِنْهَا} هو الزينة المكتسبة الظاهرة، التي لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدنها، كظاهر الجلباب -العباءة- ويقال: الملاءة، فإنه يظهر اضطرارًا، وكما لو أزاحت الريح العباءة عما تحتها من اللباس، وهذا معنى الاستثناء في قول الله تعالى: {إِلَّا مَا ظَهَرَ‌ مِنْهَا} أي: اضطرارًا لا اختيارًا، على حدِّ قول الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّـهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286].

وإنما قلنا: التي لا يستلزم النظر إليها رؤية شيء من بدنها، احترازًا من الزينة التي تتزين بها المرأة، ويلزم منها رؤية شيء من بدنها، مثل: الكحل في العين، فإنه يتضمن رؤية الوجه أو بعضه، وكالخضاب والخاتم، فإن رؤيتهما تستلزم رؤية اليد، وكالقُرط والقِلادة والسُّوار، فإن رؤيتها تستلزم رؤية محله من البدن، كما لا يخفى.

ويدل على أن معنى الزينة في الآية: الزينة المكتسبة لا بعض أجزاء البدن أمران:

الأول: أن هذا هو معنى الزينة في لسان العرب.
الثاني: أن لفظ الزينة في القرآن الكريم، يراد به الزينة الخارجة، أي المكتسبة، ولا يراد بها بعض أجزاء ذلك الأصل، فيكون معنى الزينة في آية سورة النور هذه على الجادة، إضافة إلى تفسير الزينة بالمكتسبة لا يلزم منها رؤية شيء من البدن المزين بها، أنه هو الذي به يتحقق مقصد الشرع من فرض الحجاب من الستر والعفاف والحياء وغض البصر، وحفظ الفرج، وطهارة قلوب الرجال والنساء، ويقطع الأطماع في المرأة، وهو أبعد عن الرِّيبة وأسباب الفساد والفتنة.

المسألة الثانية: بِمَ يكون الحجاب؟
عرفنا أن الحجاب لفظ عام بمعنى: السَّتر، ويراد به هنا ما يستر بدن المرأة وزينتها المكتسبة من ثوب وحلي ونحوهما عن الرجال الأجانب، وهو بالاستقراء لدلالات النصوص يتكون من أحد أمرين:

الأول: الحجاب بملازمة البيوت؛ لأنها تحجبهن عن أنظار الرجال الأجانب والاختلاط بهم.
الثاني: حجابها باللباس، وهو يتكون من: الجلباب والخمار، ويقال: العباءة والمسفع، فيكون تعريف الحجاب باللباس هو:

ستر المرأة جميع بدنها، ومنه الوجه والكفان والقدمان، وستر زينتها المكتسبة بما يمنع الأجانب عنها رؤية شيء من ذلك، ويكون هذا الحجاب بـ الجلباب والخمار، وهما:
[1]- الخمار: مفرد جمعه: خُمُر، ويدور معناه على: السَّتر والتغطية، وهو: ما تغطي به المرأة رأسها ووجها وعنقها وجيبها. فكل شيءٍ غطَّـيْتَه وستَـرْتـَهُ فقد خَـمَّرته، ومنه الحديث المشهور: «خـمِّروا آنيتكم» أي: غطُّوا فُوَّهتها ووجهها.

ومنه قول النميري: "يُخَمِّرنَ أطرافَ الـبَنَان من التُّقى ويَخْرجُنَ جنح اللَّيل معتجرات" ويسمى عند العرب أيضًا: المقنع، جمعه: مقانع، من التقنع وهو السَّتر، ومنه في الحديث الذي رواه الإمام أحمد في المسند: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا صلَّى ركعتين رفع يديه يدعو يُقَنِّع بهما وجهه.

ويسمى أيضًا: النصيف، قال النابغة يصف امرأة، سَقَطَ النصيف ولم تُرِدْ إسقاطه  فـتناولته واتـقـتنا باليدِ ويسمى: الغدفة، ومادته: غَدَفَ، أصل صحيح يدل على سَتْرٍ وتغطية، يقال: أغدفت المرأة قناعها، أي: أرسلته على وجهها.

قال عنترة:

إِن تُغدِفِـي دُونـِي القـناع فإنني *** طَبٌّ بأخـذ الفارس المـستلئم

ويقال: المسفع، وأصله في فصيح اللسان العربي: أي ثوب كان.

ويسمَّى عند العامة: الشيلة.

وصفة لبسه: أن تضع المرأة الخمار على رأسها، ثم تلويه على عنقها على صفة التحنك والإدارة على الوجه، ثم تلقي بما فضل منه على وجهها ونحرها وصرها، وبهذا تتم تغطية ما جرت العادة بكشفه في منزلها.

ويشترط لهذا الخمار: أن لا يكون رقيقًا يشف عما تحته من شعرها ووجهها وعنقها ونحرها وصدرها وموضع قرطها، عن أم علقمة قالت: رأيت حفصة بنت عبدالرحمن بن أبي بكر، دخلت على عائشة رضي الله عنها وعليها خمار رقيق يشف عن جبينها، فشقته عائشة عليها، وقالت: أما تعلمين ما أنزل الله في سورة النور؟ ثم دعت بخمار فكستها. (رواه ابن سعد والإمام مالك في الموطأ وغيرهما).


[2]- الجلباب: جمعه جلابيب، وهو: كساء كثيف تشتمل به المرأة من رأسها إلى قدميها، ساتر لجميع بدنها وما عليه من ثياب وزينة.

ويقال له: الـمُلاءة، والـمِلْحَفة، والرداء، والدثار، والكساء.

وهو المسمى: العباءة، التي تلبسها نساء الجزيرة العربية.

وصفة لبسها: أن تضعها فوق رأسها ضاربة بها على خمارها وعلى جميع بدنها وزينتها، حتى تستر قدميها.
وبهذا يعلم أنه يشترط في أداء هذه العبادة لوظيفتها -وهي ستر تفاصيل بدن المرأة وما عليها من ثياب وحلي-:

◄ أن تكون كثيفة، لا شفافة رقيقة.
◄ وأن يكون لبسها من أعلى الرأس لا على الكتفين؛ لأن لبسها على الكتفين يخالف مُسَمَّى الجلباب الذي افترضه الله على نساء المؤمنين، ولما فيه من بيان تفاصيل بعض البدن، ولما فيه من التشبه بلبسة الرجال، واشتمالهم بأرديتهم وعباءاتهم.
◄ وأن لا تكون هذه العباءة زينة في نفسها، ولا بإضافة زينة ظاهرة إليها، مثل التطريز.
◄ وأن تكون العباءة -الجلباب- ساترة من أعلى الرأس إلى ستر القدمين، وبه يعلم أن لبس ما يسمى: نصف فَـجَّة وهو ما يستر منها إلى الركب لا يكون حجابًا شرعيًا.


تــنــبــيـه: من المستجدات كتابة اسم صاحبة العباءة عليها، أو الحروف الأولى من اسمها باللغة العربية أو غيرها، بحيث يقرؤها من يراها، وهذا عبث جديد بالمرأة، وفتنة عظيمة تجر البلاء إليها، فيحرم عمله والاتِّجار به.

بكر بن عبد الله أبو زيد

عضو اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية سابقاً ورئيس المجمع الفقهي الدولي ... رحمه الله رحمة واسعة وغفر له ولوالديه ولمشايخه ولتلامذته ولمحبيه.

المقال السابق
وجوب الإيمان بالفوارق بين الرجل والمرأة
المقال التالي
الـحــجــاب الــخــاص (2)