أيتها الزوجة.. ماذا لوالديك بعد الزواج؟!

منذ 2014-08-13

إن وقت الكبر لدى الأبوين من أهم أوقات البر إذ إنهما في ذلك العمر يكونان في أمس حاجة للخدمة والرعاية، بل إن منهما من يكون عاجزًا عن خدمة نفسه، ومنهم من لا يستطيع في كثير من الأوقات أن يقوم من سريره لشرب جرعة ماء! ليتنا نواصل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر»، ولتعلم أن ما نقدمه لآبائنا لهو مكتوب لنا وعلينا وفي الدنيا ولا شك سترد إلينا بضاعتنا، وسنجد أبناءنا يفعلون معنا ما كنا نفعل بآبائنا وأمهاتنا، ثم يوم القيامة يكون الجزاء الكامل.


يتعهد الوالدان إبنتهم بالرعاية، فتكبر أمامهما يوماَ بعد يوم، وتبدو متفتحة مثل الزهرة بألوانها فتسعد عيونهما وقلوبهما برؤيتها، ويظل يتدفق عليها الحب والتدليل والعطاء من والديها، ثم يبدآن بعد ذلك في تجهيزها وإعدادها لاستلام مهمتها التي خلقت من أجلها لتواصل سنة الحياة، فتبدأ تتساقط دمعاتهما عندما تخرج من بيتهما إلي بيت زوجها حيث تكون هذه اللحظة هي آخر المطاف لإتمام تلك الرسالة تجاهها..

وربما في بداية زواجها تبقى فترتها الأولى متعلقة بالبيت الذي تربت وترعرعت فيه، فتواصلهما بالسؤال، وبعض الزيارات، حتى أن يرزقها الله تعالى بالأولاد فتلتحم حياتها بالأعباء والضغوط، فتقابلها مسئولية أولادها ورعايتهم، ومسئولية الصغار منهم ومسئولية زوجها، تائة وسط كل هذه المهام، فتبدأ في تقليل الزيارات تجاه أبويها، ثم تتباعد تلك الزيارات تدريجياَ، حتى يصل السؤال عنهما بعد ذلك عن طريق الجوال ليس إلا!
لا شك أن قلوب الأبوين لترتجف لذلك البعد، شوقًا لرؤيتها، فقط يريدان منها ان يطمئنا عليها ويسمعا عنها كل خير، رغم لهفتهما عليها وشوقهما إليها.

لكننا ههنا نتساءل: إلى من نترك هؤلاء الآباء والأمهات؟!
فبعد مرور الزمان لا شك أنهم لم يبقوا على حالهم، فقد أكلت الأيام شبابهم وحيويتهم، فهل نتركهم لأنفسهم التي كبرت وضعفت، أم لزوجة ابن لترعاهم؟ -وقد أفسد الإعلام أفكار النساء وصور لهم أم الزوج بأوصاف كلها تتسم بالظلم- لا شك أن الأحق برعايتهما هي ابنتهما التي منحوها كل غالٍ وسمين من حياتهم، فزوجة الابن غير مكلفة برعايتهما، وإن فعلت ذلك فإنما تفعله لوجه الله تعالى أو بنية إرضاء زوجها.

لكن هناك من زوجات الأبناء من لا ينظرن لذلك الثواب ولا لطاعة الزوج، بل تريد كل منهن أخذ زوجها من أبويه، وكأنه أصبح ملكاَ لها، وليس لأبويه بعد ذلك عليه أي حقوق، وللأسف بعض الأزواج يرضخون لتسلط تلك الزوجة! وعلى الجانب الآخر فقد تتحجج بناتهن، فإحداهن تلقي اللوم على زوجها وتصفه بأنه شديد القسوة وقد يمنعها من الخروج في معظم الأوقات!

وأخرى تتحجج بأنها امرأة عاملة، فهي في الصباح في عملها، وتعود مهرولة إلي أولادها وبيتها، وكل همها مباشرة رعاية أسرتها، إلي أن تنتهي طاقتها فلا تستطيع المواصلة لرعاية أبويها وتتلاحق الأيام، حتى تصل للشهر والشهرين دون زيارة أبويها، وربما دون السؤال عنهما..! وأخريات يعترفن بالتقصير، ورغم ذلك يكون تواصلهن لآبائهن لا يزيد عن مجرد كلمات في الجوال تقولها إحداهن ويداها مشغولتان بعمل آخر

ما أردت قوله ها هنا أنه لا بد على هؤلاء النساء أن يتيقظن من تلك الغفلة التي عادة لا يفيقن منها إلا بعد فوات الأوان! لا شك أننا نقدر معاناة كل زوجة ومسئولة في بيتها، وعليها من الحقوق والواجبات ماعليها، لكن لا بد -على آية حال- أن يحققن الموازنة لإرضاء الزوج والأولاد ولا ينسين حق وإرضاء الأبوين أيضاَ.

أما إن كان بعض الأزواج فعلاَ يمنع زوجته من الخروج حتى لأبويها، فأعرض لكم نموذجًا لامرأة أعرفها كان زوجها فعلاَ شديدًا عليها، وكثيرًا ما يمنعها من الخروج لأبويها، لكنها عندما لجأت إلى الله تعالى ودعت ربها، ثم قامت بأداء دور إيجابي في رعاية أم زوجها التي أصابها مرض شديد، تقول: "لقد افترشت لأم زوجي سريراَ بجانب أولادي فعاشت معنا، وكنت عندما أجهز الطعام أقوم أولاَ بإطعامها بيدي فأضع في فمها الملعقة قبل أن أضعها في فم أولادي، كنت أرغب في ثوابي من الله تعالي، فلما وجد زوجي ورأي بعينيه كم أنا أرعى أمه تغيرت معاملته لي تغيراَ جذرياَ وأصبح إنسانا آخر!".

فقد حققت تلك الزوجة بحكمتها وذكائها وخوفها وتقواها لله تعالى التوفيق في كسب محبة زوجها، فما كان بعد ذلك يمنعها أبدا من الخروج لزيارة أبويها أو لأي شيء تريده قط.
أم أخرى وجدت نفسها وحدها برغم مالديها من الأولاد والبنات، فالأولاد في شغلهم وتجارتهم وسفرهم، وبناتها عاملات متزوجات، وتظل هي تحكي للجدران قصتها، ويسمع جيرانها شكواها وأنينها بينما هي في ظلمة ليل بهيم.

فلماذا لا تجعل ابنتها تلك العاملة -التي تتحجج بأن الوقت ينتهي وتفقد قواها دون الاستطاعة للخروج لزيارة أبويها- يوما خاصا كيوم إجازتها لزيارتهما، أو تبحث مع زوجها عن طريق آخر تقوم فيه بدورها، إن الآباء غالبا غير محتاجين للدعم المادي من بناتهم، إنما يحتاجون أن تصلهم مشاعر الحنان والعطف منهن، ولا أفضل من مواصلتهن بالزيارة، فقد أوصانا الله تعالى بالوالدين في كتابه الكريم قال سبحانه: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].

إن وقت الكبر لدى الأبوين من أهم أوقات البر إذ إنهما في ذلك العمر يكونان في أمس حاجة للخدمة والرعاية، بل إن منهما من يكون عاجزًا عن خدمة نفسه، ومنهم من لا يستطيع في كثير من الأوقات أن يقوم من سريره لشرب جرعة ماء!

ليتنا نواصل دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: «رب أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر» (صحيح مسلم: 2723). ولتعلم أن ما نقدمه لآبائنا لهو مكتوب لنا وعلينا وفي الدنيا ولا شك سترد إلينا بضاعتنا، وسنجد أبناءنا يفعلون معنا ما كنا نفعل بآبائنا وأمهاتنا، ثم يوم القيامة يكون الجزاء الكامل.

ندعو الله ربنا أن يجعل خير أيامنا خواتيمها ويوم لقائه.

 

أميمة الجابر