فقيه من نوع آخر!

منذ 2014-08-14

هناك أناس يفعلون المعاصي ويبحثون عن مخارج ليقعوا فيها ويقوموا بخداع أنفسهم ويعلمون أنهم قد يحاسبون على هذا العمل الذي قد عملوه، لكنهم مع ذلك يبحثون ويحاولون أن لا يجعلوا لأنفسهم مجالاً للومهم..

بعض الناس يقع في خطأ ولأجل أن لا تلومه نفسه على هذا الخطأ يبدأ بالبحث لنفسه عن مخارج وتبريرات؛ لأجل أن يخرج من لوم نفسه فمثلاً: إنسان عقّ والديه فلما قالت له نفسه: "لماذا تعق والديك؟" يبدأ بالقول لنفسه "لأن أبي لم يعطني مالاً، أبي لم يشترِ لي سيارة، أبي لم يربيني مثل ما قام فلان بتربية ابنه.." ويبدأ يبحث لنفسه عن مخارج وأسباب لأجل أن يستمر على هذا العقوق، قل مثل ذلك لو أن إنسانًا أكل مال إنسان آخر وجلس يبرر خطأه ويستدعي أسبابًا ليبرئ نفسه..

ذكر أن شابًا كان محبًا لطلب العلم، ويريد أن يسافر من بلد إلى بلد، والعلماء في السابق لم تكن عندهم وسائل تكنولوجية مثل اليوم فمثلاً لو أراد إنسان أن يطلب العلم لاستطاع وهو جالس في بيته من خلال الإنترنت، قراءة الكتب، وسؤال أهل العلم... في السابق لم يكن لديهم مثل ما هو بين أيدينا اليوم، كان الواحد منهم يُضطر أن يسافر من بلد إلى بلد لأجل أن يطلب العلم ويتعلم.

هذا الشاب طالب علم وأراد أن يسافر من بلد إلى بلد ومعه كتبه وشيء من ثيابه، أقبل هذا الشاب إلى القافلة واتفق معهم ومضى مع هذه القافلة. كان يحدثهم ويصلي بهم والقافلة تسير في هذه الصحراء، فجأة وإذا بمجموعة من قطاع الطريق يقطعون الطريق على هذه القافلة ويسرقون ما فيها، ويأخذون المتاع والدواب، حتى إنهم نزعوا ملابس من على القافلة وأخذوها ولم يدعوا على كل واحد إلا ما يستر عورته. 

وقف الشاب ينظر إلى اللصوص وهم يقتسمون الأموال ويقتسمون الدواب والثياب لم يهتم الشاب بدابته ولا ملابسه ولكن همته كتبه فذهب الشاب إلى زعيم اللصوص وقال: "السلام عليكم. قال له الزعيم: اذهب وإلا قتلناك. قال له طالب العلم: أخذتم مني شيء يضرني ولا ينفعكم. قال: ماذا دابتك؟ لن نعيدها، ثيابك، أموالك لن تعاد إليك. قال: لا، كتبي وأشار إليها".

فأمر الزعيم اللصوص فجاؤوا بالكيس وفتحوه وقال خذ كتبك، وأُعجب زعيم اللصوص بالشاب وقال: "أعطوه ملابسه أعطوه دابته، وأخذ مجموعة من المال وقال خذ هذه هدية. قال الشاب: أما هذه فلا. قال اللص: لماذا؟ 
قال:هذا مال حرام. قال زعيم اللصوص: والله إن هذا المال أحلّ لنا وأطيب من المطر، قال الشاب: كيف يكون حلالاً؟!" 

قال اللص: "اجلس ودعا أحد التجار الواقفين فقال له: ما تجارتك؟ قال: تجارتي في الإبل والغنم. قال اللص: كم نصاب الإبل؟ قال ذلك التاجر: كيف! والله لا أعلم. وسأله سؤالا آخر فأجابه أيضًا: بلا أعلم! قال له اللص: أي أنك لم تزكِ من قبل. قال التاجر: نعم. قال اللص: اذهب ثم نادى آخر فقال له: ما تجارتك؟ قال: اشتغل في الذهب والفضة. قال اللص: كم نصاب الذهب قال 70. قال: خطأ. قال: 80. قال اللص: خطأ. فسأله سؤالا آخر ولم يستطع الإجابة، فقال: اذهب فخذ هذا اللص الفقيه يسأل الناس فجميعهم لا يزكون!" 

عندها التفت زعيم اللصوص إلى الشاب وقال له: "هؤلاء أموالهم لما كانوا لا يخرجون الزكاة منها صار فيها حق زائد ليس لهم فيبعثنا الله إليهم لنؤدبهم ونخرج الحق منهم!" وكلامه كمن قال:
 

كمطعمة الأيتام من كدِّ عرضها *** لك الويل لا تزني ولا تتصدقي


انظروا أيها الأحبة الكرام إلى هذا اللص كيف جعل لنفسه مخرجًا وهو في الحقيقة ليس بمخرج وسيحاسب على هذا العمل.

وذكروا أن قاضيًا أوقف بين يديه لص، وكان هذا اللص قد قفز في بيتٍ وكسر خزانة الحديد وسرق ما فيها، فلما وقف بين يدي القاضي قال له القاضي: "اسمع يا فلان أنا لا أتعجب من أنك سارق فقد رأيت هذا عدة مرات لكني أعجب من شيء واحد..! قال اللص: ما هو؟ قال: أنا أعجب كيف استطعت أن تكسر الحديد وتستخرج المال! فقال اللص أيها القاضي أما سمعت قول الشاعر:
 

ألا بالحرص يحصل ما تريدُ *** وبالتقوى يلين لك الحديدُ


فقال القاضي: ما شاء الله داوود أمامي {وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ: 10] لو عندك تقوى ما سرقت المال".
أيها الأحبة: هناك أناس يفعلون المعاصي ويبحثون عن مخارج ليقعوا فيها ويقوموا بخداع أنفسهم ويعلمون أنهم قد يحاسبون على هذا العمل الذي قد عملوه،  لكنهم مع ذلك يبحثون ويحاولون أن لا يجعلوا لأنفسهم مجالاً للومهم، أسأل الله أن لا نكون منهم.

خالد بن علي الغامدي

أستاذ مشارك في تخصص القرآن وعلومه.