ملامح العروبة الأصيلة
حيَّا الله عرباً لا نعرفهم، ولا ينطقون بلساننا ولا يحملون أسمائنا.. وبئس عربي من بني جلدتنا، يطأطأ الرأس خيانةً، ويخفت الصوت غدراً، ويتوارى خجلاً، ويتآمر سراً وعلناً، ولا ذاك الذي يسكت ويجبن، ويغمض عينيه ويتردد، ويقف عاجزاً ويتفرج.
ليس العربي من نطق بالعربية، ولا من انتسب إلى أهل الضاد، وأجاد النطق والتعبير بها، ولا ذاك وإن حفظ المعلقات السبع أو العشر، وارتوى من عيون الشعر، واغترف من مظانِ الأدب، وهو ليس من سكن في الأرض العربية، وحمل جنسيةً عربية، وكان جوازه عربياً..
وليس العربي من عرف أن نسبه يمتدُ إلى غسان أو عدنان، أو كان أصله مضرياً أو نجدياً، أو يمنياً أو حجازياً، ولا من كان نسبه عربياً نقياً، صافياً غير مدخولٍ أو مطعونٍ فيه، وهو ليس من ولد لأبوين عربيين ينطقان العربية، ويحملان ملامحها، وهو ليس من لبس العباءة ووضع العقال، وغطى رأسه بغترةٍ سوداء أو حمراء..
ولا ذاك الذي يشرب حليب النوق ويسكن أو يخرج إلى الصحراء، ولا من يملك صقراً ويحب العيش تحت الخيام، ولا ذاك الذي تتناثر من جيوبه ومحفظته الدنانير والدولارات، وتراه في البارات والمقاهي والكباريهات، تحت أقدام الراقصات والغانيات، وهو ليس الذي يلتف حوله المنافقون ليسرقوه أو ينهبوه، أو يغدق عليهم ببعض ما عنده..
وليس العربي من يجالس العدو، ويتبادل معه أطراف الحديث وسوالف الأيام، ولا ذاك الذي يتفق معه ويتعاون، وينسق مع أجهزته ويتخابر، ليس عربياً في شيءٍ من صدق العدو وآمن به ووثق فيه، العربي ليس لساناً، كما أنه ليس هيئة وشكلاً، ولا يدل عليه اسمه ولقبه ولو كان أحمد أو محمداً.
إنما العربي من يهب لنجدة أخيه، ويسارع إلى مساعدته والوقوف معه، وهو الذي ينزع ثوبه ليستر أخته ويغطي ما انكشف من عورتها، وبان من جسدها، العربي هو ذاك الإنسان الحر الشريف الثائر المنتصر للحق والمؤيد له..
إنه صاحب النخوة والشهامة، والنبل والشجاعة، والصدق والكرامة، إنه الذي لا يرضى بالضيم، ولا يسكت على الحيف، ولا يقبل بالإهانة، إنه المنتصر للضعيف، والمجيب للملهوف، والمكرم للضيف، والباش في وجه الصديق، وهو الذي لا يقبل بالظلم ولا يجبن عن بيانه، ولا يتردد في مواجهته..
للعرب إخوانٌ وأنصارٌ باتوا اليوم في أقاصي الكون وخلف البحار، لسانهم أعجميٌ وشكلهم أجنبي، وعاداتهم غريبة، لكنهم عربٌ أقحاحٌ في سلوكهم، وأصلاء في أخلاقهم، أصحاب شهامةٍ ونبل، وخلقٍ رفيعٍ وشرفٍ منيع، تمعرت وجوههم غضباً، واحتدت كلماتهم وارتفعت أصواتهم غيرةً وألماً..!
حيَّا الله عرباً لا نعرفهم، ولا ينطقون بلساننا ولا يحملون أسمائنا..
وبئس عربي من بني جلدتنا، يطأطأ الرأس خيانةً، ويخفت الصوت غدراً، ويتوارى خجلاً، ويتآمر سراً وعلناً، ولا ذاك الذي يسكت ويجبن، ويغمض عينيه ويتردد، ويقف عاجزاً ويتفرج..
العربيُ سلوكٌ وممارسة، وخلقٌ وعمل، وغيرةٌ وشرف، وعزةٌ وكرامة، وانتماءٌ إليها بصدقٍ ودم.
مصطفى يوسف اللداوي
كاتب و باحث فلسطيني
- التصنيف: