في مدرسة الهجرة الشريفة - (1) حسن التوكل على الله تعالى
يعني صدق اعتماد القلب على الله في دفع المضار وجاب المنافع، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي إلا الله ولا يمنع إلا الله ولا يضر ولا ينفع سواه. ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
يعني صدق اعتماد القلب على الله في دفع المضار وجاب المنافع، وتحقيق الإيمان بأنه لا يعطي إلا الله ولا يمنع إلا الله ولا يضر ولا ينفع سواه. ومن يتوكل على الله فهو حسبه.
قال تعالى: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق:2] وقال: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه} [الطلاق:3]. وقال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق:3]، وقال صلى الله عليه وسلم: « » [رواه أحمد].
يقول داود بن سليمان رحمه الله: "يستدل على تقوى المؤمن بثلاث: حسن التوكل فيما لم ينل، وحسن الرضا فيما قد نال، وحسن الصبر فيما قد فات" (صيد الخاصر (3830) بتصرف يسير).
دنياك بحر عميق لا قرار له *** هيهات ينجو الفتى فيها من الغرق
فاجعل سفينتك التقوى ومحملها *** الايمان واستصحب الناجي من الفرق
واجعل شراعك من حسن التوكل في *** سير الطريق وثق بالله تستبق
ولقد كان صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة الشريفة متوكلاً على ربه واثقاً بنصره يعلم أن الله كافيه وحسبه، ومع هذا كله لم يكن صلى الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها. بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان.
فالقائد: محمد، والمساعد: أبو بكر، والفدائي: علي، والتموين: أسماء، والاستخبارات: عبد الله، والتغطية وتعمية العدو: عامر، ودليل الرحلة: عبد الله بن أريقط، والمكان المؤقت: غار ثور، وموعد الانطلاق: بعد ثلاثة أيام، وخط السير: الطريق الساحلي. وهذا كله شاهد على عبقريته وحكمته صلى الله عليه وسلم، وفيه دعوة للأمة إلى أن تحذو حذوه في حسن التخطيط والتدبير وإتقان العمل واتخاذ أفضل الأسباب مع الاعتماد على الله مسبب الأسباب أولاً وأخرا.
ويتجلى ذلك من خلال استبقاء النبي صلى الله عليه وسلم لعلي وأبي بكر معه؛ حيث لم يهاجرا إلى المدينة مع المسلمين، فعليّ رضي الله عنه بات في فراش النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رضي الله عنه صحبه في الرحلة.
ويتجلى كذلك في استعانته بعبد الله بن أريقط الليثي وكان خبيراً ماهراً بالطريق، ويتجلى كذلك في كتم أسرار مسيره إلا من لهم صلة ماسّة، ومع ذلك فلم يتوسع في إطلاعهم إلا بقدر العمل المنوط بهم، ومع أخذه بتلك الأسباب وغيرها لم يكن ملتفتاً إليها بل كان قلبه مطوياً على التوكل على الله عز وجل. ولقد حسن التوكل الحقيقي على الله تعالى خير دليل نجاح هذه الرحلة ولقد تمثل ذلك في التالي:
1- اختيار الصاحب المناسب وهو أبو بكر الصديق اختاره من بين جميع الصحابة.
2- التعريض له بالخبر، فلم يقطع له النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الصحبة في الهجرة وإنما قال: «
» .3- إعداد راحلتين قبل مدة طويلة من الهجرة، إذ لو اشترى الراحلتين قبيل الهجرة فربما لفت أنظار قريش إلى ذلك، وماذا يريد أبو بكر بهاتين الراحلتين إلا لأمر بيته مع محمد؟ وبخاصة بعد تفاقم الأزمة واشتداد الوحشة بعد بيعة العقبة الثانية، وهذه رواية البخاري.
4- دفع الراحلتين إلى الدليل قبل الهجرة.
5- زيارة أبي بكر كل يوم، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يخطئه يوم أن يأتي أبا بكر غدوة وعشية، وعلى هذا لم يكن الأمر غريباً على قريش في مجيئه إليه وقت التخطيط للهجرة.
6- تغيير الوقت المعتاد للزيارة، ولعل ذلك بسبب الرصد من قبل قريش لزياراته في الوقت المعتاد.
7- اختيار الوقت المناسب للزيارة وهو وقت الظهيرة حيث يستظل الناس ويكونون في بيوتهم.
8- الخروج إلى أبي بكر متنكراً بالقناع حتى لا يعرف.
9- الإسرار لأبي بكر بخبر الهجرة، وكتمان ذلك عن أهل بيته في بداية الأمر حيث قال له: «
» .10- الإسراع في إعداد الزاد وتجهيزه.
11- مبيت علي على الفراش، كما في المسند لأحمد.
12- الخروج من خوخة في ظهر بيت أبي بكر ولم يخرجوا من الباب المعتاد، كما في رواية ابن إسحاق.
13- الخروج من الطريق المعاكس لطريق المدينة، فالأصل أن يخرجوا من جهة الشمال حيث طريق المدينة، فخرجوا جهة الجنوب.
14- اختيار الغار حيث البعد عن الأنظار للاختفاء فيه.
15- البقاء في الغار ثلاثة أيام حتى يسكن الطلب عنهما.
16- التخطيط للتعرف على كيد العدو ومتابعته وإعطاء هذا الأمر أهمية كبيرة.
17- اختيار الرجل المناسب لهذه المهمة في متابعة أخبار قريش وترتيباتها للقبض عليهما، فقد اختاروا شاباً قد لا يلفت نظرهم، ويمتاز بالذكاء والفطنة فيلتقط كل خبر ولا يفوته شيء.
18- متابعة الأخبار أولاً بأول حيث يأتي بالخبر كل يوم، فالحدث لا يستحمل التأخير أكثر من هذا.
19- ترتيب مجيء المخبر وانصرافه، سواء في وقت المجيء والانصراف، أو في طريقة الذهاب والإياب.
20- إسناد مهمة الإتيان باللبن للرجل المناسب وهو الراعي عامر بن فهيرة.
21- ترتيب حضور عامر بن فهيرة وانصرافه.
22- إتباع عامر بن فهيرة أثر عبد الله بن أبي بكر بالغنم حتى تعمي أثره، كما هو عند ابن إسحاق.
23- اختيار الدليل ذي الكفاءة العالية.
24- الخروج من الغار آخر الليل، كما في البخاري وعند موسى بن عقبة.
25- سلوك طريق غير الطريق المعتاد للمدينة.
26- اصطحاب عامر للخدمة.
27- مواصلة السير بدون توقف.
28- تأخير وقت الراحة.
29- حمل أبي بكر جميع ماله، ومن فوائد ذلك أن أبا بكر كان رجلاً غنياً فربما لحقهم الطلب فاستطاع أن يفدي أنفسهما بذلك المال، وكان مبلغاً كبيراً قدر بخمسة آلاف، كما عند ابن إسحاق، وتقدير المبلغ. رواه أحمد والحاكم.
بدأ التخطيط العلمي للهجرة بعرض النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على الوافدين إلى مكة وعقد بيعة العقبة الأولى والثانية وبايعهم المصطفى صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة في المنشط والكسل والنفقة في العسر واليسر، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وألا تأخذهم في الله لومة لائم، وأن ينصروه ويمنعوه إذا قدم إليهم بما يمنعون منه أنفسهم وأزواجهم.
30 ـ وقبل ذلك كله أرسل المصطفى صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير ليعلمهم وليمهد البيئة في المدينة المنورة لقدوم المصطفى صلى الله عليه وسلم والمهاجرين.
بدر عبد الحميد هميسه
- التصنيف: