من آداب الحج
إذا دخل المسلم في الإحرام فعليه أن يجرد تفكيره من شواغل الدنيا و فتنها، و يتجه بكل كيانه إلى الله راجيًا منه التوفيق و القبول عازمًا على تجديد إيمانه و تنقيته و تخليصه من كل الشوائب و التهيئة لأن يستقبل بين جنباته إنسانًا جديدًا على النسق الذي يحبه الله و رسوله صلى الله عليه و سلم.
قال تعالى في سورة الحج: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [ الحج الآية:32]
و شعائر الله هي كل ما أمر الله به؛ علمنا الحكمة منه أم لم نعلم؛ فأداء شعيرة معينة بشكل معين في زمان معين دون معرفة الحكمة هو مطلق التسليم، وبما أن الأمر صادر عن الله فالواجب هو الإمتثال التام و إجلال هذا الأمر لأن ذلك برهان الإيمان و دليل التقوى.
فإذا كانت الشعيرة التي نجهل الحكمة منها هو برهان الإيمان فماذا عن الأحكام و الآداب التي تبدو الحكمة فيها جلية واضحة؟
فالمسلم إذا شرع في أداء فريضة الحج عليه أن يفكر أول ما يفكر هو التحلل من كل حقوق العباد المادية و المعنوية، فلا يغادر ارض بلاده إلا بعد أن يبرئ ذمته تمامًا من كل تلك الحقوق، فكما قيل أن الحقوق بين العباد مبنية على المشاحة، فالله سبحانه و تعالى قد يغفر كل الذنوب حتى أنه يقبل التوبة من الشرك ولكن العباد ليس كذلك.
فالمسلم قد لا يتنازل عن أي مظلمة صدرت من أخيه حتى و إن صغرت و هنا مكمن الخطورة الذي يبين ضرورة التحلل من حقوق العباد.
أما الخطوة التالية فإنه يتوجه بكل قلبه إلى الله مجددًا النية فينوي أداء الركن الخامس من أركان الإسلام الذي يكمل به الدين، و يخلص نيته من أي شبهة رياء عاقدًا العزم على أن يؤدي المناسك على الوجه الأكمل الذي لا إبتداع فيه ولا إنحراف عن سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم مهما وجد من مبتدعين.
ولن يتأتى له ذلك إلا بالإطلاع على مناسك الحج كاملة من وسائل الإعلام المختلفة، و حبذا لو استصحب معه كتيبًا يكون مرجعًا له في رحلته.
أما اختيار الصحبة فالمسلم ليس في حاجة للتأكيد على أهمية انتقاء رفاق الرحلة لأنه سيكون أمس الحاجة لمن يعينه على الطاعة والنحمل وحسن أداء العبادة.
أما إذا دخل في الإحرام فعليه أن يجرد تفكيره من شواغل الدنيا و فتنها، و يتجه بكل كيانه إلى الله راجيًا منه التوفيق و القبول عازمًا على تجديد إيمانه و تنقيته و تخليصه من كل الشوائب، و التهيئة لأن يستقبل بين جنباته إنسانًا جديدًا على النسق الذي يحبه الله و رسوله صلى الله عليه و سلم، ليصدق الله حتى يصدقه الله، فيعيده من الحج كما ولدته أمه كما قال صلى الله عليه و سلم في الحديث الشريف: « » ( البخاري؛ رقم: [1820])
وهذا الأمر يتطلب بالطبع مجاهدة مستمرة و تذكرًا دائمـًا بالله و استحضار للآية الكريمة التي بدأنا بها وهي قوله تعالى: {ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ} [ الحج الآية:32]
و ذلك عند التعامل مع الله، وأما عند التعامل مع العباد؛ فعليه أن يتذكر قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «الراوي: أنس بن مالك ( البخاري؛ رقم: (13))
»فيتعامل مع أخيه باللين والرفق بل بالإيثار، بل عليه أن يتحمله إن أساء إليه فيغلق أي باب يحاول الشيطان أن يفتحه بينهما لينسيهما أن مجرد الجدال ممنوع شرعا في الحج .
وإني لأعجب كل العجب من مسلم يتهافت على عمل نافلة غير مبال بما قد يسببه لأخيه المسلم من ضرر؛ ففي زحام الحج يكون هلاك المرء محققا إذا حدث أي تهاون في مراعاة حقوق الأخرين.
فإذا كان تجنب إيذاء المسلم مقدما على كل شئ في غير الحج؛ فما بالنا أثناء ممارسة عبادة وشعيرة شددنا
إليها الرحال وأنفقنا فيه المال وبذلنا فيها الجهد والعرق لنعود وقد حملنا- لاقدرالله-ذنب دم أخ مسلم
أو حتى ما دون ذلك.
ولذا على المسلم قبل أن يغادر أن يعي جيدا حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي قاله في حجة الوداع فقد روى ابن عباس أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خطَب الناسَ يومَ النحرِ فقال : ي « » ( البخاري؛ رقم: (1739))
وبهذا عليه أن يضع نصب عينيه أنه قد اجتمع قدسية المكان مع حرمة دم أخيه المسلم ويكفي أن يتذكر الآية الكريمة عن قدسية الحرم المكي وقيل أن مكة كلهاحرم، إذ يقول الله تعالى: { وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُّذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [ الحج من الآية: 23] فكما أن الحسنات تتضاعف هناك فإن السيئات تتضاعف كذلك والعياذ بالله.
فرحلة الحج يقوم بها المسلم وكله رجاء أن يغتسل من كل آثامه؛ فكيف يقبل لنفسه أن يعود منها محملا بمزيد من الأثام والكبائر.
فإن كان السفر يكشف عن المعدن الحقيقي للمرء؛ فإنا نطمح من رحلة الحج أن تحول كل المعادن إلى جواهر نفيسة يباهي الله بها الملائكة.
سهام علي
كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.
- التصنيف:
- المصدر: