العشر على الأبواب فهلموا

منذ 2015-07-08

فهذه الأيام المباركة تدخل في النفحات الربانية التي لاتنقطع، والتي تجعل باب الأمل مفتوحا دائما على مصراعيه لكل مسلم يشعر بالتقصير- وكلنا مقصر- ليغتنم الفرصة ويتقرب إلى الله، فيرفع له درجاته ويمحو عنه سيئاته لعله ينال قربة يرزق بها حسن الخاتمة، فيكون من الآمنين الناجين من هول يوم عظيم .

لم يبق الا أقل القليل على إطلالة شهر ذي الحجة؛ شهر القربات، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم عن بدايته : 

« ما العملُ في أيامِ العشْرِ أفضلَ من العملِ في هذه . قالوا : ولا الجهادُ ؟ قال : ولا الجهادُ، إلا رجلٌ خرجَ يخاطِرُ بنفسِه ومالِه، فلم يرجِعْ بشيءٍ» 

الراوي: عبدالله بن عباس  (صحيح البخاري ؛ رقم: ([969]). 

وفي حديث آخر قال صلى الله عليه وسلم: «ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه من العمل فيهن من هذه الأيام العشرفأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد»   الراوي: عبدالله بن عمر (مسند أحمد؛ رقم: [7/224]).

فهذه الأيام المباركة تدخل في النفحات الربانية التي لاتنقطع، والتي تجعل باب الأمل مفتوحا دائما على مصراعيه لكل مسلم يشعر بالتقصير- وكلنا مقصر- ليغتنم الفرصة ويتقرب إلى الله، فيرفع له درجاته ويمحو عنه سيئاته لعله ينال قربة يرزق بها حسن الخاتمة، فيكون من الآمنين الناجين من هول يوم عظيم .

وإضافة إلى تخصيص هذه الأيام بالذكر في الحديث فإنها تقع في الأشهر الحرم التي خصها المولى بالذكر كذلك في قوله تعالى: {إنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّـهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّـهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚفَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} [التوبة :36]

وأبواب العمل الصالح التي يستطيع المسلم القيام بها خلال هذه الأيام لا حصر لها؛ فمنها عيادة المريض، ومنها اتباع الجنائز، ومنها بذل الصدقة بنوعيها؛ المادية والمعنوية، كذلك الإكثار من النوافل بكل أنواعها، الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر..

ثم يكون تتويج كل هذه الأعمال باتباع سنة الرسول صلى الله عليه وسلم بصوم يوم عرفة، ثم الاحتفال  بعيد الأضحى في اليوم العاشر من الشهر بإقامة صلاة العيد، وهو كذلك اليوم الذي يبدأ فيه المسلم ذبح الاضاحي ليوزع منها على الفقراء، ويهدي منها لأقاربه وأحبائه، ويكون التواد والتراحم بين المسلمين في أجلى معانيه، سواء أكان ذلك بصلة الأرحام أم بالعطف على كل محتاج، أم ببذل كل محاولة لإدخال السرور على المسلمين قدر المستطاع، في نفس الوقت الذي يبذل فيه قصارى جهده لاجتناب المخالفات الشرعية.

وفضل العشر من ذي الحجة يسوق دائما للحديث عن مشروعية صومها وبتعبير أدق عن حكم صوم الثمانية الأولى منها، فبتتبع الفتاوى المنشورة للعلماء ليس هناك دليل قاطع لديهم يثبت أو ينفي أن النبي صلى الله عليه وسلم  كان يصومهن،غير أنها تدخل ضمن العمل الصالح، فهي بذلك يسري عليها حكم أي نافلة؛ من استطاع صامها وله أجرها إن شاء الله، ومن لم يستطع أو وجد أنها تقعده عن نافلة أخرى هي خير منها  فالأولوية للأفضل. فقد كان ابن مسعود رضي الله عنه يؤثر قراءة القرآن على صوم النافلة. 

كذلك من استطاع القيام بعمل يتعدى نفعه للآخرين يكن خيرا له فالنبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول: « خيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه» الراوي: عثمان بن عفان (صحيح البخاري؛ رقم: [502]).

والعمل ذو النفع المتعدى أجره عظيم؛ حتى أن الأعمال التي خصت بأن أجرها لاينقطع حتى  بعد وفاة صاحبها؛ إنما هي من الأعمال المتعدية الفائدة، فقد قال صلى الله عليه وسلم: «إذا مات الإنسانُ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ ؛ صدقةٍ جاريةٍ ، أو علمٍ يُنتَفَعُ به ، أو ولدٍ صالحٍ يدْعو له»  الراوي: أبو هريرة ( صحيح الجامع؛ رقم:  [793]).

 فإذا كانت المفاضلة بين النوافل ترجح نافلة على أخرى؛ فما بالنا إذا كانت النافلة تقعد عن واجب؛ فلا زلت أذكر إحدى الأخوات الفضليات الحريصات على الطاعات بما فيها صوم النوافل؛ لكنه كان يقعدها تماما عن أداء واجباتها كزوجة وأم وربة منزل. ونجد كثيرًا من الموظفين يتقاعسون عن قضاء حوائج الناس بحجة الصلاة أو الإعياء بسبب الصوم، مما يؤدي إلى تعطيل المصالح والتسبب في الحرج الشديد لأصحابها.

فمما لا يشعر بالرضا أن يلزم المسلم نفسه بنافلة، ليست سنة مؤكدة كما لو كانت فريضة على حساب اشياء أخرى أهم؛ ثم يقوم بتصنيف نفسه وتصنيف الآخرين على أساسها كما يحدث أحيانا. لكن إن خلص عمله من كل تلك الشوائب فلا بأس إن شاء الله.

أما المسلم الذي يبحث عن الإنصاف لنفسه وللآخرين؛ فعليه أن يبدأ بها من الداخل، فينقي قلبه ويخلصه من كل مايفسده، فلا تفسد عبادته، ويتذكر قوله تعالى: {وَلَا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ . يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا  بَنُونَ . إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّـهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [ الشعراء الآيات:87 :89]. 

وقال صلى الله عليه وسلم: « ألا وإن في الجسدِ مُضغَةً : إذا صلَحَتْ صلَح الجسدُ كلُّه، وإذا فسَدَتْ فسَد الجسدُ كلُّه، ألا وهي القلبُ» الراوي: النعمان بن بشير (صحيح البخاري؛ رقم: [52]).
 

وهذا هو إصلاح الباطن الذي يظهر أثره واضحا على سلوك المسلم عندما يقوم بالإحسان إلى الآخرين والتعامل معهم برفق ورحمة، وهذا كان خلق نبينا العظيم الذي أخبرنا بعظم جزاء الذي يبر أخاه المسلم ويعينه ويكرمه فعلًا وقولًا في أحاديث عديدة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «أقربُكم مني مجلسًا يومَ القيامةِ أحسنُكم خُلُقًا» الراوي: علي بن أبي طالب (صحيح الجامع؛ رقم : [1176]).

والله العلي القدير نسأل ألا يحرمنا فضل هذه الأيام ويرزقنا العام المقبل حجة مبرورة حيث يجتمع شرف الزمان مع شرف المكان.  

سهام علي

كاتبة مصرية، تخرجت في كلية الإعلام، وعضوة في هيئة تحرير موقع طريق الإسلام.