حكمة مشروعية الأضحية
حينما نتذكَّر ما كان مِن الخليل وإسماعيل عليهما السَّلام من الامتثال لأمر الله والثَّبات، ونرى إيثارهما طاعة الله ومَحبَّتَه على مَحبَّة كلِّ شيء سوى الله، تَقْوى عزائمنا، وتتسابق هِمَمُنا في طاعة الله عزَّ وجلَّ.
إن الحمد لله، نَحْمده ونستعينه ونستغفرُه، ونعوذ باللَّه من شُرور أنفسنا ومن سيِّئات أعمالنا، مَنْ يهده اللَّه فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أنْ لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، المَلِكُ الحقُّ المبين، ربُّ العالمين، وإلهُ الأوَّلين والآخرين، وقَيُّوم السَّموات والأرَضِين، يقول الحقَّ وهو يهدي السبيل.
وأشهد أنَّ محمدًا عبد الله ورسوله، النبِيُّ المصطفى، والرسول الْمُجتبَى، الصَّادق الأمين، البشير النذير، والسراج الأزهر المنير، أرسله الله تعالى رَحْمَة للعالَمين، فشرح به الصُّدور، وأنار به العقول، فتح به أعينًا عُمْيًا، وآذانًا صُمًّا، وقلوبًا غُلفًا، اللهم صلِّ وسلِّم وبارِكْ عليه وعلى آله الأَطْهار، وأصحابه الأخيار، والتَّابعين لهم بإحسان إلى يوم الدِّين، وسلِّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فما هي حِكْمة مشروعية الأُضْحِيَّة؟
1- إحياء سُنَّة سيدنا إبراهيم عليه السَّلام:
الله عزَّ وجلَّ يقول: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:123].
قال الإمام ابن الجوزي في (زاد المسير): "قوله تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} [النحل:123]. مِلَّتُه: دِينُه، وفيما أُمر باتِّباعه من ذلك قولان: أحدهما: أنه أُمر باتِّباعه في جميع مِلَّتِه، إِلاَّ ما أُمر بتركه، وهذا هو الظاهر.
والثاني: اتباعه في التَّبَرُّؤ من الأوثان، والتديُّن بالإِسلام (قاله: أبو جعفر الطَّبَري)، وفي هذه الآية دليل على جواز اتِّباع المفضول؛ لأنَّ رسولَنا صلى الله عليه وسلَّم أفضلُ الرُّسل، وإِنما أُمر باتِّباعه؛ لِسَبْقِه إِلى القول بالحق".
2- نتعلم منها الصبر والامتثال لأمر الله:
حينما نتذكَّر ما كان مِن الخليل وإسماعيل عليهما السَّلام من الامتثال لأمر الله والثَّبات، ونرى إيثارهما طاعة الله ومَحبَّتَه على مَحبَّة كلِّ شيء سوى الله، تَقْوى عزائمنا، وتتسابق هِمَمُنا في طاعة الله عزَّ وجلَّ.
قال تعالى: {فلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ . فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ . وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ . قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ . وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ . وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ . سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ . كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ . إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ} [الصافات:102-111].
3- في الأضحية توسعة على الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء والفقراء:
وذلك يزيد الأُلْفة والْمَحبَّة بين المسلمين، وهذا أمر مطلوب ومَحْمود، لا سيَّما في هذه الأيام المباركة.
4- في الأضحية شكر لله عزَّ وجلَّ:
إنَّ نِعَم الله عزَّ وجلَّ كثيرة جدًّا، {لا تُعدُّ ولا تُحْصى وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا} [إبراهيم:34]، كنِعْمة الإيمان والطاعة، والسمع والبصر، والمال والأولاد، وهذه النِّعَم تحتاج إلى شكر لِبَقائها، ومن طرُقِ شكر الله على نِعَمِه الإنفاق في سبيل الله، والأُضْحية من صور شكر الله سبحانه وتعالى.
سالم جمال الهنداوي
- التصنيف:
- المصدر: