دمعة صامتة

منذ 2014-10-28

هذه نفثة ساخرة متألمة، تحاكي واقعا ولا تحكيه، لا تسخر من الشرع، بل تسخر ممن يتستر بالشرع لنفث سمومه وأهوائه وأمراضه.

(1)

في الشارع تعالت أصوات أشباه الكائنات، الذين يفِرُون من أمام القوات الباسلة بعد أن تولت زمام الأمور من رئيس باهت، اعتقلته واشتدت المطاردة واشتدًّ البلاء على أشباه الكائنات.

انطلق الرصاص بغزارة، تمزقت الأجساد وتشوهت الوجوه.

تدافعت أمواج المقهورين أشباه الكائنات من أمام أحد المساجد.

هز الشيخ رأسه متأسفًا.

بوادر الحنق والغيظ باديةُ على وجوه طلابه -أمل الأمة-

 

(2)

في قاعة المحكمة، قُيِّدَ المتهمون إلى حاجز فولاذي يفصل بينهم وبين من حضر ليشهد الحكم.

حكمت المحكمة على كل من:

1- مجرد إنسان / السجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة بتهمة تقويض نظام الحكم، من خلال مسيرة طالب فيها بكل صفاقة (بعودة رئيس البلاد المنتخب الباهت).

2- كائن تافه / السجن سبع سنوات مع الأشغال الشاقة بتهمة التستر على المتهم الأول، من خلال عدم الإبلاغ عنه.

3- المواطن المثالي / الإفراج عنه لصمته الوطني وانقياده الشرعي لولي أمر البلاد.

 

(3)

ارتفعت صوت السياط وهي تلهب ظهور (مجرد إنسان – كائن تافه)، في الوقت الذي كان يُجري فيه سماحة مفتي السلطان زيارة توعوية للسجن.

تناهى إلى سمعه أصوات المعذبين، فظهر الانزعاج على قسمات وجهه الطاهرة، فتلوَّن وجه مدير السجن وهم بقول شيء ما ولكن...

أومأ له سماحة المفتي أن كفى وهلمَّ بنا

سار الاثنان عبر الأقبية الوردية العطرة، ودهاليز جميلة مبشِّرة إلى أن وصلا إلى غرفة التعذيب.

نظر سماحته إلى المعذبين طويلاً.

ثم التفت إلى المدير ساخطاً ومؤنباً.

الأصوات منفرة ومزعجة، ألا تستطيع تأديب هؤلاء المجرمين دون أن يشوش صراخهم علينا؟!

اعزل هذه الجدران على من فيها...

(4)

في المسجد، لم ينته درس الشيخ بعد.

قال الشيخ:

يجب أن يكون العلم باعثاً على العمل، وفي هذه الظروف المحيطة بنا يجدر بنا أن نتناول نِتَفاً من العلوم التي تعالج هذه الظواهر...

حلًّت علامات الحيرة مكان التجهُم على وجوه طلابه النجباء

أعلنها الشيخ مدوية

ننتقل الآن من أحكام الطهارة إلى فقه الطريق وأحكامه وإعطاءه حقه وما الأخلاق التي يجب أن يتحلى بها المسلم عند مروره من أبواب المساجد، وتأثيم الإتيان بما شأنه إزعاج طلبة العلم أثناء تأديتهم لهذه الفريضة العظيمة...

أخذ يسرد الأدلة، ومرة ثالثة تبدلت الملامح على وجوه الطلبة من الحيرة إلى الإعجاب والفخر بهذا العالِم العلَم.

 

(5)

غابت شمس هذا اليوم الحزين

وأغلقت السجون على سكانها

والقبور على نازليها

علا وجوه الأحرار وجوم وسكون

يتأملون حال إخوة لهم في طلب العلوم

وقد تكلست مشاعرهم

وتبلدت مآقيهم عن مجرد الطَّرف

لمشهد أنهار الدم...

وشغلهم الشاغل -أولئك المنتكسون- الاختيارات الفقهية لمسائل فرعية وترجيح الأقوال

في الوقت الذي تتأرجح فيه أجساد العباد

على أعواد التعذيب والقهر

ثم...

هذه نفثة ساخرة متألمة

تحاكي واقعا ولا تحكيه

لا تسخر من الشرع

بل تسخر ممن يتستر بالشرع لنفث سمومه وأهوائه وأمراضه

والتي تتوافق -تمام التوافق- مع الطاغوت

فصاروا طواغيت بالتبع

دمعة على من يتدثرون بعباءة العزلة والكهنوتية باسم الشرع حفاظاً على أنفسهم من الفتن -زعموا- فتحجرت كلمة الحق على شفاههم

حشرجة صامتة مختنقة من تدليس بعض الأشياخ وكذبهم وخَورهم

انقباضة مؤلمة من نفاق بعضهم وتقديس أولياء أمورهم، حتى كأن لسان حالهم يقول:

هم المعصومون وإن بدا لنا جورهم ونفاقهم بل وكفرهم

دمعة صامتة حفرت مجرى في صدر مكلوم جريح

 

أبو عبدالله الخليلي