كتاب: الذب عن مذهب مالك
هذا الكتاب النادر النفيس قَبَسٌ مما ألفه مالكية المغرب الإسلامي في مجال الاستدلال والحجة والتأصيل والجدل الفقهي مع المذاهب المخالفة
التعريف بالكتاب:
(الذبّ عن مذهب مالك)
في شيء من أصوله، وبعض مسائل من فروعه، وكشف ما لَبَّس به بعض أهل الخلاف وجهله من مَحَاجِّ الأسلاف
للإمام محمد بن أبي زيد القيرواني.
الفن: الفقه المقارن.
سنة النشر: 1432هـ/2011م.
رقم الطبعة: الأولى.
عدد المجلدات: مجلدان.
إصدار: الرابطة المحمدية للعلماء، المغرب.
تحقيق: د.محمد العلمي.
كتاب (الذّبِّ عن مذهب مالك) لمالك الصغير أبي محمد بن أبي زيد القيرواني، نقدمه للباحثين والمهتمين بعد أحد عشر قرنًا من تأليفه، ولا تخفى على الباحثين قيمته العظيمة، باعتباره أحد أهم مصادر البحث الفقهي المالكي المقارن؛ فهو كتاب يعرّفنا بمرحلة مغمورة من تاريخ الجدل الفقهي في المذهب المالكي بالغرب الإسلامي؛ إذ المعروف المقرر أن مالكية المغرب والأندلس والقيروان إنما اختصوا بالاجتهاد الفقهي لتفريع المسائل وتخريجها، وتطبيقها في الجوانب العلمية والاجتماعية؛ كالفتاوى والنوازل والقضاء والأحكام، والوثائق والشروط، والسياسة الشرعية، إضافة إلى مصنفات يصعب حصرها فيما فرضته حاجات الناس، من مسائل أفردها العلماء بالتأليف في العبادات؛ كالمواقيت والزكاة والمناسك، وفي المعاملات؛ كالأنكحة والبيوع والالتزامات، والتبرعات، من وصايا وهبات وأحباس، وفي الفرائض والحساب، وغيرها.
ولهذا يمكن القول: إن مالكية المغرب لم يشتهروا بالجدل المذهبيّ والتأصيل الفقهيّ للمسائل، على غرار نظرائهم من مالكية العراق، الذين برّزوا في ذلك، وعُرفوا به أكثر من مدارس المذهب المالكيّ الأخرى آنذاك.
وبناء عليه، فهذا الكتاب النادر النفيس قَبَسٌ مما ألفه مالكية المغرب الإسلامي في مجال الاستدلال والحجة والتأصيل والجدل الفقهي مع المذاهب المخالفة، وهو يحتوي حوالي أربعين قضية من مسائل الخلاف بين المالكية والمذهب الظاهري، بسط فيها الإمام ابن أبي زيد القيرواني الحجج والقواعد والأدلة الشرعية عليها، وتفنن في بيان الوجوه والعلل والمعاني التي عليها بنى الإمام مالك اختياره فيها، كما صدّر كتاب الذبّ بمقدمات عامة، خصصها لتوضيح المفاهيم الأساسية المتعلقة بالرأي والاجتهاد والتمذهب، والقواعد والآداب اللازم احترامها عند الاختلاف بين العلماء بما يجعله للأمة كما ورد في الآثار.
وإضافة إلى قيمة كتاب (الذب عن مذهب مالك) العلمية، ومنزلة مؤلفه في المذهب المالكي، فإنه وثيقة فقهية قديمة ونفيسة، كانت معرضة للضياع، بسبب أنه لم يصلنا منه سوى مخطوطة فريدة محفوظة بمكتبة تشستربيتي بدبلن عاصمة آيرلندا، وهي المخطوطة التي تجنب الباحثون والدارسون تحقيقها، لسببين: ما اعتراها من الطمس الكثير في جلِّ أوراقها، بحيث يُخيّل للمطلع عليها أن إخراجها وتحقيقها متعذّر، وثانيهما: أن موضوعها هو الفقه المالكي، وحججه، وعلله، وتفاصيل مسائله الموزعة في كل أبواب الفقه، بحيث لا يتيسر لغير الممارس المتمكن من المذهب المالكي معاناة تحقيقه وإخراجه على الوجه الصحيح.
ومما يستوجب التنويه، ما بذله محقق الكتاب د.محمد أحمد العلمي من جهود مضنية في سبيل تحقيق الكتاب وضبط نصوصه، وقد أمضى في سبيل ذلك سبع سنوات من العمل الدؤوب، تمكن فيها من قراءته وتوثيقه وتقريبه للباحثين والقراء، متغلبًا على الصعوبات التي منعت من تحقيقه فيما سلف.
وكتاب (الذب) ألفه ابن أبي زيد رحمه الله؛ ردًّا على كتاب لأحد فقهاء الظاهرية ينتقد فيه مذهب الإمام مالك، وينقض مسائل مذهبه، سماه: (التنبيه والبيان عن مسائل اختلف فيها مالك والشافعي).. وقد اعترض فيه على الإمام مالك في بعض أصوله، وفي سبع وثلاثين مسألة من فروعه، ودارت هذه الردود على لمز مالك وثلبه بمخالفة السنة والإجماع والسلف، وبتشريع ما لم يأذن به الله! فتصدى ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله، في هذا الكتاب لتفنيد ما جاء به الظاهري المذكور من أقاويل وشبهات، وكشف ما فيه من زيغ وضلالات، وحاذى ما ذكره في كتابه مسألة مسألة، وقضية قضية، وشبهة شبهة، واعتراضًا اعتراضًا، فجاء كتابه على وزن (التنبيه والبيان) في الترتيب، إلا أنه صدره بثماني مقدمات للردود الأصلية عليه، قبل التفصيل معه في المسائل التي رد فيها على مالك، لينقضها عليه كاملة مفصلة.
وقد أبان كتاب الذب عن قوة عارضة الشيخ ابن أبي زيد في الجدل المذهبي واختلاف العلماء، ودرايته الراسخة بأساليب الخلافيات وأصولها ومسالك الاعتراض والانفصال والمعارضة، مع فحولته المعروفة في تحقيق المذهب وتخريج مسائله على أصولها.
ومن الغريب أن ابن أبي زيد لم يحظ منه صاحب (التنبيه والبيان) بشرف ذكر اسمه، ولا بأي شيء يعرّف به، أو يرفع الجهالة عنه، وبابن أبي زيد اقتدى الناس، فلم يذكره أحد من أهل المذهب ولا أصحاب الخلاف ولا المؤرخين أصحاب التراجم ولا أصحاب الفهارس والمشيخات، وصنيع المالكية مع صاحب (التنبيه والبيان) هذا قريب مما سلكوه مع رجل آخر بعده بقليل، وهو شافعي من أهل الأندلس، ألّف رسالة ردّ فيها على مالك وتهجم عليه، ووقع فيه وانتقص منه، فرد عليه ابن الفخار الحافظ (ت 419) في رسالته المشهورة بـ(الانتصار)، وبالغ منذ العنوان في تجهيل هذا الرجل فسماه كما ورد في بعض المصادر: "الانتصار لمالك من اعتراض حائك يقال له قرمور، وما هو معروف بالعلم ولا مشهور".
وهذا السلوك من ابن أبي زيد وابن الفخار وأهل المذهب من بعدهما، ينبئ عن معاملتهم للناقد بنقيض مقصوده، وتنبيه خفي على أن ثلب الأئمة ليس طريقا ممهدًا إلى الشهرة وانتشار الذكر، فهم يردون على الناقد أولا، ثم يلبسونه سرابيل الجهالة وإخمال الذكر بعد ذلك.
وبخصوص الخطوط العامة لعمل المحقق في تحقيق كتاب (الذب عن مذهب مالك)، فقد قسم دراسة الكتاب إلى ثلاثة فصول، هي:
الفصل الأول: في بيان موضوع الكتاب، تعرض فيه للتعريف بجهود المالكية في موضوع (الذب عن مذهب مالك)؛ فذكر المؤلفات التي احتوت هذا الجانب، وهي مؤلفاتهم في الرد على الحنفية والشافعية والظاهرية وغيرهم، ومؤلفاتهم في نصرة المذهب وترجيحه وفضائل الإمام مالك والمدينة، ومؤلفاتهم في أدب الجدل وقواعده، ومؤلفاتهم في مسائل الخلاف، ثم تعرض فيه لصلة المالكية بأهل الظاهر في مدارس مذهبهم الكبرى، وما أنتجه من مناقشات ومؤلفات.
الفصل الثاني: في ترجمة ابن أبي زيد؛ حيث عرّف به بالطريقة المعهودة، ولم يقصد إلى التوسع والاستقصاء، إلا أنه اجتهد في تتبع تلاميذه الأندلسيين، طمعًا في العثور على ترجمة لناسخ المخطوط، ومن سمعه وقابله.
الفصل الثالث: التعريف بكتاب الذب عن مذهب مالك، وبطريقة عمله في إخراجه، وقام في هذا الفصل بالتعريف بمحتوى كتاب الذب عن مذهب مالك، ومنه لخَّص محتوى كتاب (التنبيه والبيان) الذي يرد عليه ابن أبي زيد في الذب، وفصَّلَ في هذا المبحث مضمون الكتابين وطريقتهما ومنهج مؤلفيهما فيهما.
ثم عرّف بالنسخة المصورة عن المخطوطة الأصلية، وما يصحب ذلك من توثيق النسبة وبيان اصطلاحاته في قراءة الكتاب وإخراجه.
أما تحقيق الكتاب فلم يخرج عن معهود الناس في قراءة المخطوطات وإخراجها، لكنه في كتاب (الذب عن مذهب مالك) اختص بصعوبات جعلته ينتهج طريقته الخاصة في إخراج النص والتعليق عليه؛ فالنسخة الوحيدة كثيرة الطمس كما سبق، ومضطربة الترتيب في جزئها الثالث، وموضوعها -وهو الخلافيات- قليل عند المالكية كما هو معروف، وما هو مخطوط أو مطبوع منها نزر يسير؛ لذلك ركَّز المحقق على التغلب على الطمس، وترميم المتن، بكل ما يستطيع، بحيث كانت العقبة الكؤود والمهمة العسرى هي استنقاذ الكتاب, والتغلب على ما فيه من انبهام وطمس، تجعل قراءته متراوحة بين الصعوبة والاستحالة.
إعداد: د. الطاهر خذيري - باحث في وزارة الأوقاف الكويتية
- التصنيف: