كف البصر عن الحرام في أيام وليالي رمضان

منذ 2014-11-08

إن كنت -أختي الصائمة- حريصة على الفوز بأجر رمضان فاشغلي وقتكِ بالطاعات وليكن (لا لانتهاكِ حرمة غضِّ البصر في رمضان) أحد شعاراتكِ.. أختي الحبيبة، لمَ لا نجعل بيننا وبين إرسال البصر في غير ما أحلَّ الله حاجبًا؟ أليست العين منفذًا للقلب؟

بسم الله والحمد لله الذي جعل شهر رمضان حصنًا حصينًا من النار، والصلاة والسلام على النبي المختار وعلى آله وصحبه الطيِّبين الأخيار.

وبعد:
الفوز برمضان طريق يكتمل بآخر يوم نودِّع فيه هلاله، ونستقبل فيه العيد، لكن! هل تنبهت أخيتي لقُطاَّع الطرق ولصوص القلوب؟ وما أكثرهم؟!

إن كنت -أختي الصائمة- حريصة على الفوز بأجر رمضان فاشغلي وقتكِ بالطاعات وليكن (لا لانتهاكِ حرمة غضِّ البصر في رمضان) أحد شعاراتكِ.. أختي الحبيبة، لمَ لا نجعل بيننا وبين إرسال البصر في غير ما أحلَّ الله حاجبًا؟ أليست العين منفذًا للقلب؟

يقول عز وجل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} [النور:30]، وصيام العين غضُّها عن الحرام، لنضع سويًّا أهم الأمور التي عادة ما تكون سببًا مباشرًا لانتهاكِ حرمة غضِّ البصر في رمضان، ونتتبَّعها سويًا يا فاضلة:

الأفلام والمسلسلات وبرامج الفن والطرب في نهار رمضان وليله:
من الناس من ينتظر بشوق قدوم موسم الطاعات ليشمّر على ساعديه راغبًا في رضا الله ونيل الثواب الجزيل، وهذا لا يحتاج إلا لكلمة طيبة تقول له: نِعم القرار قرارُك، أنت في الطريق الصحيح، ومنهم من يتسلَّم لواء الشياطين من الجنِّ المصفدة في هذا الشهر لنشر الرذائل ولسان حاله يقول: إذا هبَّت رياحُك فاغتنمها..! فما بال فئة عريضة من المسلمين، تستهويهم شياطين الإنس بما زينوا للناس من شهوات في شهر العتق من النيران؟

إنَّ رمضان في عُرف الكثيرات يا أخيّة: هو شهر عرض أحدث الأفلام والمسلسلات! مع سهرات رمضانية نجومها نساء ورجال لمعوا في ساحة الفن والإبداع!

لحا الله من يهيّئ أسباب الرذيلة ويقرِّبها لبنات المسلمين، ويُقْدم على انتهاكِ حُرماتِ الله في شهر الخيرات، إننا لا نراها إلا دعوة للسفور والفجور والرقص والغناء والمجون وحكايا العشق والغرام والحبّ والهيام، بين ما يُطلق عليها (الدراما الرمضانية) و(المسلسلات المدبلجة)، وكلاهما شرٌّ مستطير.

فإن نجوتِ من متابعة المسلسلات العربية والمدبلجة، لاقتك المسلسلات التاريخية والدينية! فكل من أراد لبضاعته ترويجًا، ضحك على عقول الناس واتّخذ من الإسلام اسمًا لما يسوِّق، ويحهم ذاك إسلامنا، فكيف يجرؤون؟! البارحة عاشق متيّم، واليوم صحابي جليل؟ بالأمس مغنيّة واليوم زوجة قائد فاتح مغوار؟

نعم، الأفلام والمسلسلات الرمضانية، وما أدراك ماهي..! تخدر العقول، وتفسد الطباع وتترك آثارًا اجتماعية ونفسية وخلقية تنخر كيان الرجل والمرأة والشاب والشابة، في رمضان وبعد رمضان...

اعرفي دينك من كتاب الله وسنة نبيه، وليس من ضلالات هؤلاء الذين لا يريدون بالإسلام خيرًا، أمَّا تزييف الحقائق التاريخية، فحدّثي يا أخية ولا حرج، فكم استدلوا بأحاديث ضعيفة وكم زيّفوا من حقائق تاريخية، وكم.. وكم..

ثم لمَ نكون لقمة سائغة للمُمثِّلين والمنتجين والمخرجين والقنوات الفضائية؟ لمَ نجعل الترويج لهذه البضاعة العفنة يستدرجنا؟ وما أبخسها من سِلعة! يربحون الملايين، أيْ نعم، لكن ما أتعسهم، وما أسعدكِ لو جاهدتِ نفسكِ وأعلنتها: نعم لمقاطعة الأفلام والمسلسلات في شهر الخيرات..فوالله إن طاعة الله غنيمة لا تعدلها غنيمة، فلتصم عيونُنا، كما تصوم بطوننا مرضاة لله.

لستُ أدري لم يحرص بعض الصائمين على تضييع الدقائق الرمضانية من أعمارهم في متابعة التفاهات والحرص على أن لا يفوِّتوا آخر أخبار الفنانين والفنانات؟!

منافسة ضارية بين القنوات الفضائية، والفوز فيها لمن يستقطب أكبر عدد من المشاهدين، لا تهم الوسيلة ولا المحتوى ولا المعايير الأخلاقية، ويُفصح القائمون عن القنوات التلفزيونية المحلية والفضائيَّة، على تنوع مضامين الموائد الرمضانية، بين المسلسل الديني والدرامي والأجنبي والكاميرا المخفية، من غير إهمال للسهرات الفنية التي تستضيف نجوم الغناء والرقص والتمثيل، ولا بأس من ربع ساعة للفتوى!

لعلهم تذكروا أن الشهر شهر صيام وقيام! وهل تُجدي هذه الدقائق بعد أن تتسلسل عقول المتتبِّعين بحكايات قيس وليلى في القرن الحادي والعشرين؟ وتعْلق ملامح التبرُّج والسفور في عقول الشباب والمراهقين؟ نعم، في ذلك تنافسوا، نعم بذلك حاولوا صرف بصرك عن الطيِّب إلى الخبيث، بل صرفوا قلبك عن الطاعة والقرب من الله تعالى، كيف لا والعين مرآة القلب؟ ولذلك كانت اللحظات هي التي تولِّد الخطرات فاللفظات فالخطوات!
 

كل الحوادث مبدأها من النَّظر *** ومُعظم النَّار من مُسْتصغر الشَّرر


فلا مرحبًا بقنوات تُفسد أخلاقنا وتزيِّن لنا الباطل وتقرِّب منا المنكرات..
همسة أخوية: ما كان من نظرة فإنَّ للشيطان فيها مطمعاً...
مطالعة المجلات والروايات غير الأخلاقية في نهار رمضان وليله:
دعوة صريحة أخرى للتبرُّج والسُّفور وسلوك طريق الغواية والانحراف، أو تحبيب للسلوكيات الشاذة الخارجة عن الفطرة والبعيدة عن ديننا، تلكم بعض ما تدعو إليه الكثير من المجلات أو الروايات التي يحرص شبابنا على اقتنائها.

فأما المجلات فلا نجدها تعرض غير أخبار أهل الفن والطرب ولا تبث غير الإشاعات والأقاويل، وتلك أقل المفاسد، وما جُهل أدهى وأمر، وأما الروايات التي تجد لها مروِّجا في رمضان -مثل غيره من الشهور وربما أكثر- فنجد أكثرها قصص غرام مستحيل وعلاقات غير شرعية.

همسة أخوية: همة السعيدة آخرتها، وهمة الشقية دنياها.. فلتكن همتك على قدر نعيم الآخرة.

النظر للمحرَّمات عبر الشبكة العنكبوتية في نهار رمضان وليله:
إن استخدام الشباب المسلم لشبكة الإنترنت في تزايد مستمر، بين استعمال منضبط واستعمال خارج نطاق الدين والأدب، فإذا غابت الضوابط الأخلاقية، وأصبح المتصفِّح يقلِّب بصره يمينًا وشمالاً بين مواقع الفنانين ممعنًا النظر في لباس فلانة وشكل شعرها ومختلف تصريحاتها، أو مُرسلاً طرفه بين سطور كلمات رومنسية حالمة، أو غارقًا في مشاهد تبثُّها المواقع الإباحية التي تضج بها الشبكة، فهذا هو الخسران بعينه، فكيف إذ اجتمعت حرمة الفعل وشهر رمضان؟

تذكَّري: أنت التي تتحكَّمين في هذا الجهاز وتسيِّرينه كما تريدين، وفقا لمبادئك وتصريفك لوقتك ومدى منفعتك التي تجنيها منه.

فليكن الصبر على غض أبصارنا لأنه أيسر من الصبر على ألم ما بعده! ولتكن أوّل خطوة الآن، تمهيدًا لما بعد رمضان..

اللهم أعنا على غض البصر عن الحرام في أيام وليالي شهر رمضان، واجعل لي وأخياتي نصيبًا من كل خير تنزله في هذا الشهر الفضيل. 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

شميسة خلوي

الدكتورة شميسة خلوي كاتبة وباحثة إسلامية جزائرية