نعمة المطر دروس وعبر
المطر نعمة من نعم الله، وآية من آياته الباهرة الدالة على رحمته وحكمته، أخي الكريم تأمل المطر النازل من السماء، من أرسل سحابه وساقها؟ من أنزله؟ من أجراه في مجاريه؟ من جمعه في الرياض والفياض والقيعان؟ من يعلم كمياته وعدد قطراته؟ من جعله سائلاً ولم يجعله جامداً؟ إنه الله جل جلاله {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا...}
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين.
قال الله تعالى: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} [الحج:5-7].
المطر نعمة من نعم الله، وآية من آياته الباهرة الدالة على رحمته وحكمته.
أخي الكريم تأمل المطر النازل من السماء، من أرسل سحابه وساقها؟ من أنزله؟ من أجراه في مجاريه؟ من جمعه في الرياض والفياض والقيعان؟ من يعلم كمياته وعدد قطراته؟ من جعله سائلاً ولم يجعله جامداً؟ إنه الله جل جلاله {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا...} [الرعد:17].
فيا عجباً كيف يعصي الإله *** أم كيف يجحده الجاحد
وفـي كل شـيءٍ له آيـة *** تدل عـلى أنه واحـد
لقد ذكر الله تعالى هذه الآية الباهرة لعباده في مواضع كثيرة من كتابه ليتذكروا بها عدة أمور منها:
الأول: عظيم حكمة الله ورحمته بخلقه وتسخيره هذا الماء لمصالح العباد كما قال تعالى: {وَأَنزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاء ثَجَّاجاً . لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً . وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً} [النبأ:14-16]، وقال عز وجل: {وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ} [ق:9]، وقال تعالى: {...وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُوراً . لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَّيْتاً...} [الفرقان:48-49]، وقال عز وجل: {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ...} [الأنبياء:30]، وآيات أخرى كثيرة.
هذا الماء عنصر لا يستغني عنه البشر تذكر عظمة رحمة الله حين تغتسل به أو حين تشربه أو حين تراه ينزل من السماء {أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ . أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ . لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ} [الواقعة:68-70].
الثاني: ما ذكره الله تعالى في الآية السابقة: {وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً} يابسة قد ماتت أعشابها وتكسرت أشجارها {فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاء اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنبَتَتْ مِن كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ . ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ . وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ}، إنها حقائق خمس تذكرها وأنت ترى النبت في البرية وأنت ترى الفواكه والثمار والأشجار وقد ذكر الله ذلك في مواضع أخرى من كتابه أنها حقائق كبرى تقود إلى اليقين بالنهاية..
{وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ} وفي موضع آخر: {كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْموْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ}، فالموتى يبعثون من قبورهم كما ينبت النبات فقد روى الإمام مسلم في صحيحه: "ثم ينفخ في الصور فلا يسمعه أحد إلا أصغى ليتاً ورفع ليتاً ويصعق الناس ثم يرسل الله مطرا كأنه الطل فينبت منه أجساد الناس ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون" (مسلم بشرح النووي، الفتن وأشراط الساعة باب في خروج الدجال رقم 2940). يجتمعون للقاء الله عز وجل وإذا علم العبد هذه الحقيقة أخلص لله عز وجل وعمل الصالحات.
الثالث: قال تعالى: {وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لاَ يَخْرُجُ إِلاَّ نَكِداً كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ} [الأعراف:58]، قال ابن عباس رضي الله عنه: "هذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر" (تفسير ابن كثير سورة الأعراف)، فهذا المثل يبين حال العباد مع الهدى، فالقلوب الطيبة تأخذ الهدى المتمثل بالقرآن والسنة فتقبلهما فتثمر بذلك أعمالاً صالحة كما أن الأرض الطيبة تنبت العشب والزرع النافع، وأما القلوب الخبيثة عياذاً بالله فإنها لا تثمر أعمالاً صالحة أو تثمر، لكنها أعمال فاسدة تماماً كالأرض الخبيثة التي لا تثمر أو تثمر ثمرة خبيثة
الرابع: يحلو للبعض الخروج للتنزه ولا حرج عليه في ذلك، وأما ما يفعله بعضهم من التهور في القيادة ونحوه، وتحويل الرمال إلى أماكن أشبه بالأرض المحروثة، فلا شك أن هذا خلاف السير الشرعي، بل هو إفساد في الأرض وقد قال تعالى: {وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا...} [الأعراف:56]، قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [العنكبوت:20]، {سِيرُوا فِي الْأَرْضِ} بأبدانكم وقلوبكم، "والسير في الأرض يفتح العين والقلب على المشاهد الجديدة التي لم تألفها العين ولم يملها القلب وهي لفتة عميقة إلى حقيقة دقيقة، فإن الإنسان إذا سافر وتنقل وساح استيقظ حسه وقلبه إلى كل مشهد، وربما عاد إلى موطنه تنطق له بعد ما كان غافلاً عنها" (في ظلال القرآن، سيد قطب 5/2730).
وهكذا ينبغي أن تكون رحلاتنا اعتبار ومتعة وترفيه، وإلا فمجرد نظر العين وسماع الأذن وسير البدن الخالي من التفكر والاعتبار غير مفيد ولا موصل إلى المطلوب، كما قال تعالى: {فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ}" (تفسير ابن سعدي، سورة الحج آية:46).
اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، والحمد لله رب العالمين.
يوسف بن إبراهيم الزين
- التصنيف:
- المصدر: