إثبات وجود الله بين طريقة المتكلمين، وطريقة القرآن

منذ 2014-11-11

لو كان دليل الأعراض والجواهر صحيحًا وكافيًا لما تأخر القرآن عن ذكره، ولكن القرآن أسس لأدلة أخرى غيره هي أقوى وأصدق، وأنسب للفطر البشرية، ومنها دليل الإبداع ودليل العناية، وهما دليلان توافق ابن رشد الحفيد في مناهج الأدلة وغيره كابن القيم على النص عليها، واحتجوا لها بمثل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ}.

جعل المتكلمون إثبات الجواهر والأعراض طريق إثبات وجود الله تعالى، وهي طريق منتقدة، لخلو القرآن والسنة مما يعضضها، وقد أنزل القرآن والعرب محاطون بفارس، وفيها فلسفة الهند والفرس، وبالشام ومصر وفيهما فلسفة أهل اليونان، وللفلسفتين من العمر أكثر من اثني عشر قرنًا!

ومع ذلك لم يخاطب الله تعالى أهل الكفر بمثل هذه الأدلة، ولم يوجه المسلمين لاستعمالها، مع أن الفلسفتين كانتا قائمتين في بعدها الطبيعي على نظرية الجزء والجواهر والأعراض، فقد كانت فلسفة اليونان معروفة بنظريتها الذرية، وكانت فلسفة الفيشيشيكا الهندية التي أسسها الحكيم (كَنْدا) كما في كتاب (esquisse d une histoire de la philosophie indienne) قائمة على مبادئ علمية شبه (الذرية الواقعية)، وترى أن الذرات تختلف بحسب المادة التي تكونها، وكانت فلسفة النيايا فلسفة منطقة بامتياز شبه المنطق الأرسطي..

وتقول بالنظرية الذرية المستوحاة من الفيشيشيكا! ولو كان دليل الأعراض والجواهر صحيحًا وكافيًا لما تأخر القرآن عن ذكره، ولكن القرآن أسس لأدلة أخرى غيره هي أقوى وأصدق، وأنسب للفطر البشرية، ومنها دليل الإبداع ودليل العناية، وهما دليلان توافق ابن رشد الحفيد في مناهج الأدلة وغيره كابن القيم على النص عليها، واحتجوا لها بمثل قوله تعالى: {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ . وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} [إبراهيم:32-33].

قال ابن القيم في بدائع الفوائد (4/133): "وهو تعالى يكرر هذين النوعين من الاستدلال في القرآن"، وما يحاوله بعض المتكلمين، ويبدئون فيه ويعيدون، فالقرآن أوسع منه وأقوى، ولذلك قال ابن القيم (ص:134): "وإن كل متكلم ومستدل ومحاجج بالغ في تقرير ما يقرره، وأطال وأعرض القول فيه، فغايته إن صح ما يذكره أن ينتهي إلى بعض ما في القرآن".

وهذا الذي ينبغي أن يبنى علم الكلام على قواعد القرآن ومناهجه وطرقه في الحجاج والبرهنة لا من غيره..
فهو كتاب الله، وفيه يدل الله على نفسه، أو يمكن أن يكون أحد أدل على الله من نفسه تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا. 

 

طارق الحمودي

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك