من أدب الأخوَّة

منذ 2014-11-14

الدعاء بظهر الغيب؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ»[5]. وقد ذكر عن عبد الله بن الخطيب أن الطيب بن إسماعيل أبا حمدون وهو أحد القراء المشهورين كانت له صحيفة فيها مكتوب ثلاثمائة من أصدقائه، وكان يدعو لهم كل ليلة فتركهم ليلة فنام، فقيل له في نومه: "يا أبا حمدون لِمَ لم تسرج مصابيحك الليلة؟"، قال: "فقعد فأسرج، وأخذ الصحيفة فدعا لواحد واحد حتى فرغ"[6].

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. 
أما بعد:

فإن للأخوة أدب جمّ وخلق رفيع ارتقاه سعيد بن العاص رضي الله عنه فقال: "إني لأكره أن يمر الذباب بجليسي مخافة أن يؤذيه!"[1].

وللأخوة آداب تمنحها رونقاً وبهاءً وجمالاً، فمن هذه الآداب:

1. الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية، فاختلافك مع أخيك في الرأي لا يؤثر على مودته في قلبك، ولك في الإمام أحمد قدوة حيث يقول -رحمه الله تعالى- عن الإمام إسحاق بن راهويه: "لم يعبر الجسر إلى خراسان مثل إسحاق بن راهويه، وإن كان يخالفنا في أشياء، فإن الناس لم يزل يخالف بعضهم بعضاً"[2]. إنه التمازج الروحي والأخوة الحقة بين المؤمنين هي التي يلتمس فيها المؤمن الحقيقة عند أخيه وإن كان له مخالفاً.

2. فن الاستماع، وذلك بأن تظهر لأخيك تلذذك بحديثه، ولا تصرف بصرك عنه، ولا تقاطعه في حديثه حتى ولو كنت تعلمه، يقول الإمام سفيان الثوري -رحمه الله تعالى-: "إن  الرجل ليحدثني بالحديث قد سمعته قبل أن تلده أمه، فيحملني حسن الأدب أن أسمعه"[3].

3. لا انتقام ولا تشفٍٍّ، ومن صور ذلك موقف رائع بين القاضي سعيد بن سليمان المساحقي المالكي والقاضي ابن عمران الطلحي يصوره ابن الماجشون بقوله: "شهد سعيد بن سليمان عند ابن عمران الطلحي وهو قاض، فرد شهادته، فلما ولي سعيد شهد عنده ابن عمران، فنظر سعيد في شهادته ففكر قليلاً ثم قال لكاتبه: أَجِزْ شهادته يا ابن دينار، فإن المؤمن لا يشفي غيظه"[4].

4. ترك التكلف، حتى لا يشعر الأخ أنه غريب عن أخيه، ولا يلجئه إلى الاعتذار دائماً، بسبب هفوة صغيرة، أو كلمة عابرة ويحاسبه على النقير والقطمير.

5. الدعاء بظهر الغيب؛ لقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ»[5]. وقد ذكر عن عبد الله بن الخطيب أن الطيب بن إسماعيل أبا حمدون وهو أحد القراء المشهورين كانت له صحيفة فيها مكتوب ثلاثمائة من أصدقائه، وكان يدعو لهم كل ليلة فتركهم ليلة فنام، فقيل له في نومه: "يا أبا حمدون لِمَ لم تسرج مصابيحك الليلة؟"، قال: "فقعد فأسرج، وأخذ الصحيفة فدعا لواحد واحد حتى فرغ"[6].

6. لا ترفع أخاك فوق منزلته، فمن أدب الأخوة أن تضع أخاك في مكانه المناسب، حتى تصفو الأخوة وتدوم، قال الشافعي -رحمه الله تعالى-: "ما رفعت أحداً فوق منزلته إلا وضع مني بقدر ما رفعت منه"[7].

7. كن مع الناس بين المنقبض والمنبسط، فلا تخض مع الخائضين ولا تنعزل مع المنعزلين، كما قال الشافعي: "الانقباض عن الناس مكسبة للعداوة، والانبساط إليهم مجلبه لقرناء السوء، فكن بين المنقبض والمنبسط"[8]. فالأخ مع إخوانه لا ينبسط معهم انبساطاً يذهب فيه الاحترام ويقل فيه الأدب، ولا ينقبض عنهم انقباضاً يشعرون معه بالجفوة، ويحسون بحاجز يمنعهم من الاقتراب منه وتحقيق معاني الأخوة معه فهو بين بين.

8. الصبر واحتمال الأذى؛ إذ أن خُلق الضجر، وعدم الصبر والتحمل بين الإخوان هو طريق للتفرق والاختلاف، وطريق لزوال الإخاء والود، ولهذا كان احتمال الأذى من أدب الأخوة.

9. مراعاة النفسيات، فالنفس البشرية كالبحر، تارة يكون هادئاً راكداً، وتارة يكون هائجاً متلاطماً، فوجب مراعاة هذه النفس ومعرفة تقلباتها وتحولاتها، والنفوس تختلف باختلاف أصحابها فما يصلح لهذه لا يصلح للأخرى، ولله در القائل حينما قال: "لا تجالس أحداً بغير طريقته، فإنك إن لقيت الجاهل بالعلم، والماجن بالجد، فقد آذيت جليسك، وأنت مستغن عن إيذائه"[9].

10. لا تكن جافاً في تعاملك الأخوي ولا بليداً لا يتحرك لك وجدان، فإذا ما أخطأ عليك أخوك وجاء يستسمحك فلا تشمخ بأنفك؛ لكي لا ينطبق عليك وصف الإمام الشافعي إذ يقول: "من استُغضب فلم يغضب فهو حمار، ومن استُرضي ولم يرض فهو شيطان"[10].

11. لا تكن ثقيلاً، وهذا أدب ظرفي يضفي على الأخوة طابعاً جميلاً، وحقيقته خفة في النفس ولباقة في التعامل ومراعاة لظروف الإخوان ومشاعرهم، فلا يكون ثقيلاً في زياراته وفي أفعاله وكلماته.

نسأل الله بمنه وكرمه أن يوفق الجميع إلى مرضاته، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين والحمد لله رب العالمين[11].
---------------------------

1. (نقلاً عن كتاب العقد الفريد [1/232] لابن عبد ربه الأندلسي).
2. (سير أعلام النبلاء [11/371] لالذهبي، تاريخ دمشق [8/128] لابن عساكر).
3. (تاريخ دمشق [5/66]).
4. (ترتيب المدارك وتقريب المسالك [1/99] للقاضي عياض، تاريخ بغداد [4/119] للخطيب البغدادي).
5. (رواه مسلم [4914] [13/271]).
6. (تاريخ بغداد - (4/253).
7. (سير أعلام النبلاء [10/42]).
8. (المرجع السابق [10/89]).
9. (تتمة صوان الحكمة [1/16] لالبيهقي ظهير الدين).
10. (سير أعلام النبلاء [10/42]).
11. (المصدر: مجلة البيان: العدد [40] ذي الحجة1411هـ من مقال لعبد الرحمن العقل بتصرف). 

المصدر: موقع إمام المسجد.