{إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}

منذ 2014-11-16

الأمن الحقيقي في الدنيا والآخرة في الصلة بالله سبحانه والوقوف على بابه والالتجاء إليه في كل حين وفي الاعتصام بحبله المتين؛ {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[سورة الأنعام: 81-82].

ما من عبد في الدنيا إلا وهو يرجو الأمان حياً وميتاً, ومعظم المعاصي تبدأ من الإحساس بفقد الأمن، فالخوف أول الآفات وأعظم الابتلاءات التي يبتلي الله بها عباده فقال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}[البقرة: 155].

وربما يصل بعض الناس بفكره إلى أن الأمان يتحقق بكثرة المال، فيجمعه من حله وحرامه بكل السُبل كي يقضي على خوفه، ويقاتل ويحارب من أجل الحصول عليه، ويتهارش عليه مع غيره كما تتهارش السباع الضارية.

وربما يظنه بعضهم أنه في الجاه والسلطان، فيقاتل من أجل الوصول لكرسيه، ثم يقاتل بشراسة أكبر من أجل الحفاظ عليه من أن يسلبه منه من يشتركون معه في نفس الرغبات والآمال.

وربما يظنه بعضهم في كثرة البنين وقوة العشيرة والأهل، فيجتهد في نصرتهم ظالمين أو مظلومين، ويتمادى في الدفاع عنهم بالحق والباطل، ويوزع عليهم ما يمتلك ومالا يمتلك من المناصب والأموال كي يجعل له عشيرة قوية تدعمه وتسانده وقت أزماته، ولا تسأله هو أيضاً عن صوابه أو خطئه.

ولكن الأمن الحقيقي في الدنيا والآخرة في الصلة بالله سبحانه والوقوف على بابه والالتجاء إليه في كل حين وفي الاعتصام بحبله المتين؛ {فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ . الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}[سورة الأنعام: 81-82].

كيف يخاف المؤمن من الخلق وهو في معية الخالق؟!

- إن ناراً عظيمة تحرق الطير في السماء أُعدّت لإلقاء عبد مؤمن فيها وعندها اشتدت المحنة لكنها لم تستطع أن تزعزع يقينه بمعية الله، فعندما أرادوها ناراً وجحيما؛ -{قَالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}[الصافات: 97]- الله أرادها برداً وسلاما {قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ}[الأنبياء: 68-69].

- وإن جيشاً عظيم القوة على رأسه فرعون يقطع الفيافي والقفار ليطارد عباداً مؤمنين، حتى يفاجئهم البحر من أمامهم والعدو من ورائهم، وعندها اشتدت المحنة واستعرت لكنها ما استطاعت أن تصل إلى قلب العبد المؤمن؛ {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ . قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}[الشعراء: 61-62]، وما استطاعت أن تزلزل يقينه بمعية ربه.

- وإن جيشاً يقف على باب غار، به صفوة خلق الله من النبيين والصديقين، وليس معهم قوة يدفعون بها عن أنفسهم، ولو نظر أحدهم تحت قدميه لرآهما، واشتدت المحنة ولكن القلب المؤمن الواثق بمعية ربه قال كما قال إخوانه السابقون؛ «ما ظنُّكَ يا أبا بكرٍ باثنَينِ الله ثالِثُهُما»[متفق عليه].

إن العِزّة كل العِزّة والأمان كل الأمان في التقرب من الله والاحتماء به واللوذ ببابه في السراء والضراء، فلا مُعِزَّ سواه ولا ناصر غيره، يدافع عن الذين آمنوا ويثبت قلوبهم عند ذكره ويستجيب لهم إذا دعوه وينصرهم إذا استنصروه.. إنه الله العزيز الحكيم.