الحنان الدافئ
تتشابه الليالي وتتطابق الأمسيات، إلا تلك التي يكون لنا فيها ذكرى حلوة، ضحكة مع شقيقتكِ ورأسيكما متلاصقتان، همسة منها بمزحةٍ خفيفة وأنتما ترتبان المنزل، حنانٌ يتدفق ربما بمسحةٍ على رأسكِ من كفها الطيب وأنتِ حزينة، أو بفيضٍ من عطاءٍ عندما تهديكِ شيئًا أو تقتسم معكِ آخر أو تُفضِّلكِ عنها بشيءٍ تحبه لكنه أعجبكِ، وربما يطول ويحلو السهر وتُولد الحكايا من حكايا وتتشابك الأحلام ويكون الوئام.
تتشابه الليالي وتتطابق الأمسيات، إلا تلك التي يكون لنا فيها ذكرى حلوة، ضحكة مع شقيقتكِ ورأسيكما متلاصقتان، همسة منها بمزحةٍ خفيفة وأنتما ترتبان المنزل، حنانٌ يتدفق ربما بمسحةٍ على رأسكِ من كفها الطيب وأنتِ حزينة، أو بفيضٍ من عطاءٍ عندما تهديكِ شيئًا أو تقتسم معكِ آخر أو تُفضِّلكِ عنها بشيءٍ تحبه لكنه أعجبكِ، وربما يطول ويحلو السهر وتُولد الحكايا من حكايا وتتشابك الأحلام ويكون الوئام.
هكذا هي الحياة عندما تكون لكِ شقيقة... قطعة حلوى أنيقة معجونة بأصفى وأنقى المشاعر ومزينة بالحب، وهكذا كانت حبيبتنا تعيش اللحظات مع أختها في بيتٍ شريف كان فيه نورٌ عظيم... ونورين.
حديثنا اليوم عن الحبيبة أم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وسلم وُلِدَت قبل البعثة بستِّ سنين وكانت المولودة الثالثة في زمنٍ وبيئة مفتونة بالبنين، فرح بها النبي عليه الصلاة والسلام وزوجته الحبيبة أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها.
ومرّت الأيام وكبرت البنات، ولما بلغت أم كلثوم وأختها رقية رضي الله عنهما مبلغ الزواج خطبهما ابني عمّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وابنا عمِّه عبد العزى (أبي لهب)، وتمت الخطبة وفرحتا معا، لكنهما وبعد بعث النبي صلى الله عليه وسلم ودعوته للإسلام كانتا أول موطن لجأ إليه كفار قريش ليؤلموا رسول الله ويؤذونه في بيته.
صبرت حبيبتي أم كلثوم... وتصبّرت بأختها، ومرّت أيام وتزوجت رقية وهاجرت إلى الحبشة وفارقت لأول مرةٍ توأم روحها وحبيبتها الحنونة أم كلثوم التي التفتت لتجد أختها الصغيرة فاطمة تطالعها بنظراتها الحلوة، فاحتضنتها واحتوتها بحنانها الدافئ وصارت الليالي ساكنة إلا من ضحكات أختها الصغيرة.
ومرّت أصعب فترة عليها وهي مع أبيها وأمها وهم مقاطعون مع بني هاشم في شعب أبي طالب، فعانت من الجوع والحصار وصبرت وثبتت على الإيمان والإسلام ورعت أمها وأبيها، ولم تشكو ولم تئن بل كانت وتدًا في البيت، ولمسةٌ حانية تُعين كل من في بيت النبوة، وأتى يومٌ حزينٌ تألّمت فيه مع أبيها صلى الله عليه وسلم وهما يراقبان المجاهدة العظيمة أم المؤمنين خديجة وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة فكانت ضربةً قاسيةً على ظهرها آلمتها بشدة، لكنها ظلت على صبرها وأكملت في بيت أمها وعلى منهاجها ما كانت تفعله، فرعت أختها فاطمة، ووقفت بجوار أبيها ورعته ببرها وحنانها الدافئ، وتألّمت لألمه، حاولت أن تظهر بمظهرٍ قوي رغم رقة فؤادها، لكنها لم تتمكن من حبس دموعها وهي ترى والدها الحبيب صلى الله عليه وسلم وهو يدخل عليها وقد نثر أحد الكفار التراب على رأسه، فركضت تزيله وتنفضه عنه وهي تبكي وهو يُصبِّرها قائلًا: «لا تبكِ يا بُنيَّة، إن الله مانع أباكِ».
ومرضت رقية، وأتت لحظة وفاتها لتُجدِد الحزن في قلب أختها وحبيبتها أم كلثوم، فصبرت على فراقها كما صبرت على فراق أمها خديجة، وظلت صابرة متماسكة في بيت أبيها تحتوي أختها فاطمة بحنان... وتُعين أبيها وهي شاكرة لله.
ولا نعجب أن كانت هي النور الثاني الذي أضاء في بيت سيدنا عثمان بن عفان بعد وفاة زوجته رقية بعامٍ عندما كان يسير مهمومًا لانقطاع الصهر بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم، فيُزوِّجه من أم كلثوم فتقرّ عينه بها وتقرّ عينها به.
وبقيت الحبيبة مع زوجها ستّ سنوات، ولم تُنجِب، وصبرت على هذا ولم تئِن ولم تتوجّع وظلّت على صبرها وثباتها.
ويأبى الصبر أن يرحل إلا بعد أن يوقع مؤكدًا أنه كان رفيق دربها وأنها كانت راية له، فداهمها المرض، وصارت تتألّم وهي طريحة الفراش، والنبي يُراقبها وهو يتألّم، ورحلت بهدوءٍ فحزن عليها حزنًا شديدًا، وكفنها بإزاره، وجلس على قبرها يبكي..
يبكي فراق القلب الحنون، بكاها زوجها، وبكت فاطمة، ماتت حبيبتنا أم كلثوم...
أكاد أراكِ حزينة ابنتي ربما لأنكِ فقدتِ أُمًا، أو أُختًا، أو طُلِّقتِ ربما، أو عانيتِ أيامًا من ضِيق، أو ربما قليلٌ من الفقر، أو لم تُنجبين، أو ربما أنتِ مريضة، ولكن أن يجتمع كل هذا في قلبٍ واحدٍ يتألّم ويظل يبعث نورًا ويفيض حنانًا... ونظل نذكره ونشعر بهذا الحنان الدافئ بينما تحتضننا حروفٌ قصتها وكأنها أطلّت علينا بملامحها الطيبة وابتسامتها الحنونة من هناك...
أحبيها كما أحببتها.. أحبي بنت النبي صلى الله عليه وسلم، أحبي أم كلثوم.
وأيًا كان إبتلاءكِ فاصبري مثلها ولا تحرمي من حولكِ من هذا (الحنان الدافئ) الذي يظل باقيًا أثره حتى وإن غِبتِ أنتِ.
إصبري حبيبتي.. وكوني مثلها كوني صحابية.
حنان لاشين
كاتبة إسلامية ملقبة بأم البنين
- التصنيف: