الخوارج ورفع المصاحف!
ما يهمنا هنا: أن الخوارج لم يرفعوا المصاحف بل كانوا يقاتلون من رفعها من أهل الشام، ولم أقف على نصٍ صريح يدل على أنهم فعلوا هذا الصنيع في أي من معاركهم الطويلة. وأخيرًا.. فإذا كان رفع المصاحف من صنيع الخوارج، فماذا عن رفع البيادة فوق الرءوس أو تعليق صور السيسي والخروج على من كان رئيسًا في ثورة 30 يونية المجيدة!
بغض النظر عن مشروعية التظاهرات المرتقبة يوم 28 نوفمبر القادم، والدعوة إلى حمل المصاحف بها، ورغم تحفظي على ذلك كله لأسبابٍ عديدة مُتعلِّقة بالموازنة بين المصالح والمفاسد والنظر في المآلات، وتأمّل ما جرى من أحداثٍ سابقة سُفِكت فيها دماء معصومة ولم يترتب عليها مصلحة تُذكر، لكن يبقى من الملاحظ وجود حالة هستيريا وهجوم شديد على هذا الأمر من المؤسسات الدينية الرسمية كالأزهر والأوقاف ومن شابههم في المسلك كحزب النور المنسوب زُورًا للسلفية.
ومن أكثر المقولات التي تكرّرت في بيانات الأزهر والأوقاف وكذا في مقالات الجرائد: أن الدعوة إلى حمل المصاحف تشبّه بالخوارج أول من حملوا المصاحف على الأسنة.
وكل ذلك جهلٌ وتخليط! فأول من حمل المصاحف هم أهل الشام بقيادة معاوية رضي الله عنه في معركة صِفِّين لمّا أوشكت المعركة أن تنتهي بهزيمتهم وانتصار علي رضي الله عنه ومن معه فرفعوا المصاحف ودعوا إلى التحكيم.
وقد كان الخوارج يومئذ من جند علي، ولم يكن ظهورهم وتشكلهم كفرقةٍ مستقلة قد حدث، وإنما جرى ذلك بعد أن حدثت مشكلة التحكيم، حيث رفع أهل الشام المصاحف، ودعوا إلى تحكيم كتاب الله، وهنا انقسم أهل العراق ما بين مؤيد ومعارض، فعلي رضي الله عنه أدرك ما في الأمر من خديعة، وحاول تحذير قومه فثار عليه عصابة من القُرّاء الذين صاروا بعد ذلك خوارج، وألزموه بقبول التحكيم، لكن سرعان ما اضطرب رأيهم وتغيرت مواقفهم، وبعد أن حملوا عليًا رضي الله عنه على قبول التحكيم رغم معارضته لذلك، عادوا فرفضوا التحكيم، وأعلنوا مبدأهم الشهير "لا حكم إلا لله" معترفين أنهم أخطأوا وأذنبوا ثم تابوا من هذا الذنب، ودعوا عليًا رضي الله عنه إلى التوبة أيضًا.
وما يهمنا هنا: أن الخوارج لم يرفعوا المصاحف بل كانوا يقاتلون من رفعها من أهل الشام، ولم أقف على نصٍ صريح يدل على أنهم فعلوا هذا الصنيع في أي من معاركهم الطويلة.
وأخيرًا.. فإذا كان رفع المصاحف من صنيع الخوارج، فماذا عن رفع البيادة فوق الرءوس أو تعليق صور السيسي والخروج على من كان رئيسًا في ثورة 30 يونية المجيدة!
أحمد قوشتي عبد الرحيم
دكتور بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة
- التصنيف: