من هم الخوارج‬؟

منذ 2014-12-02

فليس كل من تولى رقاب المسلمين كان إمام حق وعدل، وليس كل خارج مارق من الدين والمله حلال الدم.

يقول ابن حزم في كتاب (الفصل في الملل والنحل والأهواء) [2/113]: "ومن وافق الخوارج من إنكار التحكيم وتكفير أصحاب الكبائر، والقول بالخروج على أئمة الجور وأن أصحاب الكبائر مخلَّدون في النار، فهو خارجي وإن خالفهم فيما عدا ذلك مما اختلف فيه المسلمون، وإن خالفهم فيما ذكرنا، فليس خارجيًّا".

وعلَّق الدكتور علي الصلابي في كتاب (صفحات مشرقة من التاريخ الاسلامي) [1\476] على تعريف الشهرستاني "كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجياً"، فقال: "ولكن يجبب أن ننوه هنا على ضوابط تعريف الخوارج، حيث إن هذه التعاريف السالفة لا تنسحب بالضرورة على من خرج على الحكام المبدلين لشرع الله الحنيف، الذين يحرسون مناهج العلمانية الكافرة ويسوسون الدنيا بها! بل يصدق وصف الخوارج -سالف الذكر- وينسحب على من خرج على الحكام المسلمين الذين يحكمون بشرع الله الحنيف ويسوسون الدنيا به.
وعلى ذلك انعقد إجماع أهل السنة والجماعة كما ذكر الإمام النووي رحمه الله بقول: "أجمع العلماء على أن الإمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه لو طرأ عليه كفر انعزل، إلى أن قال: فلو طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة خرج من حكم الولاية وسقطت طاعته ووجب على المسلمين القيام عليه وخلعه ونصب إمام عادل إن أمكنهم" [شرح صحيح مسلم:13/229]".

فليس كل من تولى رقاب المسلمين كان إمام حق وعدل، وليس كل خارج مارق من الدين والمله حلال الدم.

ويوضح الدكتور حاكم المطيري هذا الإشكال في كتاب (الحريه أو الطوفان) فيقول: "خلطهم بين مفهوم الخروج السياسي لمواجهة طغيان السلطة دفاعًا عن الأمة، ورفعًا للظلم عنها، ومفهوم الخروج العقائدي الذي يستحل أصحابه دماء المسلمين وأموالهم ويُكفِّرونهم، وهم الذين جاءت النصوص بذمِّهم..."

ثم ذكر كلام شيخ الإسلام ابن تيمية في التفريق بين قتال الخوارج وقتال البغاة وقتال أهل التأويل، وعاب شيخ الإسلام هذا الخلط فقال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوي [35/54]: "أما جمهور أهل العلم [قديمًا] فيفرقون بين الخوارج وبين أهل الجمل وصفين وغيرهم ممن يعد من البغاة المتأولين، وهذا هو المعروف عن الصحابة، وعليه عامة أهل الحديث والفقهاء والمتكلمين، وعليه نصوص أكثر الأئمة وأتباعهم من أصحاب مالك وأحمد والشافعي وغيرهم".

ويقول الحافظ بن حجر العسقلاني في كتاب (فتح الباري) [12\286]: "وقسم خرجوا غضبًا للدين من أجل جور الولاة وترك عملهم بالسنة النبوية، فهؤلاء أهل حق ومنهم الحسين بن علي وأهل المدينة في الحرة والقراء الذين خرجوا على الحجاج".

ويقول ابن حزم أيضًا: "ومن قام لعرض دنيا فقط كما فعل يزيد بن معاوية، ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان في القيام على ابن الزبير، وكما فعل مروان بن محمد في القيام على يزيد بن الوليد، وكمن قام أيضا عن مروان، فهؤلاء لا يعذرون، لأنهم لا تأويل لهم أصلا، وهو بغي مجرد، وأما من دعا إلى أمر بمعروف أو نهي عن منكر وإظهار القرآن والسنن والحكم بالعدل فليس باغيا، بل الباغي من خالفه -وبالله تعالى التوفيق".

بل لما خرج الخارجين على سيدنا عثمان رضي الله عنه وأرضاه في بداية الأمر طالبين الإصلاح السياسي وفقط، وهو عزل بعض الولاة وتقسيم الفيء بالعدل والمساواة وتنصيب ولاة ذو قوة ونفوذ وليس استحلال لدم سيدنا عثمان، وافقهم وأيدهم بعض من الصحابة بل وافقهم سيدنا عثمان نفسه وأثنى عليهم فقال عنهم: "ما رأيت ركبًا كانوا خيرًا من هذا الركب والله إن قالوا إلا حقًا وإن سألوا إلا حقًا" [ابن شبه :3/1129].

وقالت السيدة عائشة رضي الله عنها عندما بلغها خبر كاذب وهي في مكة أن سيدنا عثمان قتل الوفد المصري: "إنا لله وإنا إليه راجعون، يقتل قومًا جاءوا يطلبون الحق وينكرون الظلم، والله لا نرضى بهذا" [ابن شبه: 3/1175].

ولكنهم بعد ذلك انحرفوا واستحلوا دم سيدنا عثمان، ولكن العبرة ليست بانحرافهم ولكن بتفريق الصحابة بين المطالبة بالإصلاح واقرارهم على المطالبة به، والخروج العقدي الذي تستحل فيه دماء المسلمين بغير حق، وكفروا ذي النورين ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان رضي الله عنه.

فتدري من هم ‫‏الخوارج؟‬ ‬

هم هؤلاء الذين يبيحون دماء المصلحين ويكفرونهم بدعوى أنهم مارقين خوارج مع الدعاة والمصلحين و‫مرجئه‬ مع الحكام المبدلين‬.

 

أحمد عز الدين