الانتخابات التركية.. شهادة على وعي الأمة

منذ 2014-12-08

الشعب اختار الهوية: فوز رجب طيب أردوغان الساحق، وبفارق يزيد عن 5 ملايين صوت عن إكمال الدين احسان أوغلو، يؤكد على أن الشعب اختار الهوية. ولم تفت فيه حملات التشكيك سواء في أردوغان، أوحزبه بما فيها الإتهامات الباطلة له بالفساد والتي حاول البعض إلصاقها به.

الفوز الكبير الذي حققه زعيم حزب العدالة والتنمية التركي رجب طيب أردوغان،{60 عاما} في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، وبنسبة 52 في المائة، وفي الجولة الأولى من الإنتخابات المباشرة والتي تقام لأول مرة في البلاد، قلب كثير من الحسابات في تركيا والمنطقة. وكشف عن أن الشارع التركي سيظل وفيا لإسلامه، وأن تقديم العلمانيين لوجه إسلامي، معروف مثل إكمال الدين إحسان أوغلوا، لن يغير من الموقف شيئا.
 
الشعب اختار الهوية: فوز رجب طيب أردوغان الساحق، وبفارق يزيد عن 5 ملايين صوت عن إكمال  الدين احسان أوغلو، يؤكد على أن الشعب اختار الهوية. ولم تفت فيه حملات التشكيك سواء في أردوغان، أوحزبه بما فيها الإتهامات الباطلة له بالفساد والتي حاول البعض إلصاقها به.
لقد حاول الأعداء والخصوم النيل من شعبية أردوغان من خلال تلك الممارسات، ثم حاولوا الإنقلاب عليه من خلال تمثلية ميدان تقسيم، حتى تساءل بعضهم" هل تشهد البلاد ربيعا تركيا" متناسين أن تركيا تعيش ربيعها مع أردوغان وحزب العدالة والتنمية منذ ما يزيد عن 12 عاما، وأن ما يسمى ربيعا هي التحركات الشعبية ضد أنظمة الجور والإستبداد.
 
لقد تعب الشعب التركي، من مقولات مبتذلة لم تزد تركيا سوى وهن على وهن ورهق على رهق، مثل الحداثة الآيديولوجية، والتقوقع داخل الحدود، والإعلاء من شأن العرق ، على حساب الأعراق الأخرى، بل على حساب العقيدة الدينية . وبالتالي فإن تصويت الشعب التركي لحزب العدالة والتنمية، كما كان تصويتهم لصالح الأحزاب الإسلامية من قبل والتي كان الجيش يقوم بإسقاطها الواحدة تلو الأخرى ، وآخرها حكومة نجم الدين أربكان سنة 1998 م، هو انتصار للهوية الإسلامية في تركيا، قبل أي شئ آخر. رغم أن الجانب التنموي له دور في ذلك، لكنه ليس الدور الرئيسي ولا المحوري. وهذه الروح التي تسري في الأمة، وتزداد اتقادا مع مرور الزمن وصلت إلى مرحلة اللاعودة في تركيا، فلم يعد الجيش بمقدوره القيام بانقلاب، ولا العلمانيين التأثير الحاسم في مجرى الأحداث في تركيا. وإن كان على أردوغان وحزب العدالة والتنمية والقوى الإسلامية في تركيا العمل على تحويل طلبتهم لدراسة الحقوق وما أدراك ما الحقوق. وعلى الانضمام لقوات الأمن والجيش وما أدراك ما الأمن والجيش. 
 
الشعب اختار التنمية: لقد شهدت تركيا { 73 مليون نسمة } نهضة اقتصادية بارزة انطلقت قبل أكثر من 10 سنوات مع صعود حزب العدالة والتنمية للحكم. وذلك بعد أن كانت تركيا بلدا من العالم الثالث، وصلت فيه نسبة التضخم 55 في المائة وبدأت هذه النسبة بالانخفاض لتصل إلى 10 في المائة هذا العام 2014 م . ومنذ عقدين كانت نسبة النمو سلبية بنسبة 9،5 في المائة ، وهي الآن 9،9 ايجابي.
 
ومنذ تولي حزب العدالة والتنمية مقاليد السلطة في تركيا بدأت عجلة التنمية في الدوران إلى الأمام لتصبح تركيا في المرتبة 17 عالميا من ناحية النمو الإقتصادي. وحققت الصادرات التركية في 2011 م رقما قياسيا وصل إلى 135 مليار دولار. وحققت زيادات هائلة في مجال دخل الفرد والرعاية الصحية والتعليم والمواصلات وغيرها. وتصل صادرات تركيا حاليا إلى 190 دولة حول العالم من أصل 192 دولة عضو في الأمم المتحدة. وتحتل قطع غيار السيارات ومنتجاتها المركز الأول في الصادرات التركية تليها الالكترونيات والأدوات المنزلية الكهربائية مثل الثلاجات ، والغسالات، والأفران، إضافة للمخابز الكهربائية ، وآلات الحصاد والنسيج. ولم تكتف تركيا بتحقيق اكتفاء ذاتي في مجال الزراعة، بل أصبحت  تركيا الدولة السابعة عالميا في تصدير المنتجات الزراعية بكافة أنواعها الطازجة والمعلبة والمصنعة.  
 
وقبل تسع سنوات كان معدل دخل الفرد في البلاد يقدر بثلاثة آلاف وخمسمائة دولار سنويا، ليصل إلى المعدل حاليا، إلى 10 آلاف وخمسمائة دولار سنويا. وساهم الاستقرار في تركيا، وسياسات الحكومة في زيادة نسبة الاستثمار مما أدى إلى انخفاض في عجز الميزانية من 12 في المائة إلى 0 في المائة، وبلغت الاستثمارات المباشرة 100 مليار دولار مند سنة 2003 م .
وتأتي الصحة في المرتبة الثانية بعد التعليم، في خطط حكومة العدالة والتنمية ، وحسب استطلاعات رأي أجريت قبل الإنتخابات هناك 74 في المائة من الشعب التركي راضين عن الخدمات الصحية.
 
الشعب اختار الإستقرار: لم يكن انتصار رجب طيب أردوغان مفاجئا سوى للذين يفكرون بالتمني، وممن يجعلون أمانيهم لا الواقع الموضوعي حكما على الأمور المختلفة. وقد قطعت الانتخابات التركية الطريق على الصائدين في الماء العكر، والمشككين في نسب المشاركة على أنها دليل على عدم الشعبية، فقد وصلت نسبة المشاركة في الانتخابات ال 74 في المائة .
 
وقال الكاتب الصحفي التركي المعارض، مصطفى يلماز، أن" التخمينات بإمكانية هزيمة أردوغان لم تكن واقعية، وكانت مجرد تمنيات لمعارضي أردوغان" وتابع " شخصيات المرشحين كان لها دور في حسم الأمر لصالح أردوغان، وأسلوبه الصارم وطبيعته القتالية على الأسلوب الرقيق والتوافقي لمرشح المعارضة إحسان أوغلو". لقد زاد عدد المصوتين لطيب أردوغان في حين خسرت المعارضة نحو مليوني صوت مما يؤكد على أن الشعب التركي يرغب في الاستقرار في ظلال الإسلام الوارفة . فرغم أن الراية الإسلامية في تركيا لم تكن واضحة بشكل كاف للكثيرين داخل تركيا وخارجها إلا أن الأذكياء يعون بأن الأمر يحتاج للصبر والمثابرة والتمكين للإسلام خطوة خطوة كما تم نقضه عروة عروة . وذلك بسبب الظروف المحيطة بالبلاد، وهو ما يساهم في دعم الاستقرار ويبعد عن تركيا خطر الزلازل التي تعصف بالمنطقة بسبب محاولات التغيير الايجابي نحو الإسلام ،أو السلبي والمدمر نحو غيره من المناهج والنظريات.  لا سيما وأن فترة حكم رجب طيب أردوغان هي من أطول فترات تركيا استقرارا ورفاها اقتصاديا، كما شهدت المزيد من الحقوق والحريات في مختلف المجالات .
 
رجب طيب أردوغان، أو السلطان الجديد، والذي أدى سجدتي الشكر في المسجد لم يعتبر انتصاره انتصارا لنفسه ولا لحزبه وإنما لكل الشعب التركي، وقال في خطاب اعلان الفوز" ليس تركيا فحسب، وإنما بغداد واسلام آباد وكابول وبيروت وسراييفو وسكوبيا ودمشق وحلب وحماة وحمص وطرابلس ورام الله وأريحا وغزة والقدس انتصرت اليوم. وأن " السياسة الانتهازية الرخيصة تلقت درسا قاسيا اليوم" وخاطب شعبه وخاصة أولئك الذين يفتعلون الأزمات ويقسمون الشعوب ويوقدون نار الفتن بأقوالهم وأفعالهم " من الطبيعي الاختلاف في نمط الحياة ولكننا جميعا أبناء هذه الامة ، بغض النظر عن انتماءاتنا الأخرى" وتحدث عن الخلاف داخل المجتمع معتبرا ذلك أمرا طبيعيا حسب سنة الاختلاف" هذا يعكس وحدتنا واحترامنا لنمط حياة جميع الأشخاص في المجتمع" مشددا على أن تركيا عندما تولى رئاسة حكومتها كانت مدينة لصندوق النقد الدولي ب23 مليار دولار، تم سدادها، وإقراض الصندوق 5 مليارات دولارات.
 
لم يمنح فوز رجب طيب أردوغان السلم لتركيا، وإنما تشعر تونس القادمة على انتخابات نهاية أكتوبر القادم ، وغيرها من شعوب المنطقة ولا سيما، وفلسطين وخاصة غزة ، والقدس بأن انتصار أردوغان هو انتصار لاشواق الأمة كلها وسط الفوضى والركام والفتن والتهديدات الماثلة في كل مكان تقريبا. 

عبد الباقي خليفة