عن أي حماية دولية يتحدثون؟
بريطانيا احتلت مصر أكثر من 70 عاما ولم تستطع تمكين المسيحيين من حكم مصر لسبب مذهبي متعلق بان البريطانيين بروتستانت، وسبب ديمغرافي متعلق بقلة عددهم ( أقل من 6%) من السكان.
مطالبة بعض المتطرفين المسيحيين في مصر، وفي الخارج بحماية دولية أكبر خطر على المسيحيين أنفسهم. لا الفاتيكان ولا فرنسا ولا أمريكا ولا أي دولة غربية يمكنها توفير الحماية للمسيحيين في العالم العربي، وأي كلام في هذا الاتجاه مقامرة غير محسوبة ونوع من اللعب بالنار، فغالبية المواطنين المسيحيين الذين يعيشون في المدن والقرى المصرية وسط اخوانهم المسلمين في أمن وأمان منذ 1400 عام،ليس لهم علاقة بهذه المعركة التي تديرها اسرائيل لاشعال الفتنة في مصر وتدويل الملف الطائفي تحت شعار حماية الأقليات.
لكن مع انضمام بعض النخبة المسيحية لهذه المؤامرة الانتحارية عن قصد أو لعدم دراية، نرى أن نلفت الانتباه لبعض الحقائق التي قد تفيد في تصحيح الأوهام الطائفية والتأكيد على أن الحماية الدولية المزعومة ليست في مصلحة المسيحيين المصريين والعرب للأسباب الآتية:
1- أمريكا لم تستطع حماية المسيحيين في العراق رغم وجود أكثر من 200 ألف جندي أمريكي وأوربي بكامل أسلحتهم، بل ان هذه القوات منيت بخسائر جسيمة انهت الحلم الامبراطوري الأمريكي، وأدت في النهاية إلى بدء انسحاب هذه القوات مخذولة مدمرة، وتسببت هذه الحروب في الانهيارات الاقتصادية التي تضرب حاليا دول الغرب وتدفعها إلى الإفلاس والانهيار.
2- بريطانيا احتلت مصر أكثر من 70 عاما ولم تستطع تمكين المسيحيين من حكم مصر لسبب مذهبي متعلق بان البريطانيين بروتستانت، وسبب ديمغرافي متعلق بقلة عددهم ( أقل من 6%) من السكان.
3- فرنسا عجزت عن البقاء في مصر ولم تستطع حماية المسيحيين المصريين الذي وقفوا معها، وقصة المعلم يعقوب خير شاهد على ذلك حيث طرد معهم هو وعناصر الفيلق الذي شكله لمحاربة المصريين المسلمين، ولم يستطع البقاء في مصر.
4- المراهنة على الفاتيكان في غير محلها، فالبابوية الكاثوليكية ترفض الاعتراف بالمذاهب المسيحية الأخري وترى أنهم كفرة وخارجون عن المسيحية،والتاريخ يثبت هذا، فالصليبيون في حملاتهم على القدس قتلوا المسيحيين قبل المسلمين،والحملة الصليبية الرابعة التي نظمتها البابوية لم تتوجه الي القدس لمحاربة المسلمين وانما ذهبت الي القسطنطينية المسيحية الارثوذكسية وقتل الصليبيون أهلها واستباحوها لأكثر من خمسين عاما، وبسبب هذه الحملة يوجد حتى الآن شرخ كبير بين الكاثوليك والأرثوذكس.
5- البابوية الكاثوليكية التي كانت تحكم أوربا في القرون الوسطى تركت القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية الأرثوذكسية تسقط في يد العثمانيين، ولم تقدم أي دعم لانقاذ أشقائهم في العقيدة طوال فترة الحصار التي قاربت الشهرين.
6- أمريكا البروتستانتية تري أن الكاثوليك والأرثوذكس ليسوا من أتباع المسيح، والتبشير الانجيلي الأمريكي يشكل خطرا على الكنيستين الكاثوليكية والأرثوذكسية اللتان تشكوان من تزايد التسرب إلي الكنيسة الإنجيلية البروتستانتية المدعومة من حكومة الولايات المتحدة، وهذا صراع معروف، فأمريكا تراهن على الزمن عبرالتبشير الإنجليكاني البروتستانتي لاحتواء أتباع المذاهب المسيحية الأخري، ولا مانع من استخدامهم كورقة للضغط السياسي.
7- عمرو بن العاص هو الذي أعطى الأمان للأب بنيامين الذي كان هاربا من الحكم الروماني الأرثوذكسي طوال 13 عاما، كما أن الدولة العثمانية وضعت الخط الهمايوني الذي يعترض عليه البعض اليوم لحماية الكنائس الارثوذكسية من التبشير البروتستانتي.
إن مطالبة بعض المتطرفين بالحماية الدولية واستدعاء الغرب بالشكل الذي نراه في التصريحات والمواقف قد يعطي انطباعا لدى بعض القطاعات من المسلمين بأن المسيحيين المصريين جزء من الغرب وامتداد له، وليسوا جزءا من الشعب المصري، وهذا أكبر خطر قد يواجهه النسيج الوطني. لسنا بصدد تكرار المواقف الاسلامية تجاه هذا الملف، فالاسلام هو الذي حمى الأقليات، ومعظم المسيحيين الذين يتعايشون مع اخوانهم المسلمين، في القرى والنجوع ليس لهم صلة بهذه القلة التي تريد الزج بالطائفة المسيحية في محرقة لصالح اسرائيل، وانظروا إلى أصحاب أنصار الدولة القبطية المقيمينفي أمريكا الذين يرفعون العلم الاسرائيلي.
عامر عبد المنعم
كاتب صحفي
- التصنيف:
- المصدر: