خاطرة: الدّرّة الضائعة

منذ 2014-12-14

استوقفتني صورة هذه المرأة الراشدة، والتي بحيائها صارت حية في كل زمان، ورفع من شأنها وعند كل قراءة، فضربت أيما مثل للمرأة الصالحة النقية الطاهرة.

قال تعالى: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} [القصص:25].

استوقفتني صورة هذه المرأة الراشدة، والتي بحيائها صارت حية في كل زمان، ورفع من شأنها وعند كل قراءة، فضربت أيما مثل للمرأة الصالحة النقية الطاهرة.

تملكني نوع حب وتقدير لهذه الجوهرة الغالية، ثم سرحت بفكري بعيدًا، أتلمس جانبًا من جوانب هذه الفطرة السليمة في واقعنا المعيش، فانتابني شعورٌ غريبٌ رهيبٌ.. فالجوهرة الثمينة، ديس عليها بالأقدام، حتى انزوت بعيدًا، وأخشى أن تحتضر في زحمة ما سمي بالرقي والتمدن، فتمثلتها محبطة، موجوعة بالرغم من جمالها الفتان، وسمْتها الأخّاذ، فكان أن:

 

جاءتني باكية

في ليلٍ مظلمٍ، شاكية

بالرغم من حزنها وهيئتها البالية

بَدت لي فاتنة بأنوارٍ في وجهها مشرقة

أحبها فؤادي لحظة ما رمقتُها وهي دامعة

فلما وقفت أمامي فاحت منها رائحة زاكية

لم تستطع كلامًا من فرط عبراتها الخانقة

مسحتُ براحتي دموعًا لها منسكبة

فقالت لي والحرقة في نبرة صوتها بادية:

آهٍ! لحال بنات حواء آهٍ! لفتنةٍ مدمرة

كنتُ لهن زينة وجواهر متلألئة

ألازمهن كظلهن في السر والعلانية

صالحات نقيات عفيفات طاهرات

كذا كان وصفهن وفي كل ناديا

عشت زمنًا كريتا في حضر وبادية

والكل يتغنى بي وينشد عزيا

حتى أتى اليوم الذي رُميت فيه من عاليا

أسقطوني كفضلة طعام منتنة

 

أي جُرمٍ ارتكبت!! حتى يكونَ هذا مصيريا!!

إنما أنا ابنة الفضيلة والأخلاق العالية

شرفني رب الورى ورسوله أعلى من شانيا

واليوم، ماذا جرى؟! وما سر نسيانيا؟!

أَزُهدٌ في التقى والعفاف أم عِشقٌ للرذيلة النكراء؟!

إني أموت في اليوم بل وفي كل ثانية

عندما أرى لباسًا فاضحًا، متبرجًا، عاريا

نساءٌ كاسياتٌ عارياتٌ كما أخبر بهن رسولنا

ووجوهٌ ملونةٌ بأصباغٍ مُلوثة

وأصواتِ نساءٍ بين رجالٍ فاضحة

واختلاطٍ مشينٍ في كل ناحية

مسترجلات غدون ملعونات بغيريا

لكن «إذا لم تستح فاصنع ما شئت» (1)

كذا قال نبي الله وكذا الواقع مُنبيا

لباسُ الحشمةِ صارَ متواريا

هو لباس الفضيلة وغيره إلى النار وبئس المصيريا

وُطئت بالأقدام وجُرّدت من معانيا

كذا غدا حاليا.. كذا غدا حاليا

 

فتوارت عني، لتبكي البكاء الشديد، وتترك في النفس غصة مريرة، وما أظن حالتها إلا إشفاقًا مما آلت إليه أمتنا، وإلا فهي شامخة، ما ضرها من تنكر لها، وغُرر به فطلقها.

فهيا نعود إليها، حتى نلقى بين أحضانها زهوًا وعزًا وكرامةً وشرفًا، ونلملم شتات ما خلفته أفكار مسمومة، واعتقادات مذمومة، وكلها إلى النار تنادي.

---------

(1) أخرجه البخاري في صحيحه عن عقبة بن عمرو بن ثعلبة أبو مسعود.

 

 

الكاتبة: امة من اماء الله (أخوات طريق الإسلام).