ثقافة الرد على الجوّال في واقعنا

منذ 2014-12-17

فنعلم جميعاً ما للهاتف الجوّال من أهميةٍ بالغةٍ وحضورٍ كبيرٍ في واقعنا المعاصر وبخاصةٍ أنه أحد أبرز وسائل الاتصال الحديثة التي يمكن من خلالها للفرد أن يتواصل متى شاء وكيفما شاء مع من يُريد في أي مكانٍ على سطح الأرض، وفي أي وقتٍ من ليلٍ أو نهار ، وهو نعمةٌ عظيمةٌ أكرمنا الله سبحانه وتعالى بها فنحمده - جل جلاله - على ذلك، ونشكره شكراً كثيراً أن يسّر لنا ما لم يتيسر لغيرنا، ونسأله - جل في عُلاه - أن يوفقنا إلى حُسن استخدامها وجميل التعامل معها.

(هل من الضروري أن يرد الإنسان على جوّاله ؟)
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد : فنعلم جميعاً ما للهاتف الجوّال من أهميةٍ بالغةٍ وحضورٍ كبيرٍ في واقعنا المعاصر وبخاصةٍ أنه أحد أبرز وسائل الاتصال الحديثة التي يمكن من خلالها للفرد أن يتواصل متى شاء وكيفما شاء مع من يُريد في أي مكانٍ على سطح الأرض ، وفي أي وقتٍ من ليلٍ أو نهار ، وهو نعمةٌ عظيمةٌ أكرمنا الله سبحانه وتعالى بها فنحمده - جل جلاله - على ذلك ، ونشكره شكراً كثيراً أن يسّر لنا ما لم يتيسر لغيرنا ، ونسأله - جل في عُلاه - أن يوفقنا إلى حُسن استخدامها وجميل التعامل معها. 

وعلى الرغم من ذلك كله ، فإن هناك تساؤلاً طالما خطر ببالي وإن كنت لم أجد له إلى الآن إجابةً شافيةً وافية ، وهو تساؤلٌ يقول : هل من الضروري أن يرد الإنسان على جواله كُلما سمع رنين جرسه ؟! 
ويتبع لهذا التساؤل تساؤلاً آخر يقول : هل من اللائق أن يُجري الإنسان مكالماته الهاتفية في أي مكان يكون فيه ؟

أطرح هذين التساؤلين على كل ذي عقلٍ رشيدٍ وفهمٍ سديد ، وأنا في عجبٍ شديدٍ من بعض أفراد المجتمع اللذين ما أن يسمع أحدهم جرس أو نغمة هاتفه الجوّال حتى يُسارع إلى تشغيله ، ويشرع في الرد المباشر على تلك المكالمة بكل اندفاعٍ ، ودون مُبالاةٍ بمن حوله من الناس ، ودون مراعاةٍ للظرف الزماني أو المكاني الذي يكون فيه ، سواءً أكان ذلك في جامعٍ ، أو اجتماعٍ ، أو مـجلسٍ ، أو مكتبةٍ ، أو سوقٍ ، أو بين مجموعةٍ من الناس في سيارة ، أو طائرة ، أو غير ذلك من الأماكن التي نعلم تماماً أن الإنسان السوي لا يُمكن أن يعدُها أماكن مناسبةٍ لحرية الرد على الجوال ، أو التبسُط في الحديث مع الطرف الآخر أياً كان ، يُضاف إلى ذلك ما قد يترتب على هذا التصرف من إذهابٍ لهيبة المكان ، أو التشويش على من فيه ، وربما إيذاء الآخرين ، أو قطع انصاتهم ، أو تكدير مجلسهم ، ونحو ذلك من المآخذ . 

ومن وجهة نظري فإن المشكلة لا تكمن في مجرد الرد بذاته ؛ فقد يكون الرد أمراً لازماً وتدعو إليه الضرورة ، وفي مثل هذه الحال فلا بأس أن يكون رداً موجزاً ومختصراً قدر الإمكان ، وبصوتٍ منخفضٍ لا يلفت النظر ، والأفضل أن يكون الرد من خلال رسالةٍ تفي بالغرض ، ولكن المشكلة تبرز عندما نسمع ونرى أن الرد في معظم تلك النوعية من الاتصالات ليس ضرورياً ولا لازماً ، ومع ذلك فإن الكيفية التي يتم بها ذلك الرد تأتي بشكلٍ مزعجٍ للحاضرين ، وطريقةٍ غير مقبولة ، وبخاصةٍ عندما يكون صاحب الجوّال ممن يرفع صوته أثناء إجراء المكالمة ، أو ممن لا يكاد يسمع صوت المتحدث فيكون ذلك الرد مزعجاً جداً لمن حوله ، وتحصل الطامة الكبرى عندما يكون ممن اعتاد الخوض في تفاصيل ( خاصة ) لا داعي للحديث عنها على رؤوس الأشهاد ، إلى غير ذلك من الصور المؤسفة التي نراها ونسمعها في حالاتٍ كثيرةٍ ، يُضاف إلى ذلك أن هناك من قد تكون محادثته تلك وجهازه على وضع إظهار الصوت أو ما يُسمى ( المُكبِّر ) فيكون صوت المرسل والمستقبل مسموعاً لكل الموجودين . 

وهنا أقول لمن يسمع نغمة جواله في مكان عامٍ أو في مكان لا يُمكنه الرد فيه بحريةٍ وارتياح : تريث - بارك الله فيك - وأغلق جرس الجوال ، وأجِّل تلك المكالمة حتى تخلو بنفسك ، أو تجد أنك في حالٍ أو وضعٍ يسمح لك بالرد على تلك المكالمة ، فليس من اللائق أن تتحدث في شؤونٍ خاصةٍ فيسمعك من هم حولك من الناس ، كما أنه ليس من اللائق أن تُسمع من هم حولك تفاصيل تلك المكالمة التي لا دخل لهم فيها ولا ناقة ولا جمل ، وإن كنت مضطراً إلى الرد ؛ فليكن باختصارٍ شديدٍ ، ودونما رفعٍ للصوت ، والأفضل أن تُغادر المكان الذي أنت فيه للرد ، ثم تعود بعد ذلك ؛ ولا تنس أن هناك ما يُمكن أن يُسمى بثقافة الرد على الجوال ، وعلى كل فردٍ منّا أن يُلم بتلك الثقافة ، وأن يعرف أبجدياتها كحدٍ أدنى حتى لا يُعرض نفسه لبعض المواقف الحرجة أو المؤسفة . 

وختاماً : أسأل الله تعالى أن يُصلح الأقوال والأعمال ، وأن يهدينا جميعاً لصالح القول وجميل العمل ، ولو كان ذلك محصوراً في مجرد الرد على الهاتف الجوال ، والحمد لله رب العالمين.


أ . د / صالح بن علي أبو عرَّاد