حكم الاحتفال بأعياد المشركين
إن للأعياد ارتباطاً وثيقاً بالدين والعقيدة، أما ترى أن عيدي الإسلام يصاحبان فرضي الصوم والحج، وأننا أُمرنا بإخراج النساء للمصلى يشهدن الخير، وأن لهما صلاةً واجبةً، وأنه قد حُرِّم علينا أن نصوم فيهما.
عناصر الخطبة:
تحريم الاحتفال بأعياد المشركين.
ارتباط الأعياد بالعقائد والأديان.
حكم تهنئة المشركين بالأعياد وغيرها.
أقوال العلماء في ذلك، شبهات وردها.
الخطبة الأولى:
إن الحمدَ لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل الله فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).
أما بعد:
فاعلم أيها المسلم- وفقك الله لكل خير-: أنه لا تجوز مشاركة النصارى والاحتفال معهم في عيد الكرسمس أو في غيره من أعيادهم، كرأس السنة والقيامة والفسح، وذلك لأدلة كثيرة، فمن ذلك:
قوله - تعالى -: (والذين لا يشهدون الزور وإذا مروا باللغو مروا كراماً).
والزور: أعياد المشركين، ذكره مجاهد والربيع بن أنس وعكرمة والقاضي أبو يعلى والضحَّاك، وليس المراد من الآية أنَّ شهادة الزور هي الكذب، فإن الفعل يشهد قد يتعدى بالباء وقد يتعدى بنفسه، فإن تعدى بالباء كان معناه أخبر، تقول: شهدت بكذا، أي: أخبرت به. أما قولك: شهدت كذا، أي: حضرت. ومنه قول عمر بن الخطاب: " الغنيمة لمن شهد الوَقْعَةَ " أي: حضر، وسُميت أعيادهم زوراً؛ لأن الزور يطلق على المموَّه والمحسّن الذي يظهر بخلاف حقيقته إما لشهوة، أو لشبهة، فالشرك ظهر حسنه لشبهة، والغناء ظهر حسنه لشهوة، وأعياد المشركين جمعت بين الشهوة والشبهة.
ووجه الدلالة من الآية: أنه مدحهم على مجرد ترك أعياد المشركين؛ فدل ذلك على أن فعله مذموم معيب، إذ لو جاز فعله لما كان في تركه كبير مدح.
وقد مدح الله عباد الرحمن بجملة من الصفات، وما من صفة مُدحوا على تركها إلا وهي محرمة، فقد مدحهم الله - تعالى -بتركهم الإسراف والإقتار فقال: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا)، و حرَّم الإسراف فقال: (وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ، وقال النبي في الإقتار والشح: ((إياكم والشحَّ))، ومدحهم على ترك الشرك والقتل والزِّنا فقال - تعالى -: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا). ومدحهم على ترك أعياد المشركين وهي محرمة كذلك.
ومن أدلة تحريم إقامة هذه الأعياد ما جاء عن أنس بن مالك قال: قدم علينا رسول الله المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ((ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله: إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر))، ووجه الدلالة من الحديث: أنهم كانوا يحتفلون بيومين جاهليين فلم يقرهما النبي، بل قال: ((إن الله قد أبدلكم.. ))، والإبدال يقتضي ترك المبدل منه والاعتياط بالبدل، إذ لا يُجمع بين البدل والمبدل منه، قال - تعالى -: ( فبدل الذين ظلموا قولاً غير الذي قيل لهم )، ولم يجمعوا بين القولين؛ (حطة) و(حنطة)، بل قالوا مبدلين: (حنطة)، فقوله: ((إن الله قد أبدلكم... )) يقتضي ترك الجمع بين أعيادنا وأعيادهم، وقوله: ((خيراً منهما)) يقتضي الاعتياط بعيدينا عن أعياد النصارى.
ومن أدلة ذلك ما جاء عن ثابت بن الضحاك قال: جاء رجل إلى النبي فقال: يا رسول الله إني نذرت أن أنحر إبلاً ببُوانة، فقال النبي: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعبد؟ قالوا: لا، قال: هل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال: فأوف بنذرك، فإنه لا وفاء بنذر في معصية الله ولا فيما لايملك ابن آدم))، فدل هذا الحديث على أن الذبح في مكانٍ سبق للمشركين أن احتفلوا به معصية لله؛ لأن النبي قال: ((فأوف بنذرك فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله)).
قال شيخ الإسلام - رحمه الله - في اقتضاء الصراط المستقيم: " ولولا اندراج الصورة المسؤول عنها في هذا العموم معصية الله- لما كان في الكلام ارتباط، وكلام النبي منزه عن مثل ذلك ". وإنما كان معصية حتى لا تُحيا أمثال هذه الأعياد. فإذا كان مجرد الذَّبح في مكان كان فيه عيد لهم معصية فكيف بمن احتفل معهم أو هنّأهم؟؟ قال ابن تيمية - رحمه الله -: " وهذا نهي شديد عن أن يُفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان ".
وعن عائشة - رضي الله عنها -: أن النبي قال: ((إن لكلِّ قومٍ عيداً وإنَّ عيدَنا هذا اليوم - ليوم الأضحى-)).
فهذا الحديث يفيد اختصاص كل قوم بعيدهم، كما أن قول الله - تعالى -: ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً) يفيد اختصاص كل قوم بشرعتهم ومنهاجهم.
وقوله: ((وإن عيدنا هذا اليوم)) يعني: لا عيد لنا إلا هذا اليوم، فالتعريف باللام والإضافة يقتضي الاستغراق، وهذه إشارة منه إلى جنس المشروع - العيدين -.
ومن الأدلة حديث أُم سلمة - رضي الله عنها - قالت: كان النبي يصوم يوم السبت ويوم الأحد أكثر ما كان يصوم من الأيام ويقول: ((إنهما يوما عيد للمشركين فأنا أحب أن أخالفهم)) .
وفي هذا الحديث فائدتان:
الأولى: أن النبي كان يحب مخالفة اليهود والنصارى -لا سيما يوم عيدهم- فهل الذي يحتفل معهم ويهنئهم مقتد بالنبي أم أنه مخالف له؟!! فمن كان متأسياً بالنبي فليبغض مشاركتهم في أعيادهم وليخالفهم فيها.
الثانية: أن اليهود والنصارى مشركون كما نعتهم بذلك النبي، والقرآن الكريم في موضعين.
ومن الأدلة: ما رواه البيهقي عن عمر بن الخطاب أنه قال: " لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم ". وفي هذا الأثر: نعتَ عمر بن الخطاب النصارى بالشرك.
ومنها ما رواه البيهقي عن عمر أيضاً أنه قال: "اجتنبوا أعداء الله في عيدهم ". وهذا نهي عن لقائهم والاجتماع بهم فكيف بمن احتفل بعيدهم؟!
فكل هذه الأدلة تدل بوضوح على تحريم إقامة أعياد المشركين والاحتفال بها.
أيها المؤمنون:
إن للأعياد ارتباطاً وثيقاً بالدين والعقيدة، أما ترى أن عيدي الإسلام يصاحبان فرضي الصوم والحج، وأننا أُمرنا بإخراج النساء للمصلى يشهدن الخير، وأن لهما صلاةً واجبةً، وأنه قد حُرِّم علينا أن نصوم فيهما.
وهل أدل على ذلك من قول النبي: ((يَوْمُ عَرَفَةَ وَيَوْمُ النَّحْرِ وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ عِيدُنَا أَهْلَ الْإِسْلَامِ، وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ))، وهكذا ما من عيدٍ لقوم إلا وهو يرتبط بديانتهم. فكيف نوافق المشركين ونحتفل بشيء من شعائرهم؟!!
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: " الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره، ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة ".
وإذا بان لنا ذلك فلا يمكن أن يهنئهم المسلم بشعيرة من شعائر دينهم، يقول الإمام ابن القيم - رحمه الله -: " وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرامٌ بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد، ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثما عند الله وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك ولا يدري قبح ما فعل. فمن هنأ عبدا بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه. وقد كان أهل الورع من أهل العلم يتجنبون تهنئة الظلمة بالولايات، وتهنئة الجهال بمنصب القضاء والتدريس والإفتاء؛ تجنباً لمقت الله، وسقوطهم من عينه".
فهل نقبل منهم أن يهنئونا به؟
الجواب: لا؛ لما مضى من الأدلة، ولأن قَبول ذلك يدل على الرِّضا بما هم عليه من الكفر، وفي هذا فتوى للعلامة ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -.
وأما تهنئتهم بغير ذلك من الأمور العادية التي لا ارتباط لها بدينهم فلا بأس به؛ إذ لا دليل يدل على تحريم ذلك.
بارك الله لي ولكم في القرآن الكريم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم لي ولكم وللمؤمنين، فاستغفروه إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير المرسلين وخاتم النبيين، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فاعلموا وفقكم الله - أنَّ علماءنا عليهم رحمة الله قد حرَّموا أيَّ مظهر من مظاهر التعاون معهم في شأن أعيادهم، وأنا أجتزئ بعضاً من النقول في ذلك؛ ليعلم الناس أنَّا لا ندعوا إلى بدعٍ من القول.
قال ابن تيمية - رحمه الله -: " وكره ابن القاسم للمسلم أن يهدي للنصراني شيئاً في عيدهم مكافأة لهم، ورآه من تعظيم عيدهم وعوناً لهم على كفرهم، ألا ترى أن لا يحل للمسلمين أن يبيعوا من النصارى شيئاً من مصلحة عيدهم، لا لحماً ولا إداماً ولا ثوباً، ولا يعارون دابة، ولا يعاونون على شيء من عيدهم؛لأن ذلك من تعظيم شركهم ومن عونهم على كفرهم. وينبغي للسلاطين أن ينهوا المسلمين عن ذلك، وهو قول مالك وغيره ولا أعلم خلافاً فيه".
وقال ابن عبد البر: " وعن عائشة قالت: لا تأكل ما ذبح لأعيادهم. وعن ابن عمر مثله ".
"وقال أبو حفص الحنفي: من أهدى فيه يوم عيد المشركين - بيضة لمشرك تعظيماً لليوم كفر".
وفي المهذب: "ويمنعون من إظهار الخمر والخنزير وضرب النواقيس والجهر بالتوراة والإنجيل وإظهار الصليب وإظهار أعيادهم".
وفي مغني المحتاج: " ويعزر من وافق الكفار في أعيادهم"، وهو ما نُصَّ عليه في (الكافي في فقه ابن حنبل).
ويقول الإمام مالك - رحمه الله -: " ولا يكري دابته منهم إذا علم أنهم إنما استكروها ليركبوها إلى أعيادهم".
وكره كراهةً شديدةً ما ذبحوه لأعيادهم، وحَرَّم ذلك الإمام الشافعي، وقال الإمام أحمد: " ولا يُؤكل ما ذبحوه لأعيادهم".
فعلى المسلم أن يكون عزيزاً بدينه، لا يداهن ولا يُجامل فيه، وأن يعلم أنه ليس في الإسلام سوى عيدي الفطر والأضحى، وأن من المحرمات أن يحتفل مع أهل الكتاب أو يُهنئهم بأعيادهم.
أسأل الله - تعالى -أن يردَّنا إليه رداً جميلاً...
- التصنيف:
- المصدر: