شاب سعودي يحكي معاناته مع مرض الإيدز
تركي، شاب سعودي مقيم في المنطقة الشمالية من المملكة العربية السعودية، يحكي لي عن معاناته مع مرض الإيدز، كانت علامات التدين واضحة على ملامحه وهو يقول: أنا الآن أعرف مشاعر المصابين بالإيدز، وأعرف حياتهم القاسية التي يعيشونها كل يوم.
لم يكن يدور في خلده يوماً أنه سينضم إلى نادي المصابين بالإيدز..
كانت خطوة اعتيادية.. أراد فقط تجديد خلايا جسمه عن طريق التبرع بالدم، ذهب إلى المستشفى القريب منه، وجاد بدمه وخرج.. ولم يكن يعلم ما الذي كان ينتظره.
تركي، شاب سعودي مقيم في المنطقة الشمالية من المملكة العربية السعودية، يحكي لي عن معاناته مع مرض الإيدز، كانت علامات التدين واضحة على ملامحه وهو يقول: أنا الآن أعرف مشاعر المصابين بالإيدز، وأعرف حياتهم القاسية التي يعيشونها كل يوم.
لم أشأ أن أتطفل على قصته، كنت متهلفاً لسماع تفاصيلها إلى أن أرخي عنان سمعي لتركي الذي بدأ يتذكر، ويحكي قصته مع الإيدز في بلد اعترف بأن لديه عشرة آلاف مصاب بالإيدز.
يقول تركي: "في أحد الأيام ذهبت إلى المستشفى وتبرّعت بدمي كإجراء طبيعي تعوّدت على القيام به كل فترة، وبعد مدة اتصل بي المستشفى، وقالوا نريدك أن تأتي إلينا غداً. حاولت أن استفسر عن هذا الطلب المفاجئ، فقال لي المتصل: هناك مشكلة فقط نريد أن نسألك حولها.
توجهت إلى المستشفى حسب أمرهم.. ذهبت إلى الموظف الذي كلمني، وقلت: أنا فلان، لماذا طلبتموني؟ فقال لي: لا أعلم، وأجلسني وأغلق الباب عليّ طالباً مني الانتظار حتى يأتي الطبيب.
لحظات محيرة راودتني فيها الشكوك، التي سرعان ما قطعها عليّ الطبيب الذي أطلق عليّ وابلاً من الأسئلة الغريبة المفاجئة... هل سبق أن نُقل لك دم؟ هل أصلحت أسنانك خارج السعودية؟ ثم بادرني بسؤال نزل عليّ كالصاعقة هل لك علاقات محرمة؟
فقلت له: ما الموضوع يا دكتور؟ كأنك تريد أن تقول إني مصاب بالإيدز؟
فأجاب بثلاثة أحرف فقط: (نعم)
لا أستطيع أن أصف تلك اللحظة.. الأمر الوحيد الذي أتذكره جيداً أنني حاولت أن أبكي فلم أستطع.. تمالكت نفسي، وسألت الطبيب: هل أنتم متأكدون؟ فقال: نعم، وتم التأكيد على النتيجة في الرياض. قلت: قد تكون العينة ليست لي.. أريد فحصاً آخر. فقال: لك ما تريد. تعال في الغد وسوف نعمل لك فحصاً آخر.
خرجت من المستشفى وقدماي لا تقوى على حملي، كيف أُصبت بهذا المرض؟ من أين جاءني؟ لا إله إلا الله.. كنت أسلي نفسي في تلك اللحظة القاتلة بأن النتيجة خاطئة، وغداً سوف يتضح ذلك.
لم أنم تلك الليلة.. كانت ليلة انتظار وتأمل في هذه الدنيا التي تنكمش في لحظة حتى تخنق أنفاسك.
في صباح اليوم التالي توجهت إلى المستشفى، تقودني خطوات الأمل والرجاء، وأجريت الفحص.. انتظرت وأنفاسي تتلاحق ودقات قلبي تتسارع.. وكانت النتيجة (أنت مصاب بالإيدز).
حسم الأمر.. أنا مصاب بالإيدز.. لم يتبق من حياتي إلاّ القليل،
وعشت حياتي شارد الذهن، أفكر كيف سأمضي بقية حياتي
في تلك اللحظة كان أول من استقبلني إبليس اللعين، وقام بإعطائي الحل السريع لهذه المشكلة: الانتحار، غرقت في التفكير بالطريقة والوسيلة وكيف سأنتحر، لكني استفقت حين وجدت نفسي أنساق إلى جهنم. تعوذت بالله من الشيطان الرجيم، واستجمعت أنفاسي، وخرجت من المستشفى، وأنا أعاني من ضيق في تنفسي، وكأن الأجواء لم تعد تحمل الأوكسجين الكافي، هربت إلى الصحراء، وبدأت أتأمل في حالي، وما آل إليه أمري، هل انتحر؟ أم أرحل عن أهلي إلى غير رجعة؟ لقد جلبت لأهلي العار، ابنهم الصغير مصاب بالإيدز.. سأكون منبوذاً بين الناس...
توقفت عن التفكير؛ لأن عقلي لم يعد يقدر على المزيد، رجعت إلى المنزل، ولما دخلت أتى إليّ ابن أخي مسرعاً لكي يقبلني، فدفعته جانباً، وأبعدته عني خوفاً عليه أن يصيبه مكروه، فنظر إلي نظره استغراب وعتاب قطّعت نياط قلبي.
بقيت على هذه الحال أسبوعاً كاملاً لم أبحْ بحالي لأحد.. أحسست أني سوف أنهار، إذا لم أتكلم بما يجول في خاطري، إذا لم أفجّر القنبلة التي يشتعل فتيلها في فؤادي، سأصرخ إذا لم أطفئ النار التي تلتهم أحشائي.. لكن من هو الشخص الذي أحادثه وأبوح له بسري ولن يتخلى عني؟
فخطرت في بالي فكرة أن أقول إني مصاب بالسرطان بدل الإيدز، فإذا أنا بدون مقدمات أتكلم مع جاري يزيد، و أخبرته أني مصاب بالسرطان، فصمت، ولم يتكلم ورأيت التأثر بادٍ في عينيه، وكان كلامه لي بلسماً وطمأنينة؛ لأنه ذكرني بقدرة الخالق - عز وجل -، وقد قال لي كلمة كانت الأمل لي بعد الله؛ إذ قال: "والله يا تركي عندي إحساس أن ما فيك شي!! ".
وبعد أسبوع جاء موعد مراجعتي بجدة، سافرت إلى جدة، ولم يعلم بسفري إلاّ صديقي يزيد. ذهبت أولاً إلى مكة واعتمرت، وتشبثت بأستار الكعبة: اللهم نجّني واحمني من هذا المرض.. يا رب يا رب... !!
ذهبت بعدها إلى المستشفى، ولما دخلت أحسست بجدران المستشفى قد أطبقت على صدري، ولم أقدر على المكوث في المستشفى، وخرجت دون أن يراني الطبيب، وعدت أدراجي.
بقيت على هذه الحال عدة أشهر انعزلت فيها عمن حولي، وأتأمل في حالي.
وفي أحد الأيام أتى إليّ يزيد يطلب مني السفر معه إلى الرياض لزيارة إخوانه وعمل فحوصات في مستشفيات الرياض لتطورها في كشف المرض، وبعد إقناع وإصرار، سافرت معه بعد أخذي موعداً من المستشفى في الرياض يصادف وقت وجودي في الرياض. ذهبت إلى المستشفى، وأخذوا عينة من دمي، ثم رجعت إلى مدينتي بالمنطقة الشمالية، أنتظر صدور نتيجة فحص الرياض، وبعد مضي أسبوعين إذا مستشفى منطقتنا يطلب مني عينة جديدة من الدم، طلبت منهم أن يخبروني ما الأمر؟ وبعد إلحاح اخبروني أن نتيجة فحص الرياض كانت سليمة، ولم تشر إلى وجود المرض.
ارتجفت، لم أعرف ماذا أقول، أخبرت أخي يزيد بالموضوع الذي عجز عن التعبير عن فرحته إلاّ بنظراته المسرورة.
أصبح الصباح وكلي سعادة وراحة، توجّهت إلى المستشفى، وسحبوا عينة من دمي، وأرسلوها إلى الرياض، وبعد يومين رجعت لهم أستفسر عن الفحص المبدئي فكان المسؤول يتهرب مني، لكنه أخبرني مؤكداً أنني مصاب، والفحوصات التي أُجريت لي في الرياض كانت تقيس المناعة فقط. وخرجت من عنده أجر خطاي، وأقفل في وجهي باب الأمل.
لا أدري أنا مصاب أم سليم، كل ما أعرفه أنني شارد لا أستوعب ما الذي يجري حولي، بعد أسبوع إذا الجوال يرن في الصباح..
ـ نعم..
ـ أهلا تركي.. أبشرك أنت سليم.
أجبته بكل برود: متأكدين؟
فقال لي: نعم كل التأكد.. الرياض أكد مرة أخرى أنك سليم، ولا تحمل المرض.
أقفلت السماعة، هرعت إلى أمي لأخبرها بالخبر ووقفت عند الباب.. وتذكرت أنها لا تعلم وخفت عليها.. ولم أخبرها.
ثم اتصلت على أخي يزيد وعانقته وقبلته، وأخبرته بالخبر، وقد جن جنونه من شدة الفرح، فرحة لم أر مثلها من قبل.
عبد الله الناصر
- التصنيف:
- المصدر: