حقوق مرضى الإيدز

منذ 2015-01-08

إن تثبيت حقوق مرضى الإيدز والتأكيد عليها لا يعني على الإطلاق كما تود بعض الأفكار أن ترسخ في الناس- لا يعني تسويغ الممارسات المحرمة وغض الطرف عنها وعدم ذكرها أو الإشارة إليها من قريب أو بعيد.. فهذا فكر غير منطقي وغير علمي على الإطلاق.

وهل لمرضى الإيدز حقوق؟

وما هي هذه الحقوق؟

وهل يختلفون عن غيرهم من المرضى حتى نثبت لهم حقوقاً خاصة بهم؟

وما الذي يدفعنا إلى الحديث عن حقوق مرضى الإيدز خصوصاً؟

أسئلة لابد من وضعها في إطارها الصحيح أولاً، ومن ثم الإجابة عنها ثانياً..

والمعروف لدينا جميعاً أن مرض الإيدز مرض قاتل فتاك، يردي من ضحاياه ملايين سنوياً على مستوى العالم، بل أصبح يشكل رعباً حقيقياً لكثير من الدول والمجتمعات، ولم تسلم منه دولة ولا مجتمع من المجتمعات، والأدهى من ذلك أن هذا الوباء الذي أطلق عليه بحق "طاعون العصر"..آخذ في الازدياد سنة بعد سنة.. ولا تلوح في الأفق بوادر واضحة لكبح جماحه والسيطرة عليه، برغم كل الجهود التي تبذل والأموال الطائلة التي تصرف.

ولسنا بصدد الحديث عن وبائية المرض وأسباب انتشاره ووسائل معالجته والقضاء عليه، أو التخفيف من حدته وحماية المجتمعات من شره وغائلته، لكننا هنا بصدد الحديث عن حقوق المصابين به.

أما الذي يدفعنا هنا إلى الحديث عن حقوق مرضى الإيدز بصفة خاصة، فلهذا أسباب منها:

- أن أحد أهم أسباب انتشار المرض ووبائيته هو السلوك الإنساني الخاطئ الذي يتمثل في الشذوذ الجنسي وارتكاب الفواحش، والإباحية الجنسية..

- أن هناك خوفاً وقلقاً لدى بعض من يقومون على رعاية هؤلاء المرضى من انتقال هذا المرض القاتل إليهم مما يجعلهم في وضع نفسي خاص يختلف عن غيرهم، وكان لابد من مراعاة ذلك عند الحديث عن هذا المرض وحقوق المصابين.

- أن هناك وهماً لدى قطاع كبير من الناس حول وسائل انتقال هذا المرض الخطير، أثر سلباً على واقع هؤلاء المرضى وأساليب التعامل معهم ونظرة المجتمع إليهم.

- نظراً لارتباط المرض بالسلوك الإنساني المرتبط بالشذوذ الجنسي والإباحية الجنسية، وارتكاب الفواحش وإدمان المخدرات فإن هناك نفوراً طبيعياً من المصابين بهذا المرض.

- صحيح أن غالبية المصابين بهذا المرض انتقل إليهم عن طريق الممارسة الجنسية، إلا أن بعضهم قد أصيب بالمرض نتيجة لإجراءات طبية مثل نقل الدم ومشتقاته فهم ضحايا دون أن يرتكبوا أياً من المحرمات، كما أن الأطفال هم ضحايا انتقال المرض إليهم من أمهاتهم أثناء الحمل.

أما أن لمرضى الإيدز حقوقاً فأمر لا شك فيه، فالأصل أن كل إنسان له حقوق تتصل بإنسانيته وآدميته لابد من مراعاتها واعتبارها.. وإذا كان مريضاً فله حقوق المرضى التي يوجبها الشرع أولاً، وأنظمة ممارسة المهنة ثانياً.. وقد تتباين هذه الحقوق، أو يؤكد بعضها دون الآخر بحسب الحال، وبحسب الواقع لكن الأصل يبقى أنها حقوق مشتركة.

وأما ما هي حقوق مرضى الإيدز التي نودّ أن نثبتها هنا ونؤكدها فيمكن إجمالها فيما يأتي:

- حق تقديم الرعاية الصحية: إن من حق مرضى الإيدز، مثلهم مثل غيرهم من المرضى، أن نقدم لهم الرعاية الصحية الملائمة، وأن يحصلوا على العلاج الكافي الذي تتطلبه حالتهم الصحية.

- حق المعاملة الحسنة: ومن حقهم أن يعاملوا معاملة حسنة، فلا فظاظة في التعامل، ولا شدة في المؤاخذة، ولا انتقاص من كرامته الإنسانية أو الحط منها، فقط لأنه مصاب بالإيدز.

- حق الشفقة والرحمة: مريض الإيدز من أحق المرضى بالرحمة والشفقة، حتى أولئك الذين أصيبوا نتيجة لسلوكهم الشاذ المحرم وذلك أدعى دون شك إلى عودتهم إلى الصواب وتوبتهم وعدم يأسهم من رحمة الله العزيز الرحيم، ومن يدري فقد يكون الابتلاء تخفيفاً من ذنوبهم، وتكفيراً لسيئاتهم.

- عدم الشماتة: قد يشطح أناس في تعاملهم مع مرضى الإيدز، فيعاملونهم باستعلاء وربما بشماتة على أنهم هم السبب في إصابتهم بالمرض وأنهم هم المفرطون.. أما أخذ العبرة من حالهم فلا شك أنه أمر سائغ.. وأما الشماتة بهم فأمر لا يجوز.. وفي الأثر" لا تظهر الشماتة بأخيك فيعافيه الله ويبتليك" فلنسأل الله العافية.

- عدم عزلهم في الحالات التي لا يكونون فيها خطراً على الآخرين، مع التأكيد على أخذ الحيطة والحذر من المباشرين لعلاجهم على وجه الخصوص، دون أن يكون ذلك سبباً في وصمهم أو عدم التحدث إليهم أو التخفيف من مصابهم.

- حفظ أسرارهم: لمريض الإيدز مثله مثل بقية المرضى، الحق في حفظ سره وعدم التشهير به، أو التحدث عنه بما يكشف عن هويته إلا بالقدر الذي يدفع الضرر عن الآخرين، ومن ذلك التبليغ عن حالته إلى الجهات الصحية المختصة، وما عدا ذلك يعد خرقاً لأخلاقيات المهنة وآدابها.

- في مراحله الأخيرة يعد مرض الإيدز من الأمراض المؤدية إلى الوفاة، وفي هذه المرحلة يتعين على المباشرين لمعالجته مراعاة تلك المرحلة وما يترتب عليها من أحكام شرعية، ويجب أن لا يختلف مريض الإيدز عن غيره بخصوص ذلك.

وأخيراً..

إن تثبيت حقوق مرضى الإيدز والتأكيد عليها لا يعني على الإطلاق كما تود بعض الأفكار أن ترسخ في الناس- لا يعني تسويغ الممارسات المحرمة وغض الطرف عنها وعدم ذكرها أو الإشارة إليها من قريب أو بعيد.. فهذا فكر غير منطقي وغير علمي على الإطلاق.

ولا يمكن القضاء على هذا الداء الوبيل إلا بالعفة والاستقامة ومحاربة الشذوذ والإباحية الجنسية. والله الموفق.


جمال الجار الله