مشهد من صلاة الجماعة، السكينة السكينة
مشهد غريب نراه كثيرًا في صلوات الجماعة، فحينما يدخل رجل المسجد مهرولاً هرولة غير مستحبة ومنافية للوقار في الوقت الذي يكون فيه الإمام راكعًا ليدرك معه الركعة لكي تحسب له، بينما تجد نفس الشخص في موقف آخر يتحرك ببطء شديد جدًا...
مشهد غريب نراه كثيرًا في صلوات الجماعة، فحينما يدخل رجل المسجد مهرولاً هرولة غير مستحبة ومنافية للوقار في الوقت الذي يكون فيه الإمام راكعًا ليدرك معه الركعة لكي تحسب له، بينما تجد نفس الشخص في موقف آخر يتحرك ببطء شديد جدًا وربما يتشاغل بأعمال كثيرة مثل إصلاح ثوبه أو عمامته أو هاتفه أو يرجل شعره أو لحيته حينما يوقن أنه بدخوله في الصف لن تحسب له تلك الركعة، بل يظل أحياناً منتصب القامة منتظرًا للإمام -في سجوده أو تشهده- ريثما ينهي ركعته فيبدأ معه الركعة الجديدة من هيئة الوقوف معتبرًا أنه لا ضرورة لأن يدخل في عمل في الصلاة غير محسوب له فينتظر حتى يبدأ الركعة المحسوبة!
ولا أقول هذا عمن كان ديدنه السرعة أو البطء في كل أحواله، بل أقوله عمن يبخل عن أداء حركات في الصلاة حينما تكون غير محسوبة من عدد الركعات، فهل هذا العمل بهذه الكيفية يعد من حُسن خلق المسلم في تعامله مع ربه سبحانه؟ بل هل هذا المظهر من البخل يليق بأن يصدر من الفقير في تعامله مع الغني الكريم؟ وهل يظن أحدنا أن الله يخفي عليه شيء من أمرنا وهو الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟
إن الله غني عنا وعن عبادتنا جميعًا، فلا تنفعه منا طاعة ولا تضره منا معصية بل من أهل الأرض جميعاً، فيقول سبحانه في الحديث القدسي الذي رواه الإمام مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «
».بل إنه من الثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن العمل كله -مهما بلغ أو كثُر- لن يكون سببًا حتميًا ولا جازمًا بدخول العبد الجنة ونجاته من النار إلا إذا تفضل الكريم سبحانه علينا برحمته، فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « » قَالُوا: "وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟" قَالَ: « ».
إن هذا التصرف لا يليق من فقير ينتظر عطاء غني من أهل الأرض، فكيف بأفقر الفقراء مع أغنى الأغنياء الذي قال سبحانه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ * إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ * وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [فاطر:15]، ولو تصرف الفقير بنفس الكيفية مع غني من أغنياء الدنيا لمقته وغضب عليه فكيف برب الأرض والسماء؟
ولقد تواتر في القرآن الكريم وفي السنة المطهرة أن الجزاء من نفس جنس العمل، فقال سبحانه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [البقرة من الآية:52] و{نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة من الآية:67] و {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [النساء من الآية:142]، وفي السنة الصحيحة: « » و « »، فهل يقبل المسلم أن يعامله ربه بمثل معاملته تلك؟
إن غاية أمنية للمسلم أن يحاسبه الله برحمته لا بعدله، فلو حاسبنا بعدله وبما نستحقه لهلكنا جميعًا، فهل نقدم نحن في عبادتنا لله هذا العطاء البخس المبتور الذي لو عاملنا الله بمثله لما نجا منا أحد؟
إن السنة النبوية المطهرة في هذا الموقف هي التصرف الذي يرضى الله سبحانه، أن يسر المرء في سكينة ويدخل في صلاته في وقت إدراكه للإمام وعلى الكيفية التي يجده عليها دونما انتظار لاحتساب ركعة أو عدمها، فالله غني كريم ولا ينبغي للعبد ان يبخل عند تقديمه عبادته لربه سبحانه، فمن يبخل فانما يبخل على نفسه، وهذا نصحنا به ففيه الهدى والرشاد، فيروي الإمام أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قَالَ: «
».- التصنيف:
- المصدر: