خطر السفر إلى بلاد الكفر
أيها المسلم، إنَّ المؤمنَ يحبّ الإيمان، ويحبّ أهل الإيمان، ويألَف كلَّ مجتمع تعلو فيه كلمةُ الإيمان، فهو لا ينشرح صدره إلاّ إذا سمع صوتَ الأذان، ورأى المصلّين يأمّون المسجد، ورأى الخير وأهلَ الخير، فبذلك ينشرح صدره، وتطيب نفسه؛ لأنه عرَف الإيمانَ على الحقيقة، فأحبَّ أهلَ الإيمان، وأحبَّ بلاد الإيمان، فهو دائمًا مع المؤمنين بقلبه وقالَبه.
الخطبة الأولى:
أمّا بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنَّ المؤمن يتذكَّر دائمًا نعمةَ الله عليه بالإيمان، نعمةَ الله عليه أن هداه للإيمان، وشرح لذلك صدرَه، فجعله يتقبَّل الحقَّ ويعمل به، فيرى تلك نعمةً عليه من ربِّ العالمين، فهو يتذكّر قول الله: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ والْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرشِدُونَ فَضْلاً مّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) [الحجرات: 7، 8] كلّما تذكّر المسلم هذه النعمةَ ازداد شكرًا لله وطاعة لله وثناءً على الله، وهو دائمًا يقول: الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لنهتديَ لولا أن هدانا الله.
أيّها المسلم، وإذا عرف المؤمن قدرَ هذه النعمةِ على الحقيقة دعاه ذلك إلى الاستقامةِ على الهدى، فيسأل الله دائمًا أن يثبِّته على الحقّ وأن لا يزيغَ قلبه بعد إذ هداه، ويسأل ربَّه أن يعينه على الحقّ وأن لا يكلَه إلى نفسه طرفة عين.
أيها المسلم، إنَّ المؤمنَ يحبّ الإيمان، ويحبّ أهل الإيمان، ويألَف كلَّ مجتمع تعلو فيه كلمةُ الإيمان، فهو لا ينشرح صدره إلاّ إذا سمع صوتَ الأذان، ورأى المصلّين يأمّون المسجد، ورأى الخير وأهلَ الخير، فبذلك ينشرح صدره، وتطيب نفسه؛ لأنه عرَف الإيمانَ على الحقيقة، فأحبَّ أهلَ الإيمان، وأحبَّ بلاد الإيمان، فهو دائمًا مع المؤمنين بقلبه وقالَبه.
أيّها المسلم، إنّ المؤمن يزداد إيمانه كلّما رأى أولئك المنحرفين عن منهجِ الله المستقيم، والذين حُرِموا لذّةَ الإيمان وحلاوتَه، فهو يزداد إيمانًا، ويحمد الله على هذه النعمة، ويقول: الحمد لله الذي فضّلني على كثير ممن خلق تفضيلا.
أيّها المسلم، وصيَّتي لك تقوى الله -جل وعلا- قبلَ كلّ شيء، والاستقامة على هذا المنهج القويم، والثبات عليه، وأن تسألَ ربَّك أن يثبِّتك على الإسلام، وأن لا يزيغَ قلبك بعد إذ هداك.
وأوصيك -أخي المسلم- بالبُعد عن دُعاة السوء ومجالسِ الشرّ والفساد وأماكن الانحراف عن الهدى.
أخي المسلم، وصيّتي لك وهذه الأيامُ أيامُ الإجازة الدراسيّة وأيامٌ يعتاد فيها الكثير أخذَ إجازاتٍ وراحة واستجمام كما يزعمون، والانطلاق إلى هنا وهناك من أرضِ الله الواسعة ليقضيَ فيها بعضُ المسلمين شهورًا أو أيامًا في تلكم البلاد وفي تلكم المجتمعات التي يغلب على الكثيرِ منها البعدُ عن منهج الله وطريقه المستقيم.
فيا أخي المسلم، إنّ إيمانك أغلى عندَك من كلّ شيء، فاحذر -أخي المسلم- أن تدنِّس هذا الإيمان بالأخلاق الرذيلة التي تضعِف جانبَ الإيمان من قلبك، ولربما استمرأت على الفسادِ حتى تنقلب الأمور في نظرك، فترى الحقَّ باطلاً والباطلَ حقًا، والمعروف منكرًا والمنكَر معروفًا.
أخي المسلم، وصيّتي لك تقوى الله والاستقامة على الهدى، وإن قُدّر أنّك ذهبتَ إلى أيّ مكانٍ فاعلم أن المسلمَ حقًّا ثابت على إيمانه، متغلّب على كلِّ المغريات وعلى كلّ نزغات الشرّ والفساد. هو وإن سافرَ وذهب في أيّ أرض من أرض الله، لكنّه مستقيم على إيمانه، محافظٌ على الصلوات في أوقاتها، محافظ على عرضه، محافظ على كرامته، محافظٌ على شرَفه، ثابت على إسلامه، لا ينخدِع ولا يغترُّ ولا ينساق أمام الشهواتِ والمغريات والدعايات المضلِّلة.
أخي المسلم، إنّ مجتمعاتِ العالم يغلِب على كثير منها البُعد عن الهدى، البُعد عن منهج الله المستقيم، فاحذَر -أخي المسلم- أن تنحرف عن دينك، وأن تغترَّ بتلك المجتمعاتِ الباطلة، وأن تنساقَ أمام الشهواتِ المغرِية وأمام ذلك الإعلام الضارّ الذي يجسِّد الجريمةَ ويدعو إليها ويحبِّبها.
أخي المسلم، دينُك أمانة في عنُقك، فاحذَر أن تبيعَه برُخص، بشهوةٍ وبضلالة وبإصغاءٍ لتلكمُ المجتمعات بأخلاقِها الرّذيلة وأعمالها الهابِطة.
أخي المسلم، مجتمعاتٌ يعلَن فيها الفسوق والعِصيان، ويعلَن فيها البُعد عن الهدى، ويعلَن فيها كلّ جريمة وكلّ منكر، بل كلُّ ما يخالف الحقّ. فيا أخي المسلم، اتّق الله في إسلامك، اتَّق الله في إيمانك، اتَّق الله في بناتك وأبنائك، اتَّق الله في أهلك، اتَّق الله فيمن ولاّك الله رعايتَه، اتَّق الله وأنفِق المال فيما شرَع الله، واحذَر أن تنفقَ الأموال في الباطل، فيذهب إيمانك، ويذهب مالك، وتلقى الله بالسيِّئات والتبعات.
يا أخي المسلم، إنّك تريد السياحةَ وتريد الفرجة، وتريد أن تنقلَ نفسَك من مكانٍ إلى مكان، استمتاعًا بمناظرَ خلاّبة واستمتاعًا برؤية ما قد تكون لم تره. ولكن يا أخي، لا يكن ذلك على حسابِ الإيمان، لا يكن ذلك على حسابِ الأخلاق الكريمة، فاتَّق الله في إيمانك، اتَّق الله في إسلامك، شرَّفك الله بالإسلام، وهداك للإسلام، ومنَّ عليك بالإسلام، أفتذهبُ تلك النعمةُ منك لأجل شهوةٍ غالبة ولأجل ولأجل؟! اتَّق الله في إسلامك، واتَّق الله في إيمانك.
إنّ المؤمنَ في أيّ أرضٍ من أرض الله كان فهو متمسّك بإسلامه، ثابتٌ على إيمانه، لا ينخدع ولا ينهزم، شخصيّة فذّة ثابتة قويّة بإعانة الله وتوفيقه (لاَ يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُواْ فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ) [آل عمران: 196، 197].
احذر أن تكونَ ممن قال الله فيهم: (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ) [محمد: 12].
أيتها المرأة المسلمة، اتّقي الله في إسلامك، اتَّقي الله في أخلاق الإسلام، فكما تكونين في بلاد الإسلام متحجِّبة بعيدةً عن كلّ مظهر سيّئ فاحذري أن تكوني في غير بلادِ الإسلام سافرةً بعيدة عن أخلاق الإسلام، هذا أمرٌ غير لائق بك وأنت امرأة مسلمة تؤمنين بالله واليوم الآخر.
فيا إخوتي المسلمين، اتَّقوا الله في إسلامكم، فإنّ الله شرّفكم بهذا الدين، وتفضّل به عليكم، فاحمدوا الله على هذه النّعمة، وتذكّروا قومًا ضلّوا عن سواء السبيل، وحُرِموا هذه النعمة، فهم في جهالةٍ وضلالة وغِواية (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مّن رَّبّهِ فَوَيْلٌ لّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ مّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) [الزمر: 22].
تمسّكوا بالإسلام، وتخلّقوا بأخلاقه في أيّ أرضٍ كنتم، وليكُن الإسلام ظاهرًا عليكم في سلوككم وفي تعاملكم. ألا تعلمون أنّ أمّة الإسلام دعَوا إلى الإسلام بكلّ وسيلة، كم بلادٍ ما عرفت الإسلام إلا بواسطة المسلمين أهل التجارة والبيع والشراء، جابوا البلادَ لمنفعتهم الدنيويّة، ولكنهم لم ينسَوا نصيبهم من الدعوة إلى الله، فكم من مجتمعاتٍ أنقذوها من ضلالاتها وبصّروها من عماها، أولئك الذين فهِموا الإسلام على الحقيقة.
فيا أيّها الشاب المسلم، احذر أن تكونَ شماتة للأعداء، الهويّةُ هويّةٌ مسلمة، والأعمال أعمالٌ مخالِفة، والأعمال والسلوك بعيدةٌ عن الإسلام كلَّ البعد.
فيا أبناءَ المسلمين، يا شبابَ الإسلام، كونوا دعاةً إلى الله بالأقوالِ والأعمال، بالسّلوك، بالأخلاق الكريمة، لينتفعَ بكم غيركم، ويتبصّر بكم سواكم، أمّا أن تذهبوا مسلمين، وتنغمسوا في الباطل، وترجعوا وقد تحمّلتم الأوزارَ والآثام، وأسأتم إلى أنفسكم وأسأتم إلى إسلامكم، فهذا أمرٌ غير لائق بكم.
فلنتّقِ الله في أنفسِنا وفي ديننا، أسأل الله لي ولكم الثباتَ على الحقِّ والاستقامةَ عليه، إنه على كلّ شيء قدير.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) [الأنفال: 53] (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ) [الرعد: 11].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإيّاكم بما فيه من الآياتِ والذّكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيمَ الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدًا كثيرًا طيّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدًا عبده ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلّم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.
أمّا بعد: أيّها الناس، اتقوا الله تعالى حقَّ التقوى.
عبادَ الله، إنّ المسلمَ لا تطيب نفسُه ولا تقرّ عينه ولا ينشرِح صدره إلا بهذا الدين، وبتطبيق أوامره والبعد عن نواهيه، وبالألفَة مع المسلمين، فالمسلمُ داعٍ إلى الله بقولِه وعمله، يراه الآخرون في صِدقه وتعامُله الحسن فيقتدون به، يرونه متمسِّكًا بإسلامه ثابتًا على إيمانه فيرونَ ذلك قدوةً حسنة وأسوَة صالحة، فلربما اقتدَوا به وتأثّروا بدعوته وقبلوا منه، أما شابٌّ مؤمن يحمل هويّة إسلاميةً وإذا ذهب لبلاد غير المسلمين انحرَف عن دين الله وابتعَد عن إسلامه، بل بعضهم يعدُّ الانتسابَ للإسلام خجلاً عليه والعياذ بالله، فهو يخجَل أن يقول: إني مسلم، ويخجل أن يقول: هذا حلالٌ وهذا حرام، تِلكم الانهزاميّة التي هي بلاء، فشخصيّة المسلم شخصية متميّزة بتمسّكه بدينه وثباته عليه.
أسأل الله لي ولكم الهدى والتّقى، وأن يحفظَ الجميع بالإسلام، ويثبّتنا عليه، وأن لا يزيغَ قلوبنا بعد إذ هدانا، ربّنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتَنا، وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
واعلموا -رحمكم الله- أنَّ أحسنَ الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمّد، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإنّ يد الله على الجماعة، ومن شذّ شذّ في النار.
وصلّوا -رحمكم الله- على محمّد كما أمركم بذلك ربكم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيّ يا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُواْ صَلُّواْ عَلَيْهِ وَسَلّمُواْ تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].
اللهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين.
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
المفتي العام للمملكة العربية السعودية
- التصنيف:
- المصدر: