جراحة التجميل بين التشريع الإسلامي والواقع المعاصر

منذ 2015-01-20

وهي عمليات جراحية صغيرة أو كبيرة يراد منها إما علاج عيوب خَلْقية تتسبب في إيذاء صاحبها بدنياً أو نفسياً، وإما تحسين شيء من الخلقة بحثاً عن جوانب من الجمال أكثر من الموجود أو بدلاً عن المفقود.

انتشرت جراحة التجميل في كل دول العالم خلال السنوات العشر الماضية..

وهي عمليات جراحية صغيرة أو كبيرة يراد منها إما علاج عيوب خَلْقية تتسبب في إيذاء صاحبها بدنياً أو نفسياً، وإما تحسين شيء من الخلقة بحثاً عن جوانب من الجمال أكثر من الموجود أو بدلاً عن المفقود.

وقد كثر هذا اللون من ألوان التجميل في أيامنا هذه، وفي واقعنا الذي نعيشه، وتخصص له أناس، قصروا أنفسهم عليه، ووفروا وقتهم للتفنن فيه كما أصبح له أقسام في كثير من كليات ومعاهد الطب، وعيادات لكبار الجراحين للاهتمام به تدريباً ومزاولة.

كما أن أجهزة الإعلام في كثير من الدول تلهب النساء بسياط التشجيع والترغيب في هذا اللون من التجمل بنوعيه، وإذا كان الواقع الإنساني المعاصر يتقبل بصدر مفتوح كل ما يثير فيه الغرائز، وينمّي لديه الشهوات، فإن التشريع الإسلامي يختلف عن ذلك كلية.

وكتاب (جراحة التجميل بين التشريع الإسلامي والواقع المعاصر) يعالج هذه القضية، ويطرح وجهة نظر الدين الإسلامي..

من خلال آيات القرآن الكريم، وأحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسيرة السلف الصالح (رضوان الله عليهم).

وبرغم أن الكتاب من الحجم الصغير، ولا تزيد صفحاته عن 48 صفحة إلا أن مؤلفه الدكتور عبد الحي الفرماوي الأستاذ بجامعة الأزهر وفَّى الموضوع حقه من البحث والدراسة.

يقول الدكتور الفرماوي: يفرق الإسلام بين عمليات التجميل، ويفارق بين موقفه منها حسب التفريق إلى قسمين:  الأول: الجراحات التجميلية التي تعالج عيباً في الإنسان - امرأة كانت أو رجلاً - يتسبب في إيذائه نفسياً أو بدنياً، ويصاحبه كذلك إن لم يعالَج ألم شديد، لا يستطيع صاحبه تحمله، كما قد يتسبب في إعاقته عن أداء وظيفته، أو كمال قيامه بها.

ولأن التشريع الإسلامي لا يهدف إلى تعذيب الناس أو حرمانهم مما يحقق لهم فائدة، تمكّنهم من النجاح في حياتهم، وتعينهم على تحقيق إنسانيتهم دونما إطلاق لعِنَان فوضى الغرائز، ودونما إماتة لفطرة الأنوثة التي خلقها المشرع - سبحانه - في المرأة - فقد أباح هذا النوع من عمليات التجميل.

الثاني: الجراحات التجميلية التي لا تعالج عيباً في المرأة، يؤلمها ويؤذيها، بل يكون الدافع لذلك مجرد " جاذبية الرجال "، وهذا النوع: يحرم الإسلام منه القليل والبسيط، ويحرم من باب الأوْلى: الكثير منه والمعقد.

ويدلل الدكتور الفرماوي على ذلك بما رواه مسلم في صحيحه عن عبد الله بن مسعود أنه قال: » لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحسن..

المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن مَن لعن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو في كتاب الله! فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه قال الله - تعالى -: (ومَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ ومَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا) [الحشر: 7]، فقالت المرأة: فإني أرى شيئاً من هذا على امرأتك الآن، قال: اذهبي فانظري.

قال - أي الراوي -: فدخلت على امرأة عبد الله، فلم تَرَ شيئاً، فجاءت إليه، فقالت: ما رأيت شيئاً، فقال: أَمَا لو كان ذلك لم نجامعها «.

التحدي:  ويعلق الدكتور عبد الحي الفرماوي على الحديث السابق ويقول: فهذا عبد الله بن مسعود، الصحابي الجليل المتوفى سنة 32 هجرية (653 ميلادية) تتحداه أم يعقوب في بيته - كما رأينا - حتى تتأكد من براءته من الوقوع فيما حكم بحرمته، ونهى عنه.

وقد أخرج الطبراني هذا الحديث وزاد في آخره - كما يقول ابن حجر في فتح الباري - فقال عبد الله: ما حفظت وصية شعيب إذاً، يعني قوله - تعالى - حكاية عن شعيب - عليه السلام - (ومَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إلَى مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ) [هود: 88].

ويقول الدكتور الفرماوي:  إن الإمام الطبري قال: لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقتها التي خلقها الله عليها، بزيادة أو نقص، التماساً للحسن، لا للزوج ولا لغيره، كمن تكون مقرونة الحاجبين فتزيل ما بينهما، توهم البلج (حسن الطلعة) ومن تكون: لها سن زائدة فتقلعها، أو طويلة فتقطع منها، أو لحية، أو شارب أو عنفقة [1]، فتزيلها بالنتف، ومن يكون شعرها قصيراً أو حقيراً فتطوله أو تغرزه بشعر غيرها، فكل ذلك داخل في النهي، وهو من تغيير خلق الله.

ثم يقول: (ويستثنى من ذلك: ما يحصل به الضرر والأذية، كمن تكون لها سن زائدة أو طويلة، تعوقها في الأكل، أو إصبع زائدة تؤذيها وتؤلمها فيجوز ذلك).

ويشير المؤلف إلى ما يلي:  يرى الإمام النووي المتوفى سنة 676 هجرية (1277م) أنه إذا نبت للمرأة لحية أو شارب أو عنفقة، فلا يحرم إزالتها، بل يستحب.

يعقب ابن حجر المتوفى سنة 852 هجرية (1448م) على ما يراه النووي بقوله: وإطلاقه مقيد بإذن الزوج، وعلمه، وإلا فمتى خلا عن ذلك مُنع للتدليس ويقول في موضع آخر من فتح الباري: المذمومة من فعلت ذلك -أي عمليات التجميل - لأجل الحسن، فلو احتاجت إلى ذلك لمداواة مثلاً جاز..

يقول بعض الحنابلة: يجوز للمرأة الحف والتحمير، والنقش، والتطريف إذا كان بإذن الزوج لأنه من الزينة.

لماذا..

لماذا؟:  قد يعترض البعض من الناس ويتساءلون: لماذا كان موقف التشريع الإسلامي على نحو ما سبق ذكره؟ ولِمَ لا يترك للناس الحرية في مثل هذه الأمور الشخصية؟.

ويرد المؤلف على هؤلاء قائلاً: ونحن نخاف عليهم ونرجو لهم الخير، قال الإمام الخطابي: إنما ورد الوعيد الشديد في هذه الأشياء لما فيها من الغش والخداع، ولو رُخص في شيء منها لكان وسيلة إلى استجازة غيرها من أنواع الغش، ولما فيها من تغيير الخلقة.

كما يضاف إلى ذلك: أن فتح الباب للنساء - في هذه المبالغات - يؤدي إلى ارتمائهن في أحضان الغرائز الشهوانية والبعد تدريجياً عن رسالتهن الإنسانية، التي خُلقن لأجلها، والانغماس في فضول الأعمال التي هي إلهاء عن الواجب الأساسي وهو عبادة الله - تعالى - بل عن الإيمان نفسه وبالضرورة: عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

وهنا يفقد الإنسان (خيريته) التي خصه الله - تعالى - بها - والتي تؤهله لقيادة هذا العالم الذي يتخبط ويقاسي من الحروب ويحاط بالرعب، والذي هو في أمس الحاجة إلى قيادة حكيمة، عاقلة، راشدة.

ولن تكون هذه القيادة للعالم إلا بتوجيه ممن خلق هذا العالم نفسه أو بإرشاد منه، وبالتزام لمنهجه، وتعاليمه ولا يتوافر كل ذلك أو بعض ذلك إلا في أمة محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

ويمضي الدكتور الفرماوي قائلاً: أنه لو عمَّت هذه العمليات لكان الاعتراض الدائم على ما خلق الله - سبحانه وتعالى - والانشغال بتغييره عن الوظائف الحقيقية، والمهام الأساسية التي نيطت بالإنسان في هذا الكون، ولصرفت المرأة بها عن الرغبة في الإنجاب، ولو أنجبت لصرفت عن التنشئة والتربية، حتى لا يحرمها هذا الإنجاب من الجمال أو تصرفها التنشئة وتشغلها عنه.

ولهذا فقد حرم الإسلام هذا النوع من عمليات التجميل، وليس التشريع الإسلامي في هذا متجنياً على المرأة، أو مانعاً لها من شيء فيه مصلحتها وإنما ينبه المرأة دائماً إلى أن الجمال الحقيقي في الخُلُق، لا في الخلقة، وأن الجمال الدائم هو جمال الروح والأفعال والأقوال لا في الأشكال والهيئات، وأن الذي ينبغي الحرص عليه: هو ما به يتحقق للمرأة إنسانيتها وكرامتها وحسن سيرتها، وهو جمال الخلق والطباع، وأن الجري وراء هذه المحاولات المستمرة للبحث عن الجمال الشكلي الزائف لن يكسب الإنسان - امرأة كانت أو رجلاً - شيئاً يستحق الذكر، بل لم يكسبه في عصوره الغابرة سوى الانطلاق في طريق الشهوات والغرائز، الذي يشيع الفاحشة في المجتمع ثم ينتهي به إلى الانحلال والدمار والهلاك.

ويشير الكتاب في النهاية إلى أنه ما انتشرت هذه الأشياء في قوم وألفها الناس، وأحبوها إلا كانت دليلاً على انشغالهم بالوسائل دون الغايات، وعلامة بارزة على شيوع الفواحش والموبقات، ونذيراً إلى اضمحلال حضارتهم، وطريقاً سريعاً إلى هلاكهم ودمارهم، والتاريخ القديم والحديث يؤكد ذلك:  فقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه البخاري ومسلم وأصحاب السنن لأصحابه ونساء أمته: » إنما هلك بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم «، وهو نفس ما حدث للإمبراطورية الرومانية وللإمبراطورية الفارسية ولكثير من الحضارات الغابرة.

ويذكر المؤلف: أن فرنسا لم تهزم قريباً إلا لانشغال رجالها ونسائها بالشهوات حين دخلتها جيوش الاحتلال! ولأن الإسلام لا يحب للفرد المسلم الضياع، فقد حرم عليه أن ينغمس في الشهوات، أو ينشغل بما يهيج غرائزه، حتى لا تتغلب شهواته على عقله، وينفصل في واقعه الذي يعيشه عن التشريع الذي يحفظ عليه آدميته ويعلي من إنسانيته.

(1) العُنفقة:الشعر النابت على ظاهر الشَّفَة السفلى.


محمد وهدان