عالم الجن

منذ 2015-02-13

لقد دلت نصوص الكتاب والسنة على وجود الجن وأن لإيجادهم غاية في هذه الحياة وهي عبادة الله وحده لا شريك له وعالم الجن عالم مستقل بذاته ، له طبعه الذي يتميز به وصفاته التي تخفى على عالم البشر.

السؤال: قرأت في القرآن الكريم عن ما هم الجن، ولكني لا أدري ما هم في الحقيقة. أرجو تزويدي بمزيد من المعلومات عنهم إن أمكن. والسلام عليكم.

الجواب: لقد دلَّت نصوص الكتاب والسنة على وجود الجن وأن لإيجادهم غاية في هذه الحياة وهي عبادة الله وحده لا شريك له قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56] وقال تعالى: {يَا مَعْشَرَ‌ الْجِنِّ وَالْإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُ‌سُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي} [الأنعام:130] وعالم الجن عالم مستقل بذاته، له طبعه الذي يتميز به وصفاته التي تخفى على عالم البشر. وبينهم وبين الإنسان قدر مشترك من حيث الاتصاف بالعقل والإدراك ومن حيث القدرة على اختيار طريق الخير والشر. وسُمُّوا جِنَّاً لاجتنانهم أي استتارهم عن العيون قال تعالى: {إِنَّهُ يَرَ‌اكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَ‌وْنَهُمْ} [الأعراف:27].

أصل الجن
أخبرنا الله في كتابه الكريم عن أصل خلق الجن فقال تعالى: {وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِن قَبْلُ مِن نَّارِ‌ السَّمُومِ} [الحجر:27] وقال تعالى: {وَخَلَقَ الْجَانَّ مِن مَّارِ‌جٍ مِّن نَّارٍ‌} [الرحمن:15] وفي الحديث عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «خُلِقَت الملائكةُ من نورٍ. وخُلِقَ الجانُّ من مارجٍ من نارٍ. وخُلِقَ آدمُ مما وُصِف لكم» (رواه مسلم: [2996]).

أصناف الجن
خلق الله الجن على أصناف مختلفة. فمن الجن من يتحول إلى أشكال مختلفة كالكلاب والحيات ومنهم الريح الطيارة ذوو الأجنحة ومنهم من يَحِلُّ ويضعن. عن أبي ثعلبة الخشني قال: قال رسول الله: «الجِنُّ ثلاثةُ أصنافٍ فصنفٌ لهم أجنحةٌ يطيرون بها في الهواءِ، وصِنفٌ حيَّاتٌ وكلابٌ، وصِنفٌ يحِلُّون و يظْعَنون» (رواه الطحاوي في مشكل الآثار: [4/95]، ورواه الطبراني في الكبير: [22/214]، وقال الشيخ الألباني في المشكاة: [2/1206] رقم [4148]: ورواه الطحاوي وأبو الشيخ بسند صحيح).

الجن وابن آدم
كل فرد من بني آدم قد وكل به قرينه من الجن . عن ابن مسعود أنه قال : قال رسول الله: «ما منكُم من أحدٍ إلَّا وقد وُكِّلَ بهِ قرينُهُ منَ الجنِّ». قالوا: "وإيَّاكَ يا رسولَ اللَّهِ؟" قال: «وإيَّايَ إلَّا أنَّ اللَّهَ أعانَني علَيهِ فأسلَمَ فلا يأمرُني إلَّا بخيرٍ». (رواه مسلم: [2814])، قال النووي في شرحه لمسلم (17/175): فأسلم : صار مسلماً مؤمناً وهذا هو الظاهر، قال القاضي: "واعلم أن الأمة مجتمعة على عصمة النبي من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه". وفي هذا الحديث إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه فأعلمنا بأنه معنا لنحترز منه بحسب الإمكان اهـ.

قدراتهم
أعطى الله الجن قدرة لم يعطها للبشر، وقد حدثنا الله عن بعض قدراتهم فمن ذلك سرعة الحركة والانتقال فقد تعهد عفريت من الجن لنبي الله سليمان بإحضار عرش ملكة اليمن إلى بيت المقدس في مدة لا تتجاوز قيام الرجل من جلوس قال تعالى: {قَالَ عِفْرِ‌يتٌ مِّنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن تَقُومَ مِن مَّقَامِكَ ۖ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ . قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْ‌تَدَّ إِلَيْكَ طَرْ‌فُكَ ۚ فَلَمَّا رَ‌آهُ مُسْتَقِرًّ‌ا عِندَهُ قَالَ هَـٰذَا مِن فَضْلِ رَ‌بِّي} [النمل:39-40].

طعام الجن وشرابهم
الجن يأكلون ويشربون: عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «.. أتاني داعي الجنِّ . فذهبتُ معه . فقرأت عليهم القرآنَ قال فانطلق بنا فأرانا آثارَهم وآثار نيرانهم . وسألوه الزادَ . فقال لكم كل عظمٍ ذكر اسمُ اللهِ عليه يقع في أيديكم، أوفر ما يكون لحمًا . وكلُّ بعرةٍ علفٌ لدوابِّكم» فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ «فلا تستنجوا بهما فإنهما طعامُ إخوانِكم» (رواه مسلم: [450]) . وفي رواية: «أتاني وَفْدُ جِنِّ نَصيبينَ، ونِعْمَ الجِنُّ، فسَألوني الزَّادَ، فدَعَوْتُ اللَّهَ لهم أن لا يَمُرُّوا بعظمٍ، ولا برَوْثَةٍ إلا وجَدوا عليها طعامًا» (رواه البخاري: [3860])، فالمؤمنون من الجن لهم كل عَظمٍ ذكر اسم الله عليه لأن الرسول لم يُبِح لهم متروك التسمية ، وأما متروك التسمية فإنه لكفرة الجن.

دواب الجن
في حديث ابن مسعود السابق أن الجن سألوا الرسول الزاد فقال : «.. وكلُّ بعرةٍ علفٌ لدوابِّكم».

مساكن الجن
الجن يسكنون هذه الأرض التي نعيش فوقها ويكثر تواجدهم في الخراب ومواقع النجاسات كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر، ولهذا جاء الهدي النبوي باتخاذ الأسباب عند الدخول على مثل هذه الأماكن وذلك بالأذكار المشروعة ومن ذلك ما جاء عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء قال: «اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث». (رواه البخاري: [142]، ومسلم: [375]) ، قال الخطابي: الخُبُث جماعة الخبيث. والخبائث جمع الخبيثة يريد ذكران الشياطين وإناثهم .

الجنّ منهم المؤمن ومنهم الكافر
قال الله عزّ وجل عن الجنّ: {وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا . وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجنّ:14-15] ، بل المسلمون منهم يتفاوتون في الصلاح والطاعة، قال تعالى في السورة نفسها: {وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا} [الجنّ:11].

وقصة إسلام أوائل الجن في هذه الأمة قد جاءت عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: "انْطَلَقَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي طَائِفَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَقَدْ حِيلَ بَيْنَ الشَّيَاطِينِ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْهِمْ الشُّهُبُ فَرَجَعَتْ الشَّيَاطِينُ إِلَى قَوْمِهِمْ فَقَالُوا: مَا لَكُمْ فَقَالُوا حِيلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ وَأُرْسِلَتْ عَلَيْنَا الشُّهُبُ قَالُوا: مَا حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ إِلا شَيْءٌ حَدَثَ فَاضْرِبُوا مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا فَانْظُرُوا مَا هَذَا الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ. فَانْصَرَفَ أُولَئِكَ الَّذِينَ تَوَجَّهُوا نَحْوَ تِهَامَةَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ بِنَخْلَةَ عَامِدِينَ إِلَى سُوقِ عُكَاظٍ وَهُوَ يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ صَلاةَ الْفَجْرِ فَلَمَّا سَمِعُوا الْقُرْآنَ اسْتَمَعُوا لَهُ فَقَالُوا هَذَا وَاللَّهِ الَّذِي حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ خَبَرِ السَّمَاءِ فَهُنَالِكَ حِينَ رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ وَقَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنْ الْجِنِّ وَإِنَّمَا أُوحِيَ إِلَيْهِ قَوْلُ الْجِنِّ". (رواه البخاري: [773])

حسابهم يوم القيامة
والجن سيحاسبون يوم القيامة، قال مجاهد رحمه الله في قوله تعالى: {وَلَقَدْ عَلِمَتْ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ} [الصافات: 158] قال: سَتُحْضَرُ لِلْحِسَابِ. صحيح البخاري: باب ذكر الجن وثوابهم وعقابهم.

الوقاية من أذى الجن
لمَّا كان الجن يروننا ولا نراهم علّمنا النبي صلى الله عليه وسلم سبلاً كثيرة للوقاية من أذاهم مثل الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم ومثل قراءة سورة الفلق وسورة الناس.
ومثل الاستعاذة الواردة في قوله تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ . وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [سورة المؤمنون:97-98].

وكذلك فإن التسمية وهي قول بسم الله قبل دخول البيت وقبل الطعام والشراب وقبل الجماع يمنع الشيطان من المبيت ومشاركة الإنسان في مطعمه ومشربه ومنكحه، وكذلك ذكر اسم الله قبل دخول الخلاء وقبل خلع اللباس يمنع الجنّ من رؤية عورة الإنسان ومن إيذائه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : «سَتْرُ مَا بَيْنَ أَعْيُنِ الْجِنِّ وَعَوْرَاتِ بَنِي آدَمَ إِذَا دَخَلَ أَحَدُهُمْ الْخَلاءَ أَنْ يَقُولَ بِسْمِ اللَّهِ» (رواه الترمذي: [551]، وهو في صحيح الجامع: [3611]).

وقوة الإيمان والدّين عموماً لدى الإنسي تمنع الجنّ من إيذائه بل ربما لو تقابلا في معركة لانتصر صاحب الإيمان كما روى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه قال : " لَقِيَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ مُحَمَّدٍ رَجُلاً مِنْ الْجِنِّ فَصَارَعَهُ فَصَرَعَهُ الإِنْسِيُّ فَقَالَ لَهُ الإِنْسِيُّ إِنِّي لأَرَاكَ ضَئِيلاً شَخِيتًا كَأَنَّ ذُرَيِّعَتَيْكَ ذُرَيِّعَتَا كَلْبٍ فَكَذَلِكَ أَنْتُمْ مَعْشَرَ الْجِنِّ أَمْ أَنْتَ مِنْ بَيْنِهِمْ كَذَلِكَ قَالَ لا وَاللَّهِ إِنِّي مِنْهُمْ لَضَلِيعٌ وَلَكِنْ عَاوِدْنِي الثَّانِيَةَ فَإِنْ صَرَعْتَنِي عَلَّمْتُكَ شَيْئًا يَنْفَعُكَ قَالَ نَعَمْ قَالَ تَقْرَأُ : {اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ..} (وهي آية الكرسي)، قَالَ: نَعَمْ قَالَ فَإِنَّكَ لا تَقْرَؤُهَا فِي بَيْتٍ إِلا خَرَجَ مِنْهُ الشَّيْطَانُ لَهُ خَبَجٌ كَخَبَجِ الْحِمَارِ ثُمَّ لا يَدْخُلُهُ حَتَّى يُصْبِحَ". قَالَ أَبُو مُحَمَّد الضَّئِيلُ الدَّقِيقُ وَالشَّخِيتُ الْمَهْزُولُ وَالضَّلِيعُ جَيِّدُ
الأَضْلاعِ وَالْخَبَجُ الرِّيحُ  (رواه الدارمي: [3247]).

هذه نبذة عن الجنّ وخلقتهم وطبيعتهم والله خير حافظاً وهو أرحم الراحمين.

للمزيد يُراجع كتاب عالم الجن والشياطين: عمر سليمان الأشقر.

والله تعالى أعلى وأعلم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.