إحياء - (173) سُنَّة عيادة المريض

منذ 2015-02-05

يكون المريض في حالة من حالات الضعف البدني والنفسي، فيحتاج إلى مواساة ودعم؛ لهذا كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزور المرضى وأمر بذلك وعظَّم أجره..

يكون المريض -بصرف النظر عن نوع المرض- في حالة من حالات الضعف البدني والنفسي، وهذه حالة تحتاج إلى مواساة وتثبيت، وقد ينقطع المريض عن عمله أو عن الخروج من بيته بشكل عامٍّ فيحتاج -هو أو أهله- إلى صورة من صور الدعم وقضاء الحاجات، كما يحتاج إلى دعوة صالحة من محبٍّ له قد يرفع الله عز وجل بها عنه البلاء، وكلُّ هذا يتحقَّق إذا زاره الأصدقاء والمعارف والزملاء، وكلما زاد عدد المهتمِّين بالزيارة كان هذا دلالة على زيادة الاهتمام بالمريض والانشغال عليه..

لهذا كله كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يزور المرضى في بيوتهم، وأمر المسلمين بذلك بشكل مباشر، فقال -فيما رواه البخاري عَنْ أَبِي مُوسَى رضي الله عنه-: «فُكُّوا العَانِيَ، وَأَجِيبُوا الدَّاعِيَ، وَعُودُوا المَرِيضَ».

بل جعل ذلك حقًّا للمريض، وليس تفضُّلاً من الزائر؛ فقد روى البخاري عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: «حَقُّ المُسْلِمِ عَلَى المُسْلِمِ خَمْسٌ...». وذكر منها: «وَعِيَادَةُ المَرِيضِ».

وعظَّم جدًّا من أجر الزيارة فجعل مدَّة الزيارة كلها وكأنها فترة قضاها الزائر في الجنة!
ففي رواية مسلم عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: «مَنْ عَادَ مَرِيضًا لَمْ يَزَلْ فِي خُرْفَةِ الْجَنَّةِ». قِيلَ: "يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَمَا خُرْفَةُ الْجَنَّةِ؟ قَالَ: «جَنَاهَا»".

بل أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربِّ العزَّة أن زيارة المريض وكأنها تعني زيارة لله سبحانه!
فقد روى مسلم عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي. قَالَ: يَا رَبِّ؛ كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلاَنًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟».

فهذه سُنَّة نبوية هائلة الأجر؛ لأن الله رحيم، ويحبُّ الرحماء من عباده، فلا نُضَيِّع هذه الفرصة إذا واتتنا، ولن نُعْدَم مريضًا في معارفنا وأرحامنا، خاصَّة كبار السنِّ من الأعمام والعمَّات، والأخوال والخالات، والجيران والأصدقاء؛ بل إن هذا حقٌّ للمرضى البسطاء الذين لا نعرفهم في المستشفيات العامَّة، الذين هم في أشدِّ الحاجة إلى زائر يُخَفِّف شيئًا من معاناتهم النفسية والمادية.

ولا تنسوا شعارنا قول الله تعالى: {وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا} [النور:54].
 

راغب السرجاني

أستاذ جراحة المسالك البولية بكلية طب القصر العيني بمصر.

المقال السابق
(172) سُنَّة صلاة الليل قاعدًا
المقال التالي
(174) سُنَّة سؤال الله المعافاة في البدن والسمع والبصر