الثقافة الثالثة
مختارات من كتاب الثقافة الثالثة - أوراق في التجربة اليابانية وموقف المتفرج العربي منها لمؤلفه الأستاذ شاكر النابلسي.
في عام 1408 هـ (1988م) صدرت الطبعة الأولى من كتابٍ لطيف الحجم؛ عنوانه: الثقافة الثالثة - أوراق في التجربة اليابانية وموقف المتفرج العربي منها لمؤلفه الأستاذ شاكر النابلسي.
اشتريت الكتاب لاهتمامي بموضوعه، وأعجبني قول المؤلف: "وموقف المتفرّج العربي منها" لأن فيه تفاؤلًا أرجو أن يكون صحيحًا، وأن يتحول المتفرج إلى صانعٍ مشارك. أما أنا فقد كنت، ولا أزال، أرى أن العربي لم يصل إلى مرحلة المتفرّج: فهو إما نائم، أو لاهٍ، أو غافل، أو جاهل، أو منصرفٌ إلى أشياء أخرى، أو معصوب العينين حتى لا يتفرّج... إلخ ولا أُعمِّم بل هذا غالب ظني، بحسب اطلاعي، والله تعالى أعلم.
قال المؤلف في المقدمة (وأسمح لنفسي بشيء من التصرف الأمين ليناسب المقام):
ثروة الشعب الياباني الوحيدة هي الإنسان، ولا شيء غير الإنسان. فقد كانت اليابان تستورد كل شيء من الخارج، حتى ملح الطعام استوردته في بعض سنوات من اليمن!.
سأل المؤلف مرافقه أول خروجهما من مطار طوكيو: ما هو سرّكم أيها اليابانيون؟ فأجابه وهو يشير بإصبعه إلى عقله أولًا، وإلى عضلات ساعده ثانيًا: العقل والساعد! لا نملك غير ذلك!.
إن الشعب الياباني عرف منذ البداية ماذا يريد، وما هي أهدافه، وما هو المطلوب منه لتحقيقها، وقد تمَّ ذلك كلُّه ضمن صيغة قومية شاملة، وضمن استراتيجية عمل حضاري جديد.
يقول المؤلف تحت عنوان: التحديث، والتبعية، والتغيّر الاجتماعي:
إن معظم نظريات التحديث والتبعية قد جاءتنا من الغرب، والنظريات التي تأتي من الغرب تكون عادةً نابعة من فكر الغرب المادي التجريدي، الذي ينسب كل فعلٍ إلى سبب مادي.
إن التبعية الاقتصادية تتلوها تبعية ثقافية..
إن اهتمام الغرب (بالعالم الثالث) عمومًا، وبالعالم العربي خصوصًا، لم يأتِ من خلال حضارات هذا (العالم) الغابرة، بقدر ما أتى من خلال الثروات المادية التي يملكها هذا (العالم).
إن التحديث يبقى ضرورة حيوية لا بدّ منها، تفرضها سُنَّة الكون، ومنطق الحياة المتغير المتطور أبدًا (والمؤلف لا يعني تحديث القيم، والعقائد، والأخلاق، أي: لا يعني تحديث الثوابت، بل تحديث المتغيرات).
إن التحديث -في بعض الأحيان- يُحدث ما يُسمّى بالازدواجية الثقافية، والازدواجية الاجتماعية في دول (العالم الثالث)، ومن هنا نشأ الخوف منه لأنه قد يقضي على بعض الخصائص القومية. إذ من الصعب جدًا على معظم الشعوب التي تطرق أبواب التحديث (أو تطرقها مَطارِقُهُ) أن تأخذ ما تشاء وتترك ما تشاء، لأن عملية الاختيار تتطلب وعيًا حضاريًا، ورشدًا عقلانيًا، وحكمة عميقة، وهذا لا يتوفر لجميع شعوب (العالم الثالث).
إن نقطة البداية من أصعب مراحل أي مشروع، ولا يزال العالم العربي أقول: بل غالبية المفكرين والعلماء في العالم الإسلامي، لا يزالون يتساءلون، ويختلفون حول نقطة البداية.
اليابانيون يأخذون وقتًا طويلًا في صناعة القرار، ولكنهم سريعون ودقيقون في تنفيذه، وبذلك يعوضون عن الإبطاء في صناعة القرار، بالسرعة في التنفيذ.
إن الجماعة في اليابان هي صانعة القرار، وليس الأفراد، وإن اليابان هي يد الجماعات، (وإن يد الله مع الجماعة، وإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية!). والياباني لا يأكل وحده، أو يسافر وحده، أو يقضي إجازته وحده أو يعمل بمفرده، إنه يعدّ نفسه ناقصًا، والآخرون هم الذين يكمّلونه.
إن الحديث عن اليابان حديث ذو شجون، وإن تجربتهم جديرة بمزيد من الاهتمام والدراسة من قبل المسلمين، فهذا الشعب المنقطع عن الهداية الربانية، الذي لا يملك (قرآنًا وسنةً) ينيران له الدروب، استطاع أن يصنع ما صنع، فلماذا يعجز عن مجاراته، أو سبقه، المسلمون الذين يرجونَ من الله ما يرجو غيرهم، وهم أكثر عددًا، وأغنى موارد، وأجدر بالسبق من كل وجه؟ سؤال حزين سيظل حائرًا بانتظار جواب علميٍ، إسلامي، صحيح، دقيق، حكيم، لا يقع في التعميمات، أو يطير في التهويمات، وعسى أن يكون ذلك قريبًا.
أحمد البراء الأميري
دكتوراة في الدراسات الإسلامية من جامعة الإمام محمد بن سعود.
- التصنيف:
- المصدر: