تيري جونز وياسر الحبيب .. تشابهت قلوبهم
ولا يعنينا، هاهنا، الرد على هذين الأفَّاكَيْن، فلا يضر السحاب نبح الكلاب، وإن كان من أذى، فهو ما أحدثاه في نفوس المؤمنين الصائمين، من حزن، وكدر، كما قال - تعالى -: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى)[آل عمران: 111].
الحمد لله وحده، والصلاة، والسلام على من لا نبي بعده.
أما بعد:
ففي أواخر شهر رمضان، وأيام عيد الفطر السعيد، كدر صفو المسلمين نباح كلبين عاويين، في غرب الكرة الأرضية:
أحدهما: قس أهوج، يقال له (تيري جونز) يتزعم كنيسة مغمورة، في الولايات المتحدة الأمريكية، دعا على إحراق المصحف الشريف، بمناسبة ذكرى أحداث الحادي عشر من سبتمبر، ووصف الإسلام بأنه (دين الشيطان).
الثاني: معمم، رافضي، حاقد، خبيث، يقال له (ياسر الحبيب)، هاربٌ إلى انجلترا، فاراً بخَرْبَة، إثر سوءةٍ مماثلة اجترحها في الكويت، قبل بضع سنين، فعقد مؤتمراً في لندن، للاحتفال بموت عائشة، أم المؤمنين، - رضي الله عنها -، وبرأها من مقالات الذين جاءوا بالإفك قديماً، وحديثاً، من أصناف المنافقين.
ولا يعنينا، هاهنا، الرد على هذين الأفَّاكَيْن، فلا يضر السحاب نبح الكلاب، وإن كان من أذى، فهو ما أحدثاه في نفوس المؤمنين الصائمين، من حزن، وكدر، كما قال - تعالى -: (لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى)[آل عمران: 111]،
وإنما هي وقفات تأمل، ودرس، واعتبار:
الوقفة الأولى: (قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ) [آل عمران: 119]:
فرعاة الكنائس المهجورة، الذين تلطخت سمعتهم بالمخازي الجنسية، فضلاً عن تسويق الغلو والشرك، وهم يرون البساط يطوى من تحت أقدامهم، في معاقلهم العتيدة، في أوربا، وأمريكا، ويرون الإسلام يغدو فتياً، ويروح برعاياهم النصارى، قد أسلموا لله رب العالمين، طواعية، واقتناعاً، حتى بات بإجماع، أكثر الأديان انتشاراً في العالم، هؤلاء القساوسة يتميزون غيظاً، وحنقاً، ولا يملكون، بحكم القوانين المدنية، أن يحولوا بين الناس وحرية الاختيار، ولا أن يقيموا لهم (محاكم التفتيش)، فيعبرون عن حماقتهم، وغيظهم، بهذه الحركات الرعناء.
ومثلهم، الروافض المتعصبون، الذين تجرعوا مرارة الفشل، وغصاصة الخيبة، منذ ولد مشروعهم الباطني، على يد سلفهم (عبد الله بن سبأ) اليهودي، ولا زالوا، فهم يبذلون الأموال، ويجيشون الجيوش، ويحيكون المؤامرات، والدسائس، والاغتيالات، ولا يخرجون بطائل، بسبب العقم الخِلقي، التكويني، في دعوتهم الباطلة. هؤلاء الحقدة، حين يبصرون المد السني السلفي، ينتشر بشكل طبيعي، وينساب بامتداد تلقائي، تتقطع قلوبهم حسرة، فلا يملكون إلا أن يخلعوا ثوب (التقية) الخَلِق، ويمارسوا هوايتهم المفضلة؛ من السب، والشتم، واللعن، والتكفير. (تَشَابَهَتْ قُلُوبُهُمْ) [البقرة: 118]
الوقفة الثانية: (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) [البقرة: 14]:
درس للمنخدعين بدعاوى التقريب والحوار، بين الطوائف، والأديان. فكل ملة ونحلة، تنتدب من أشياعها من يتملق، ويداهن، ويتحذلق بالكلام الفضفاض لمحاوريه من المسلمين المغفلين، أو أهل السنة، في الوقت الذي يشتغل الباقون بخططهم، ومشاريعهم، لنشر كفرهم، وبدعتهم. وحينما تقع طوام مفضوحة، وسوءات مكشوفة، يبادر هؤلاء الرفاق بتدبيج البيانات (حمالة الأوجه) ليرضوا السذج من محاوريهم، بأقل تكلفة، ويحافظوا على مصداقيتهم لدى أهل ملتهم، وطائفتهم، وكأنما يقولون لهم (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ). وإليك المثال:
(أعلن المجلس البابوي للحوار بين الأديـان التابـع للفاتيكان في بيان الأربعاء أن مشروع القس الأميركي "تيري جونز" لإحراق المصحف سيشكل "إهانة خطرة إزاء كتاب مقدس بنظر أتباعه". وقال المجلس البابوي أنه "تلقى بقلق كبير خبر مشروع "يوم إحراق القرآن" في 11 سبتمبر". ). أي إدانةٍ هذه؟! لا يعدو أن يكون مجرد خبر، وحكاية حال، وتحصيل حاصل. كفى استغفالاً يا دعاة التقريب.
وبالمقابل، فقد صدر عن بعض الجهات، والجمعيات، الشيعية، وليس المراجع الشيعية، بيانات إدانة للاجتماع، اتسم بعضها بنوع خشونة في العبارة، ولكنها، تحاشت تبرئة أم المؤمنين عائشة، - رضي الله عنها -، باسمها الكريم، واكتفت البيانات بعبارات فضفاضة، عمومية، تتذرع بوحدة المسلمين، وتنأى عن (بيت القصيد)، ولا تتبرأ من التراث البغيض لأسلافهم، المشحون بأقذع السباب، لأمهات المؤمنين، والأصحاب. فهل هذا إلا نوع من (التقية) المؤقتة، التي فضحها فرقاؤهم، ممن يعيشون تحت مظلة التاج البريطاني، فإذا لقي هؤلاء أولئك قالوا: (إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ). فكفى استغفالاً يا دعاة التقريب.
الوقفة الثالثة: (الْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه: 132]:
في كل مرة تُفَوَّق فيها السهام، لِلُبَّة الإسلام، ترتد على قاذفيها اللئام. لقد حاول النصارى، ومن ورائهم اليهود استغلال كل حدث للنيل من الإسلام، والتشفي من أهله، فيعود الأمر بركةً على الإسلام، ويلتفت إليه الغافلون، والمغيبون، والمحجوبون، من الأمم، فما هو إلا أن يطلوا عليه إطلالةً سريعة، فيعتنقوه! وقع ذلك إثر الحملة الإعلامية الجائرة التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، وإثر حماقة الرسوم المسيئة لنبينا - صلى الله عليه وسلم -، وازداد عدد المسلمين. واليوم يستيقظ العالم الغافل على ضجة جديدة افتعلها قس مهووس، ليلفت الله بها نظر من أراد به خيراً إلى دينه الحق. قال - تعالى -: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ (36) لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ) [الأنفال: 36، 37]
(توني بلير) رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، يندد بالدعوة إلى حرق المصحف، ويدعو إلى قراءته! سبحان الله! وهل نريد أكثر من أن نسمعهم كلام الله: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ) [التوبة: 6]، فلا تحزنوا يا أهل الإسلام، وأبشروا، وأمِّلوا ما يسركم.
وكذلك الحال، حين يتقيأ شيعي محترق، مرارة الفشل، ويفوه بمنكرٍ من القول، ويلفظ زوراً، فإن ذلك سيحرك أفئدة الغافلين من دعاة التقريب من أهل السنة، وعقول المخدوعين بالخطاب الإيراني، المجوسي، الباطني، ليدركوا ما يكاد لهم، ويعلموا من يدس السم في العسل. ولكي يتفطن عقلاء الشيعة، الباحثون عن الحقيقة، إلى الأفق الباطني لعصابة الملالي القادحين في عرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المكذبين لكلام رب العالمين، القائل، في سياق وصاياه لأمهات المؤمنين: (إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) [الأحزاب: 33]، فيستنقذ الله منهم من شاء. فلا تحزنوا يا أهل السنة، وأبشروا، وأمِّلوا ما يسركم.
والحمد لله رب العالمين.
أحمد بن عبد الرحمن القاضي
أستاذ في قسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود
- التصنيف:
- المصدر: