من هو التالي بعد أم المؤمنين رضي الله عنها؟!

منذ 2015-02-16

بين فَيْنةٍ وأخرى ينبَرِي بعضُ الحاقِدين ليَطعن في خِيار أمَّتنا الإسلاميَّة، وحامِلي لوائها، يدفَعُه إلى ذلك التعصُّب الأعمى، والحقْد الدَّفين، بالأمس القريب كانت حملة محمومَة ضد سيِّدنا عمر بن الخطَّاب القائد المثالي، الذي أطفَأ نارَ المَجُوس بقِيادَة سعد بن أبي وقَّاص في القادسيَّة، واليوم حملة مسمومة ضد أمِّ المؤمنين أطهَر نِساء العالَمين، وحبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين، وما يُدرِينا في الأيَّام المُقبِلة مَن سيَخرُج من هؤلاء الحاقِدين ليَنال من رمزٍ من رموز أمَّتِنا الإسلاميَّة، ليَنال من عرضِه، ويَطعن في مثالبه.

بين فَيْنةٍ وأخرى ينبَرِي بعضُ الحاقِدين ليَطعن في خِيار أمَّتنا الإسلاميَّة، وحامِلي لوائها، يدفَعُه إلى ذلك التعصُّب الأعمى، والحقْد الدَّفين، بالأمس القريب كانت حملة محمومَة ضد سيِّدنا عمر بن الخطَّاب القائد المثالي، الذي أطفَأ نارَ المَجُوس بقِيادَة سعد بن أبي وقَّاص في القادسيَّة، واليوم حملة مسمومة ضد أمِّ المؤمنين أطهَر نِساء العالَمين، وحبيبة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاتم الأنبياء والمرسلين، وما يُدرِينا في الأيَّام المُقبِلة مَن سيَخرُج من هؤلاء الحاقِدين ليَنال من رمزٍ من رموز أمَّتِنا الإسلاميَّة، ليَنال من عرضِه، ويَطعن في مثالبه.

ترى ما هو الدافع؟ وما هي الغاية؟ ولمصلحة مَن؟

وقد قِيل: إذا عُرِف السبب بطل العجب، إنَّ الغرَض من تِلكُم الحملات والهجمات على شُخُوص عُظَمائنا التي يشنُّها أعداء الإسلام بمختلف راياتهم تَعُود إلى جملة أسباب، منها:

أولاً: الحسد الذي أكَل قلوبَهم، فمنذ بُزُوغِ شمس الرِّسالة المحمديَّة، وسُطُوع أنوارها على البريَّة، والتي كان مبدَؤُها إنذار رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - للأُمَم بالدخول في الإسلام، والانضِمام إليه، والاستِسلام لله الواحد دون غيره، ومقدماتها البشارة ببعثة الرسول المكرَّم، تولَّى اليهود كِبر الحملة؛ حيث كانوا يتمنَّون أنْ يكون شرَف الرِّسالة وختْم النبوَّة من نَسلِهم وأصلِهم، فلمَّا اختارَ الله - وهو (أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ)[الأنعام: 124] - طارَت عقولُهم، وجنَّ جُنونهم، فقامُوا وقعَدُوا، وتباحَثُوا وتناقَشُوا، وأخيرًا تآمَرُوا على مُحارَبته والكَيْد له ما استَطاعوا إلى ذلك سبيلاً، وقد دفَعهُم الحسد إلى اتِّخاذ وَسائل عديدة دَنِيئة تُنبِئ عن حقْدهم، وطرق مختلفة تَكشِف عمَّا يُضمِرون، لإطفاء نار الحسد، لكنَّهم وجَدُوا أفضل وسيلة وأنجح حِيلة هي التَّظاهُر بالتقيَّة، والعمل بالخفية، والكَيْد من الداخل، والعمل من وَراء الكَوالِيس؛ مرَّة بإشاعة العَداوات بين أهل الإيمان وإثارة العصبيَّات، ومرَّة أخرى بالأراجِيف والأكاذيب، وأُخرَى بالتآمُر والتعاوُن مع أعداء الله في الخارج، وآخِرها الطَّعن في الأعراض وهو آخِر سِلاح المُفلِسين، وديدن العاطِلين، والحمدُ لله الذي ردَّ كيْد الشَّيْطان للوَسْوَسة.

ثانيًا: الكبر والإعراض عن اتِّباع الحق، وهو داء إبليس القديم، وقد ورثَه عنهم اليهود والفرس الحاقِدين، ومَن تشبَّه بهم من الرافِضة المجانين، فهم يأنَفُون أنْ يكون العرب الذين شرَّفهم الله بالإسلام، ورفَع ذِكرَهم بالإيمان - هم رافِعي لِواء الشرف، وحامِلي سيوف الحق؛ لأنهم يَنظُرون إلى جنس العرب نظرةَ ازدِراء واحتِقار، كما كان كسرى المجوسيُّ يُجرِّدهم من خِصال الخير، ويُعرِّيهم من مَحامِد البر[1] - قبل أنْ يَشرُفوا بالإسلام، ويكونوا هم حمَلَة لوائه.

ومن الطَّرائف ما ذكَرَه صاحِب "العقد الفريد" أحمد بن عبدربِّه: أنَّ الحارث بن كلدة - طبيب العرب - سأَلَه كسرى أنو شيروان الفارسي عمَّا يحمد من أخْلاق العرب، ويحفظ من سيرهم - لأنَّ العرب عند الفرس ليس لهم مزيَّة أو فضيلة، بل هم أساس كلِّ بَلاء ورزيَّة - فأجابَه الحارث بقوله: "لهم أنفسٌ سخيَّة، وقلوبٌ حريَّة، وعقول صحيحة مرضيَّة، وأحساب نقيَّة...ويُطعِمون الطعام، ويَضرِبون الهام، وعزُّهم لا يُرام، وجارُهم لا يُضام"[2].

قلت: هذا جهل الفرس للعرب في الجاهليَّة، فما بالُك وقد حطَّم العرب عَرْشَ فارس، وسلَبُوا منهم ملكَهم إلى الأبد؟! فما ظنُّك أنْ يكون قولهم فينا، ورأيهم في قادَتِنا وأُمَرائنا وعُظَمائنا، وأنت تلحَظ أنَّ غالب مَن تَوجَّه له الطُّعون ويُستَهدَف بالظُّنون هم قادة الأمَّة أمثال عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقَّاص، وخالد بن الوليد، وغيرهم من أبطال الإسلام، وقادَته في الميادين.

ثالثًا: من العجيب أنْ تُوجَّه الطُّعون إلى خِيار الأمَّة، وتُوجَّه السِّهام إلى كِبار الأئمَّة، بينما جزَّارو التاريخ، ومَن كان سجلُّه مليئًا بما يَشِين؛ أمثال لينين وهتلر وموسوليني، وقبله نابليون، بل قُل: أبا جهل وأبا لهب، بل هامان وقارون وفرعون، ممَّن عاشُوا للدنيا، وعُرِف عنهم الطُّغيان والتكبُّر والجبروت والإفساد، في مَأمَن من نقْدهم، وعد مَثالِبهم، وهو إنْ دلَّ على شيءٍ فإنَّه يدلُّ على خسَّةٍ ودَناءة، وقلَّة إنصافٍ واتِّباعٍ للهَوَى، وهو السبب الثالث، فإنَّ اتِّباع الهوى يُعمِي ويصمُّ عن رؤية الحق، ويَحجُب عن اتِّباعه، والانقِياد له، وما أحسَنَ قولَ الشاعر:

وَعَيْنُ الرِّضَا عَنْ كُلِّ عَيْبٍ كَلِيلَةٌ *** كَمَا أَنَّ عَيْنَ السُّخْطِ تُبْدِي المَسَاوِيَا

رابعًا: - وهو رأسُها بل غايَتُها عند القوم - وهو استِعباد الشُّعوب والسَّيطرة على ثرواتها، والتحكُّم بمقدراتها، وإذلال جمهورِها، ليكونوا عبيدًا للطغام الحاقِدَة، وهو يبدأ بتَرشِيح قائمة من قادَة الأمَّة وعُظَمائها ممَّن كان لهم الدورُ في قيادة الأمَّة ونهضتها، وتوجيه السِّهام المسمومة نحو تلك الشُّخوص، والطَّعن في تلك الرُّموز؛ كي يُصبِح الجمهور عرضةً لكلِّ صيد، وغرَضًا لكلِّ كيد، وطواعيَةً لكلِّ جبَّار عَنِيد، ولقد عمل أعداء الله بكلِّ حيلة، واستَخدَموا في ذلك كلَّ وسيلة.

وسلَكُوا في ذلك طرقًا عدَّة:

1- تشويه رؤية الإسلام وقَضاياه في نظَر المسلمين، ومُحاوَلة زَعزَعة الثقة بالدِّين والتمسُّك به من خِلال بثِّ الشُّبهات حول الإسلام والقرآن والمرأة في سالف الزمان، ولَمَّا لم يُفلِحوا لجَؤُوا إلى طريقٍ آخَر ومَسلَكٍ مُغايِر، وهو:

2- الطَّعن في الصميم من خِلال توجيه طُعُونٍ مُباشِرة إلى نبيِّ الإسلام ومَن يمتُّ له بصِلَةٍ من أزواجه وأتباعه، وأحبَّائه وقادته، وهو - بلا شكٍّ - طعنٌ في الرسول نفسه، وقد ازدادَتْ نلك الحملات، وتلكم الطُّعونات في الآوِنة الأخِيرة، وتَرجِع أسبابها إلى الصحوة المبارَكة التي شَهِدَها العالم في عموم المعمورة، فلا عجب أنْ نسمع في أيَّامنا وزَماننا من بعض الناعقين، والناقدين الحاقدين مَن يُسِيء الكلامَ إلى خِيار مَن شهد له العالم أجمَع أنَّه من كبار المُصلِحين، بل على رأس المائة من الناجِحين الفائزين، وهو عظيمُنا ونبيُّنا وسيِّدنا وقدوَتُنا محمد - صلى الله عليه وسلم -.

ولذا فالأمر خطيرٌ، وما يتعرَّض له المسلمون والإسلام وقادته يتطلَّب منَّا جميعًا ردَّ تلك المؤامرات البائِسة، ودحْض حُجَج الشُّبهات الواهِيَة، ومنها ما يلي:

أولاً: وحدة الصفِّ لأجل تحقيق الوحدة الإسلاميَّة بين طوائف الأمَّة في إطار ثوابتها وأصولها، وليس هناك ما يَمنَع ويُحقِّق هذا المقصد العظيم؛ لأنَّ ما يجمَعُنا ويُوحِّدنا أكثر ممَّا يُفرِّقنا ويُشتِّتنا، وبالرغم من أسباب الضعف وأعظمها التفرُّقُ والاختِلافُ، والتي مكَّنت أعداءَنا من السخرية منَّا والإيقاع برموزنا، إلاَّ إنَّه بالإمكان تدارُك ما فات، وهذا يستَوجِب من دُعاة الإصلاح أنْ يهبُّوا جميعًا نصحًا وتذكيرًا، وبيانًا لحماية الأمَّة من التصدُّع والانشِقاق، وهنا أحبُّ أنْ أذكِّر بحادثَيْن كانا لهما أبلَغُ الأثَر في توحيد الأمَّة واجتماع كلمتها على هدفٍ واحد، وهو نُصرَة الدين وإعلاء كلمته:

الأوَّل: لَمَّا قام الرسَّام الدنماركي، وحاوَل بعمله استفزازَ شعور ملايين المسلمين في العالم، وذلك من خلال الرُّسوم الكركاتوريَّة في حقِّ نبيِّنا وحبيبنا، وانظُر إلى ردَّة الفعل من جمهور أهْل الإسلام، وكيف تطابقَتْ واجتمعَتْ كلمة عُلَماء الأمَّة بمختلف مَذاهِبهم على إدانة الفعل واستنكاره أشدَّ الإنكار.

الثاني: لَمَّا قام صنوُ الدنماركي وشبيهُه البائس ياسر الخبيث بالطَّعن في السيِّدة الصدِّيقة عائشة - رضي الله عنها - وكان ردَّة الفعل تُوازِي في الإنكار ردَّة الفعل على الرسوم الكركاتوريَّة، وهو يدلُّ على أنَّ الأمَّة يمكنها أنْ تعود إلى الصف والوحدة؛ لأنَّ الأهداف والغايات التي تجمَعُها وتُوحِّدها متَّحدة مُؤتَلفة - ولله الحمدُ والمنَّة.

ثانيًا: ممَّا يُحبِط تلك المُؤامَرات، ويجعَلُها هَباءً منثورًا في الفلوات: بثُّ الوعي بين الشَّباب والشابَّات، وتَعرِيفهم بأبطال وقادَة الأمَّة، وبَيان أفضالهم ومَناقِبهم، وما قدَّموا لأمَّة الإسلام من خدمات جليلة لا نَزال ننعم بآثارها وخَيْراتها، بدَلاً من حشوِ أفكارهم بأسماء المغنِّين، ونجوم كرة القدم؛ لئلاَّ تنقَلِب الموازين، وتختَلِط الأوراق، فيُعطِي الناس ولاءَهم وحبَّهم، وعصارة حبَّة قلوبهم لِمَن لا يستحقُّ، فتَضِيع عندئذٍ كرامة الأمَّة وعزَّتها، فيتمكَّن اللِّئام من أنْ ينخروا في جسد الأمَّة على مرأًى ومسمع، والأمر لله وحدَه.

ثالثًا: عُلَماء الأمَّة من فُقَهاء ومُفكِّرين، ومُربِّين ودُعاة، لا بُدَّ لهم من دورٍ حين تتعرَّض الأمَّة ورموزها وأبطالها إلى الطعْن والتشويه، وألاَّ يكونوا في آخِر الرحل، وذلك من خِلال المجامِع العلميَّة والفقهيَّة، وعقد المؤتمرات والنَّدوات والاجتِماعات؛ لبَيان الموقف الشرعي ممَّا يحدُث ويَجرِي، ومتى ينبَغِي الإحجامُ أو الإقدامُ؛ لأنَّ الأنظار متَّجهة إليهم، والآمال معقودةٌ بهم، فهم عصب الأمَّة، ونبضها المحرِّك، ومَصابِيح الدُّجَى إذا اشتدَّ الظَّلام، وكلُّنا يتذكَّر موقف عُلَماء الأمَّة أمثال العز بن عبدالسلام وابن تيميَّة - رحمهم الله - جميعًا - لَمَّا غيرت مواقفهم مجرَى التاريخ في مَواقِف عصيبة مرَّت بها الأمَّة، وأورث نصحهم وإرشادهم وجهادهم تحوُّلات فكريَّة كان لها السبب في نهضة الأمَّة، وقادَتْها نحو العزِّ والنَّصر والتَّمكين.

وصلَّى الله وسلَّم على عبدِه ورسولِه محمد، وعلى آله وذريَّته وأزواجه إلى يوم الدِّين.

____________

[1] قَدِمَ النُّعمان بن المنذر على كسرى وعنده وُفود الروم والهند والصين، فذكَرُوا من مُلوكِهم وبلادهم، فافتَخَر النُّعمان بالعرب وفضلهم على جميع الأُمَم، لا يستَثنِى "فارس" ولا غيرها، فقال كسرى، وأخذَتْه عزَّة الملك، فعدَّد فضائل الأُمَم من الهند والصين والرُّوم، ثم قال: "ولم أرَ للعرب شيئًا من خِصال الخَيْر، في أمر دينٍ ولا دنيا، ولا حزم ولا قوَّة، ومع أنَّ ممَّا يدلُّ على مهانتها وذلِّها، وصغر همَّتها محلتهم التي هم بها مع الوحوش النافرة، والطَّير الحائرة، يقتلون أولادَهم من الفاقة، ويَأكُل بعضُهم بعضًا من الحاجة، قد خرَجُوا من مَطاعِم الدنيا ومَلابِسها، ومشربها ولهوِها ولذَّاتها، فأفضَلُ طعامٍ ظفر به ناعِمُهم لحومُ الإبل التي يعافُها كثيرٌ من السِّباع؛ لثقلها وسوء طعمها وخوف دائها، وإنْ قرَى أحدُهم ضيفًا عدَّها مكرمة، وإنْ أطعَمَ أكلةً عدَّها غنيمة تَنطِق بذلك أشعارُهم، وتفتَخِر بذلك رجالُهم (ما خلا هذه التنوخيَّة التي أسَّس جدِّي اجتماعها، وشدَّ مملكتَها ومنَعها من عدوها، فجرى لها ذلك إلى يومِنا هذا، وإنَّ لها مع ذلك آثارًا ولبوسًا وقُرًى وحصونًا، وأمورًا تُشبِه بعضَ أمور الناس - يعنى: اليمن) ثم لأراكم تستَكِينون على ما بكم من الذلَّة والقلَّة والفاقة والبُؤس حتى تفتَخِروا، وتُرِيدوا أنْ تنزلوا فوق مَراتِب الناس"، وقد ردَّ عليه النُّعمان وأجابَه فأفحَمَه، وألقَمَه الحجر، مبينًا له فضائل العرب، ومَناقِبهم على جميع الأُمَم، انظر كتاب: "العقد الفريد" في أخبار معن بن زائدة.

[2] "العقد الفريد"؛ لابن عبدربِّه الأندلسي - رحمه الله - في الجزء الأوَّل، أخبار معن بن زائدة، كتاب الجمانة في الوفود.


مرشد الحيالي