وقفة مع حديث (إياكم والجلوس في الطرقات)

منذ 2015-02-16

يهدف الإسلام إلى الرقي بالمجتمع المسلم إلى معالي الأمور، وسمو الأخلاق، وعلو الآداب، وينأى بأفراده عن كل خلق سيء أو عملٍ مشين، ويريد أن يكون المجتمع مجتمع محبة وألفة، تربط بين عناصره الأخوة والمودة، ألا ترى إلى تلك المناقشة الهادفة بين قائد الأمة وأفرادها حول ظاهرة اجتماعية مهمة، لو بقيت على وضعها لأفسدت المجتمع، فدلهم -صلوات الله وسلامه عليه- إلى الوضع السليم تجاهها.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.

فقد ثبت عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((إياكم والجلوس في الطرقات)) فقالوا: يا رسول الله، ما لنا من مجالسنا بد نتحدث فيها، فقال: ((فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريق حقه)) قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله؟ قال: ((غض البصر، وكف الأذى، ورد السلام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) أخرجه البخاري في صحيحه، كتاب المظالم، باب أفنية الدور والجلوس فيها (5/112 برقم 2465) وفي كتاب الاستئذان (11/8 برقم (6229) وأخرجه مسلم في صحيحه، كتاب اللباس والزينة، باب النهي عن الجلوس في الطرقات (3/1675 برقم (2121).

وقفة مع الراوي: هو أبو سعيد الخدري، أسمه: سعد بن مالك بن سنان الخزرجي الأنصاري الخدري، نسبة إلى خدرة، حي من الأنصار، استشهد أبوه يوم أحد، وشهد أبو سعيد الخندق وبيعة الرضوان، روى عن النبي -صلى الله عليه وسلم- ألفاً ومائة وسبعين حديثاً، وكان أحد الفقهاء المجتهدين، مات  -رضي الله عنه- سنة أربع وسبعين. (سير أعلام النبلاء 3/168، وتهذيب التهذيب 3/479).

من فوائد الحديث:

1ـ يهدف الإسلام إلى الرقي بالمجتمع المسلم إلى معالي الأمور، وسمو الأخلاق، وعلو الآداب، وينأى بأفراده عن كل خلق سيء أو عملٍ مشين، ويريد أن يكون المجتمع مجتمع محبة وألفة، تربط بين عناصره الأخوة والمودة، ألا ترى إلى تلك المناقشة الهادفة بين قائد الأمة وأفرادها حول ظاهرة اجتماعية مهمة، لو بقيت على وضعها لأفسدت المجتمع، فدلهم -صلوات الله وسلامه عليه- إلى الوضع السليم تجاهها.

2ـ تكامل الدين الإسلامي في تشريعه وأخلاقه وآدابه، وفي رعاية حقوق الآخرين، وفي كل شؤون الحياة، تشريع لا يكاد يوجد في أي دين أو مذهب.

3ـ الأصل في الطريق والأفنية العامة أنها ليست للجلوس؛ لأنه يترتب على الجلوس فيها أضرار، منها:

أـ التعرض للفتنة.

ب ـ إيذاء الآخرين بالسب والغمز واللمز.

ج ـ الاطلاع على الأحوال الخاصة للناس.

د ـ ضياع الأوقات بما لا فائدة منه.

4ـ عرض الرسول -صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث بعض حقوق الطريق، وهي:

أـ غض البصر وكفه عن النظر في المحرمات، فالطريق معرض لمرور النساء اللاتي يقضين حوائجهن، وغض البصر عن المحرمات من الواجبات التي يجب التقيد بها في كل الأحوال والظروف، يقول تعالى: (قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك أزكى لهم إن الله خبير بما يصنعون). (الآية 30 من سورة النور)

ب ـ كف الأذى عن المارة بجميع أنواعه، كبيراً أو صغيراً مثل الاعتداء بكلام السيء، كالسباب والشتائم، والغيبة، والاستهزاء، والسخرية، وكذا الاعتداء بالنظر في بيوت الآخرين بدون إذنهم، ويدخل في الإيذاء أيضاً لعب الكرة بالأفنية أمام البيوت، فهي مصدر إيذاء لأهلها، وغير ذلك.

ج ـ رد السلام، وقد أجمع أهل العلم أن رد السلام واجب، يقول تعالى: (وإذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها أو ردوها) (الآية 86 من سورة النساء) ومن المعلوم أن الابتداء بالسلام سنة يؤجر فاعلها، والسلام تحية المسلمين، فهو دعاء بالسلامة والرحمة والبركة.

د ـ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هذا هو الحق الرابع المذكور في الحديث، وخص بالذكر لأن الطريق ونحوه مظنة وجود المنكرات فيه.

وقد تضافرت نصوص الكتاب والسنة على هذا المبدأ العظيم، منها قوله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (الآية 104 من سورة آل عمران).

5ـ وردت نصوص أخرى تذكر بعض حقوق الطريق، ومنها: حسن الكلام، وتشميت العاطس، وإغاثة الملهوف، وإعانة العاجز، وهداية الحيران، وإرشاد السبيل، ورد ظلم الظالم، جمعها الحافظ ابن حجر - رحمه الله - بقوله:

جمعت آداب من رام الجلوس على الطر*** يق من قول خير الخلق إنساناً

أفش السلام، وأحسن في الكلام وشمـ *** ـمت عاطساً، وسلاماً رد إحسانا

في الحمل عاون، ومظلوماً أعن وأغث *** لهفان، أهد سبيلاً واخد حيراناً

بالعرف مر، وأنه عن نكر، وكف أذى *** وغض طرفاً وأكثر ذكر مولانا

(فتح الباري 11/11)

ومسك الختام الله أسال للجميع العلم النافع والعمل الصالح.

 

نقل بتصرف وتعديل

علي بن عبد العزيز الراجحي