من أسرار الدعاء

منذ 2015-02-18

فالدعاء هو أعلى أنواع العبادة؛ فإنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر من الآية:60]، فأفاد بذلك أن الدعاء عبادة، وأن تركَ دعاء الرب سبحانه استكبارٌ؛ انتهى، وبذلك يكون في الدعاء سلامةٌ من الكِبْرِ نسأل الله العافية.

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين.

الدعاء لغة: مصدر دعوتُ الله أدعوه دعاءً ودعوى؛ أي: ابتهلت إليه بالسؤال، ورغبت فيما عنده من الخير، وهو بمعنى النداء، ودعا المؤذن الناس إلى الصلاة، فهو داعي الله، والجمع: دعاة وداعون.

والدعاء اصطلاحًا: الكلام الإنشائي الدال على الطلب مع الخضوع، ويسمى أيضًا سؤالاً، وهو سؤال العبد ربه حاجته، والدعاء مشروع في كل وقتٍ وحين.

وفي الجواب الكافي قال ابن قيم الجوزية -رحمه الله- ما نصه: "الدعاء من أنفع الأدوية، وهو عدو البلاء، يدافعه ويعالجه، ويمنع نزوله، ويرفعه أو يخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن؛ كما روى الحاكم في صحيحه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء سلاح المؤمن، وعماد الدِّين، ونور السموات والأرض»" (انتهى).

وللدعاء ثمرات كثيرة، وفضائل عظيمة، منها:
1. الدعاء طاعة لله، وامتثال لأمره عز وجل؛ قال تعالى: {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [الأعراف من الآية:29].

2. الدعاء عبادة، جاء في تحفة الذاكرين للشوكاني ما مختصره: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الدعاء هو العبادة»، ثم تلا قوله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:60] (رواه ابن حبان في صحيحه).

فالدعاء هو أعلى أنواع العبادة؛ فإنه سبحانه وتعالى أمر عباده أن يدعوه، ثم قال: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي}  [غافر من الآية:60]، فأفاد بذلك أن الدعاء عبادة، وأن تركَ دعاء الرب سبحانه استكبارٌ؛ انتهى، وبذلك يكون في الدعاء سلامةٌ من الكِبْرِ نسأل الله العافية.

3. الدعاء محبوب لله، وأكرم شيء على الله؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ليس شيءٌ أكرَمَ على الله عز وجل من الدعاء» (رواه أحمد، وحسنه الألباني).

4. الدعاء دليل على التوكل على الله.

5. الدعاء دليل على الإيمان بالله، والاعتراف له بالربوبية والألوهية والأسماء والصفات؛ فدعاء الإنسان لربه متضمِّن إيمانه بوجوده، وأنه غنيٌّ، سميع، بصير، كريم، رحيم، قادر، مستحقٌّ للعبادة وحده دون مَن سواه.

6. الدعاء سببٌ لانشراح الصدر؛ ففيه تفريج الهم، وزوال الغم.

7. الدعاء سبب لدفع البلاء قبل نزوله، وسبب لرفعِ البلاء بعد نزوله؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ولا يرُدُّ القدرَ إلا الدعاءُ» (رواه أحمد، وصححه الألباني).

8. الدعاء سببٌ في حصول المودة بين المسلمين؛ فإذا دعا المسلم لأخيه المسلم بظَهرِ الغيب استجيبت دعوته، ودل ذلك على موافقة باطنه لظاهره، وهذا دليلُ التقوى والصِّدق والترابط بين المسلمين.

9. الدعاء مِن صفات عبادِ الله المتقين؛ قال تعالى: {إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} [الأنبياء من الآية:90].

10. الدعاء مفزع المظلومين، وملجأُ المستضعَفين، وفيه سلامة من العجز، ودليلٌ على الكياسة؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعجزُ الناس مَن عجَز عن الدعاء، وأبخلُ الناس مَن بخل بالسلام» (رواه ابن حبان، وصححه الألباني).

11. الدعاء وسيلة لكبر النفس، وعلو الهمة، وبهذا يقطع الطمع مما في أيدى الخَلْق.

 وللدعاء شروط عديدة، منها:
الإخلاص، والمتابَعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والثقة بالله، واليقين بالإجابة، وحضور القلب، والخشوع، ثم العزم، والجزم، والجِد في الدعاء.

أما عن موانع إجابة الدعاء، فمنها:
أكل الحرام، وشربه، ولبسه، واستعجال الإجابة، وترك الدعاء، وارتكاب المعاصي والمحرمات، أو تراكم الذنوب على القلب، وترك الواجبات التي أمر الله بها وأوجبها، والدعاء بإثم أو قطيعة رحِمٍ، أو يمنعه الله في الدنيا ليعطيه في الآخرة أعظم منه.

وللدعاء آداب كثيرة وجليلة، منها:
1. أن يبدأ بالثناءِ على الله تعالى بأسمائه وصفاته، والصلاة على نبيه صلى الله عليه وسلم، ويختم بذلك.

2. الوضوء واستقبال القِبلة إن تيسر، ورفع اليدين بالدعاء.

3. الدعاء في الرخاء والشدة، وأن يلحَّ على ربه فيه، ويدعو ثلاثًا إن أمكن.

4. لا يسأل إلا الله وحده، وألا يعتديَ في الدعاء، ويتوسل إلى ربه بأنواع الوسائل المشروعة.

5. أن يتضرَّع إلى الله في دعائه، وأن يبدأ بنفسه، ويدعو بالجوامع من الدعاء.

6. الاعتراف بالذَّنْب والنعمة حال الدعاء، مع إظهار الافتقار إلى الله والشكوى إليه، مع الإخلاصِ لله تعالى.

7. عدم تكلُّف السَّجع في الدعاء، وجعل الصوت فيه بين المخافَتة والجهر.

8. تحرِّي الأوقات المستحبة، ومنها: جوف الليل، وعند النداء، وبين الأذان والإقامة، وفي السجود، وعند البأس، وعند نزول المطر، وبعد عصر الجمعة، ويوم عرفة، وعند الفِطر من الصيام، وفي العشر الأواخر مِن رمضان.

ولإجابة الدعاء أسباب، منها:
كمال اليقين في الله، وحُسن التوكل عليه، والاعتراف بالخطأ والتقصير، وكثرة ذكر الله، والتفكُّر في مخلوقاته، وقضاء حوائج الخَلْق، والإحسان إليهم، ومراعاة أدب الباطن، وهو الأصل في الإجابة، وهو التوبة، ورد المظالم، والإقبال على الله عز وجل، والاستجابة لله عز وجل؛ قال تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة:186].

وأفضل الدعاء: دعاء الأنبياء والرسل، وكله ليس فيه طلبٌ لعرَضٍ من أعراض الدنيا، فخيرُ صِيَغ الدعاء الأدعية الواردة في القرآنِ الكريم والسنَّة النبوية الصحيحة.

فائدة:
أحبتي في الله، كل من دعا الله أجابه، وليس كل من أجاب الله دعاءه يكون راضيًا عنه، أو محبًّا له، أو راضيًا بفعله؛ فالله سبحانه مالك كل شيء، وعنده خزائن كل شيء، يسأله مَن في السموات ومن في الأرض، يسأله المؤمن والكافر، والبَرُّ والفاجر، والمُطِيع والعاصي، وكثير من الناس يدعو دعاءً يعتدي فيه، فيحصل له ذلك أو بعضه، فيظن أن عمله صالحٌ مُرْضٍ لله، ويرى أن الله لرضاه عنه يسارع له في الخيرات، فهذا من المغرورين الذين قال الله عنهم: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ . نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَلْ لَا يَشْعُرُونَ[المؤمنون:55-56]، بل هو استدراجٌ لهم؛ كما قال سبحانه: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُمْ بَغْتَةً فَإِذَا هُمْ مُبْلِسُونَ} [الأنعام:44]، فالدعاء له هنا حالتان:

الأولى: أن يكون عبادة يثاب عليها الداعي؛ كسؤال الله الإعانةَ والمغفرة، ونحوهما.

الثانية: أن يكون مسألة تقضى به حاجته، ويكون مضرة عليه تنقص به درجته، ويقضي الله حاجته، ويعاقبه على ما أضاع من حقوقه وتجاوَز حدودَه.

اللهم ارزُقْنا الإخلاص في القول والعمل، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران:8]، {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:201].. آمين. 

عثمان عطية محسب