أجورٌ ليست إلا لكِ
في سفر بعيد، ومسافة طويلة عبر طرق نسائية لا يشارككِ فيها أحد من الرجال، ولا يفكر أحدهم بالمرور منها إلا باء بفشل التطبيق، ولو استقصى وسعه ما وصل إلى ما وصلتِ إليه، هل تخيلتِ نفسكِ وأنت تمرِّين في إحدى الطرق الطويلة لا ترين فيها رجلاً، -فلا اختلاط ولا منافس-؟!.
في سفر بعيد، ومسافة طويلة عبر طرق نسائية لا يشارككِ فيها أحد من الرجال، ولا يفكر أحدهم بالمرور منها إلا باء بفشل التطبيق، ولو استقصى وسعه ما وصل إلى ما وصلتِ إليه، هل تخيلتِ نفسكِ وأنت تمرِّين في إحدى الطرق الطويلة لا ترين فيها رجلاً، -فلا اختلاط ولا منافس-؟!.
إنها الطريق إلى الله - تعالى -التي اختصك الله - عز وجل - بممرات دون مشارك إلا بنات جنسكِ، لا يستطيع الرجل -أياً كان- أن يحصل على ما تحصلين عليه، أو ينال ما تنالينه من الأجور التي خصك الله بها، وما ينبغي له.
إنها في عالم العبودية خصائص ومميزات ميزك الله بها من بين سائر خلقه، وكرمك وشرفك بعبادات لا تقوم بها على وجه الأرض إلا الأنثى، وأجور لا تنالها إلا الأنثى، وقد سبق في علم الله وقدره أنكِ أنت أيتها القارئة الكريمة ستكونين أنثى، فاحرصي أن تكون من أكثر بنات حواء حظاً من هذه الميزات وأبواب الأجور التي لا يفتحها رجلٌ ولا يستفتحها إلا أنتنَّ.
(مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ) [سورة النحل: 97] (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ) [سورة آل عمران: 195]، هذا كله وأنت شريكة للرجل فيه، تنازعينه في الأعمال الصالحة، ومكامن الأجور.
لكن..هل تتوقعين: أن الرجل لو غطى جميع جسمه واحتشم فلا تُرى منه شعرة، واستتر في بيته كي لا يرى منه شيء غَيرةً على حرمة نفسه، ولا يخرج إلا في غاية من الستر، وربما جرَّ ثوبه خيلاء مبالغة في ستر القدمين، ماذا له من الثواب؟ وهل له من الأجر شيء؟ -إن سلم من الإثم واتهام عقله ودينه! -.
ولو التزم أن يغطي وجهه من النساء الأجنبيات عنه، وضرب بخمار على جيبه ووجهه هل له من الأجر شيء؟.
وإن رجلاً لو خرج لا يتعطر ولا يتزين، بل يكون متبذلاً لئلا يجد الناس ريحه، يخفض المشية، ولو دب دبيب النمل كي لا يسمع ما أُجِرَ في شيء.
كما أن الرجل لو خفض من صوته حتى لا يكاد يسمع، وخافت في كلامه مع الناس؛ ما كان له من الأجر كأجر المرأة على ذلك.
ولو أراد أن يحسن تبعله مع امرأته فأصبح يطيعها في أمرها ويسمعها في توجيهها وينقاد لها ولا يرد لها طلباً، ويقوم في خدمتها وتنظيف بيتها وغرفتها وتجهيزها وتهيئتها لحاجتها، كان هذا هو التخلي عن القوامة بعينه، ويفوته من أجرها ما يفوت، ويأثم على مهانته للرجولة وإضعافه للمسؤولية.
ولو تعبد الله - تعالى -بأن يقر في بيته خُشي أن يكون معطلاً لأمر الله - تعالى - النساء بقوله: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ) [سورة الأحزاب: 33] حيث صرفه عن أهله المقصودين بالخطاب وهنَّ هنَّ، وليس إياه، وربما احتسب الصلاة في بيته أكثر أجراً فصلى فيه الفرائض فوقع في المفضول أو المنهي عنه، وأن الصلاة في الجماعة هي ما خوطب به.
أختاه، لا حاجة إلى استعراض العبادات التي لو فعلها الرجل ما ربح مثل ربحك، ولا نال ما تنالين، أليس كثير من العبادات لها شروط ومن شروطها أن تكون القائمة بها أنثى؟ كالحجاب والقرار في البيت وعدم الخروج إلا لحاجة، ومع المحرم، وكذا الالتزام بمضمون قوله - تعالى -: (وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [سورة النور: 31] وما شابه ذلك مما يخصكِ.
إن الكلام عن شؤون المرأة الحياتية أمر يثير الشوق إلى بعض ما اختصت به، ويتمنى رجالٌ أنَّ لهم من هذه الأجور نصيباً مع تمسكهم برجولتهم التي فطرهم الله عليها-، ولكن من باب النظر إلى الأجر المترتب على العمل لا من باب تمني الرجل أن يكون امرأة، وإلا فقد قال - تعالى -: (وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُواْ وَلِلنِّسَاء نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُواْ اللّهَ مِن فَضْلِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا) [سورة النساء: 32]، قال ابن جرير: "ولا تتمنوا، أيها الرجال والنساء، الذي فضل الله به بعضكم على بعض من منازل الفضل ودرجات الخير، وليرض أحدكم بما قسم الله له من نصيب، ولكن سَلُوا الله من فضله" [1].
ويرجح أن "معناه: للرجال نصيب من ثواب الله وعقابه مما اكتسبوا فعملوه من خير أو شر، وللنساء نصيب مما اكتسبن من ذلك كما للرجال"[2].
وضعف القول بأن هذا خاص بالميراث؛ "لأن الله جل ثناؤه أخبر أن لكل فريق من الرجال والنساء نصيبًا مما اكتسب. وليس الميراث مما اكتسبه الوارث، وإنما هو مال أورثه الله عن ميِّته بغير اكتساب، وإنما "الكسب" العمل، و"المكتسب": المحترف [3].
فمثلا: نيل الشهادة في حق الرجل والمرأة أمر محبوب مرغوب تبذل الدنيا لأجله، ومع ذلك فإن من أبواب الشهادة ما لا يدركه الرجل البتة، ولا أظن باباً من أبواب الشهادة خاصٌ بالرجل، فالذين لهم أجر الشهيد كثير، يشترك الرجل والمرأة فيها وتزيد عليه بأبواب منها: قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (الشَّهَادَةُ سَبْعٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ... وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ)[4]. وقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((خمس من قبض في شيء منهن فهو شهيد... والنفساء في سبيل الله شهيد))[5]. وفي رواية: ((... والنفساء شهيد يجرها ولدها بسرره إلى الجنة)) [6].
ومعنى تموت بجمع: هي المرأة تموت من الولادة وولدها في بطنها قد تم خلقه وماتت من النفاس وهو في بطنها لم تلده، وقيل: إذا ماتت من النفاس فهي شهيدة سواء ألقت ولدها أو مات وهو في بطنها، [هذا القول الأول أنه من النفاس] والقول الآخر: هي المرأة تموت قبل أن تحيض وتطمث، وقيل بل هي المرأة تموت عذراء لم يمسها الرجال. [أي أنها تموت بكراً] والقول الأول أشهر في اللغة وأكثر عند العلماء [7].
فكم مِن بنات حواء مَن تسعى إلى الحصول على الأمومة؟ وما فيها من أسباب غير لازم تحصيلها- للشهادة في سبيل الله، بل إن فتياتٍ لا يُرِدْنَ أن يكنَّ أمهاتٍ؛ خشية أوهامٍ، ويسعَينَ إلى قطع السبل الموصلة إلى ذلك، كالوقوف أمام الزواج المبكر حجرة عثرة، ورد الخُطَّابِ، أو الحيلولة دونها بحبوب منع الحمل والتهرب من الآلام وتأجيل الحمل وما شابه ذلك، وما علمن أن لهن أجراً كبيراً في احتساب آلام الحمل والولادة والرضاع ومعاناة ذلك كله.
ولو علمن ما لحقِّ الأمومة من شرفٍ لما تردَّدْنَ طرفةَ عين في الوصول إلى هذه الرتبة العلية التي قال النبي - صلى الله عليه وسلم - عنها أنها أحق الناس بحسن الصحبة، (أمك ثم أمك ثم أمك) وقدمها على الرجل، ولا يخفى ما فيه من حثٍّ لكل امرأة على أن تكون أماً، فأين منه مَن يؤخرْنَ الزواج؟ أو يسعين في تقليل الأولاد، بتحديد النسل ومنع الحمل؟ وأين هذه النعمة التي خفيت على كثير من النساء وقلَّ شكرها إلا ممن رحم الله؛ إذ الأمومة بحد ذاتها نعمة ورتبة شرف، وأنها لا تكتسب إلا بالإنجاب، والإنجاب نعمة من الله لا ينبغي الحيلولة دونها من غير مبيح- فهو جزء من شكر نعمة الولد التي وهبها الله للمرأة، ولتنظر إلى أخريات يتمنين هذه النعمة ويسألن الله ليلَ نهارَ، ولم يرزقن حتى بسقط؛ لا فرحا به، وإنما أملاً في إمكانية الإنجاب وعدم العقم..
وكم من الأجور تحصل عليها المرأة دون عناء ولا مشقة، وقد جرت عليها العادة وجاء الشرع بالحث على أصلها، كما في صنع الطعام، وأن (في كل كبد رطبة أجر[8]) وهي تقوم بصنع طعام أهلها وأسرتها وضيوفها وضيوفهم، فتشبعهم وتسرهم بنيل ما يشتهون من لذيذ المطاعم، وربما كانوا صائمين فتعد لهم فطورهم، فتكون ممن فطر صائما، وساهم في إعانته على الصيام، ومن فطر صائماً فله مثل أجره،.. فكم لها من أجر على إشباع الجائع وسقاية الظمآن وغذاء الأبدان وتقويتها على طاعة الله، وإعتاقها من الهلاك..
كم لها من الأجر والثواب جزاء ما تقوم به من رعاية أولادها بنظافتهم وتربيتهم وتمشيطهم والحفاظ عليهم، مما لا يقدر عليه الرجل.
لقد ظهرت عناية الله - تعالى - لهذا الجنس من بنات حواء حتى في التكاليف الشرعية التي هي والرجل سواء، فخفف عنها كثيرا من الواجبات ويسر أمر أدائها وقضائها وربما رفعها عنها بالكلية، وهذا تخفيف من ربك الجليل، فمن ذلك أنها لا يجب الحج عليها إن كانت مستطيعة ولكنها غير ذات محرم، وأنها لو حاضت أو نفست في الحج خفف عنها بأن تفعل ما يفعل الحاج غير أنها لا تطوف بالبيت، وتسقط عنها الصلوات أيام دورتها ونفاسها، ويسمح لها بالفطر في رمضان وتقضي في وقت لاحق ما فاتها، وقد جاء في الحديث النبوي الشريف: ((إذا مرض العبد أو سافر كتب له مثل ما كان يعمل مقيما صحيحا))[9]. فأين الكثير من النساء اللاتي هن في أيام حيضهن وطهرهن سواء، تاركات الصلاة والعبادات وقراءة القرآن، من التي تؤجر في أيام دورتها على ما تفعله من الصلاة والصيام وقراءة القرآن، ومنعها العذر والمرض، تحدو بها نيتها وشغفها بالطاعات وشوقها إلى أيام الطهر!!.
إنها دلالة على عنايةٍ من الله، ومراعاة مشاعرها وفطرتها الأنثوية التي جبلها الله عليها، حتى إن المرأة لا تُطَلَّقُ في أيام حيضها؛ مراعاة لما هي عليه من الضيق والكآبة، ومن فعله فهو آثم.
وما أكثر هذه الأجور وأعظمها في شؤون كثيرة حتى إنه ((إذا صلت المرأة خمسها وصامت شهرها وحفظت فرجها وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلي الجنة من أي أبواب الجنة شئت))[10]. وهي في ذلك كله مأجورة على كل فعل على حدة، ولها فيما تعانيه من الصبر والبلاء مع ضعفها وما تتعرض له من المصاعب والمتاعب أجر عظيم، وقد ذكر لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجراً لامرأة تغبط عليها لا يستطيع الوصول إليها رجلٌ وهي التي توفي عنها زوجها ولم تتزوج بآخر صبرا على إعالة الأيتام ورعايتهم، فعن عوف بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا وامرأة سفعاء الخدين كهاتين يوم القيامة، -وجمع بين أصبعيه السبابة والوسطى- امرأة ذات منصب وجمال آمت من زوجها حبست نفسها على أيتامها حتى بانوا أو ماتوا)) [11].
فيا آختاه، ما أكثر أبواب الأجر التي اختصك الله بها وملكك مفاتيحها لا تلجين إلا أنتِ، فهلا أكثرت من قرع تلكِ الأبواب، ودخلت من حيث أمرك الله، والتزمت بما ميزك الله، وتشرفت بما شرفك الله. فالجنة بين يديك، والخلد في دار النعيم أمام عينيكِ.
[1] - تفسير الطبري: (8/265).
[2] - تفسير الطبري: (8/267).
[3] - تفسير الطبري: (8/267).
[4] - سنن أبي داود: (3/156) برقم: (3113) وصححه الألباني ومعنى: تموت بجمع.
[5] - سنن النسائي: (6/37) برقم: (3163) وصححه الألباني.
[6] - مسند أحمد بن حنبل (5/328) برقم: (22836) تعليق شعيب الأرنؤوط: حديث صحيح.
[7] - الاستذكار: (3/69)
[8] - صحيح البخاري: (6/99) برقم: (2363).
[9] - صحيح البخاري: (3/1092) برقم: (2834).
[10] - مسند أحمد بن حنبل: (1/191) برقم: (1661). تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره، وكذا قال الألباني.
[11] - مسند أحمد بن حنبل: (6/29) برقم: (24052)، تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره.
علي بن أحمد المطاع
- التصنيف:
- المصدر: