الخلافة تعاد أم تباد
إنهم هم الأمة وإن كانوا قلة، إنهم هم العصبة وإن ظنوهم ضعفة، إنهم هم المتقدمون وإن سموهم متخلفين، إنهم أهل الهمة وأهل الإرث الوارثون. تتلاقى قلوبهم وإن فصلت بينهم الأماكن، وتتعانق أفكارهم وإن اختلفت لهجات الألسن، وبين يدى ربهم يطبقون المناهج ويرشدون القواصي.
إن الله خلق الخلق جميعاً، كل الخلق من إنسان وحيوان، وجبال وسهول ووديان، كل ما رأته العيون وسمعت عنه الأذان وفوق قدرات ماتتحمله العقول والجنان. يجري الله سنته على خلقه أجمعين، وفقاً لنواميس ثابتة وقوانين قائمة دون النظر إلى فئة على فئة عباد لله يجري عليهم قوانينه وكفرة ملحدون يدورون في نواميسه، عدله يملأ القلوب وترضاه العقول وتزكى به النفوس توقنه ضمائر الخلق كافة في رضا متين واستقرار دفين لغد مقدور وموعود ويرسل الله رسله أجمعين ليبشروا المتقين من عباد صالحين وينذروا الكافرين عن طريق الغى اللعين.
ورسل الله لا يتحكمون في مصائر أقوامهم، إنما عليهم تبليغ الرسالة لهم وتوصيلها إليهم ومدى جهد القوم في تقبل الرسالة وتنفيذ أوامرها واليقين التام الكامل الصادق في التوكل على الله -عز وجل- وفي مصدوق كلامه في الحال والمآل هو الباعث على صدق هذه الأمه وفلاحها في الدارين الدنيا والآخرة.
يحرك الإيمان القلبي الغيبي النفس البشريه إلى توقيع الغيب في أرض الواقع فالوعد من الله -عز وجل- مكتوب وبه يتواجد الهدف والسبل إليه مضمونة وبها ترتسم الخطى والكل يسعى إلى ميلاد المآل في الحال وبه يولد العمل ودليلهم في كل هذا رسول يرسله الله - جل جلاله - ليبين ويوضح وينفذ المنهج للوصول إلى ميلاد وعد الله سبحانه إلى عباده أجمعين وتحقيق العدل المطلق لكل الخلق وتنفيذ شرع رب العالمين.
وعلى قدر إيمان الأنفس بمعتقدها وصدقها في الوصول إلى مآربها على قدر توفيق الله لها بل إن توفيق الله لعباده أضعاف أضعاف ما يعتقد ورحم الله الشيخ الغزالي حين قال " لوطبقنا عشرة بالمائة من الإسلام لوهبنا الله التسعين الآخرين".
ونحن المسلمين ورثة الحق المبين من رب العالمين إلى قيام يوم الدين أرسل لنا خير رسله محمد-صلى الله عليه وسلم- وأنزل إلينا أفضل كتبه القرآن الكريم ووعدنا بخير أمة أخرجت للناس كافة على اختلاف العصور والسنين.
كتب الله لنا الرشاد وهداية العباد لمن تمسك بكتابه العزيز واستن بسنة نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - ومن يتخلف عن الركب فلن يكون له نصيب في الأجر إلا أن يعود مرة أخرى إلى الطريق.
فالواثق بموعود الله - عز وجل - يرى الوعد أمامه في الطريق لا ينازعه فيه إلا الوصول والمتلاهي عن وعد ربه المتناسي للقياه كفاحاً دون ترجمان كفاحاً وجهاً لوجه يأمل الدنيا وينسى الآخرة حتى يتوطن الران قلبه ويختفي أمامه الطريق ويسلك وعورة دروب الهالكين، وفي الآخرة عذاب أليم ومغفرة من الله ورضوان وما الدنيا إلا حياة غرور.
وإننا نخاطب الواثقين بوعد رب العالمين الذين يرونه قريباً ويرون الخطى في الصباح والدجى لا تزيدهم إلا اقتراباً من الوعد ووصولاً إليه.
إنهم هم الأمة وإن كانوا قلة، إنهم هم العصبة وإن ظنوهم ضعفة، إنهم هم المتقدمون وإن سموهم متخلفين، إنهم أهل الهمة وأهل الإرث الوارثون. تتلاقى قلوبهم وإن فصلت بينهم الأماكن، وتتعانق أفكارهم وإن اختلفت لهجات الألسن، وبين يدى ربهم يطبقون المناهج ويرشدون القواصي.
فيا أيتها القلوب الواثقة بوعد ربها، المقبلة على هدى نبيها، السائرة باقتفاء أثر الهدى، أبشروا، وبشروا، وانهضوا، وأكملوا مسيركم كما وعدكم ربكم في كتابه، {وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنكم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم وليبدلنهم من بعد خوفهم أمناً يعبدونني لا يشركون بي شيئاً ومن كفر بعد ذلك فأولائك هم الفاسقون} [النور: 55].
وقال أيضاً – جل جلاله – {ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر أن الأرض يرثها عبادي الصالحون} [الأنبياء: 105].
ويبشرنا رسولنا الكريم محمد - صلى الله عليه وسلم - عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - « » (رواه أحمد وصححه الألباني).
فالاستخلاف من الله، ومصدوق قول رسوله -صلى الله عليه وسلم-، بشرى بعودة الخلافة، فهذا النص يحتاج الرجال، فمن تمسك به وسعى إليه كان من أهله وإن لم يدركه، ومن كذبه وحاربه خرج منه وإن عايشه، فالخلافة قائمة، وأين رجالها؟ والوعد صادق وأين موعوده؟ ... والله غالب على أمره.
{إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنياويوم يقوم الأشهاد} [غافر: 51]، فالله الله في موعودكم .. الله الله في تصديقكم نبيكم .. الله الله في عملكم .. الله الله في آخرتكم .. الله الله في الأمانة بأيديكم.
إنهم يرون يوم الخلافة بعيداً، ونراه قريباً، فإن غداً لناظره قريب.
سعيد بدر
مدرب تنمية بشرية
- التصنيف:
- المصدر: