عوارض الديمقراطية الداخلية - الديمقراطية - مرجعية حكم الشعب

منذ 2015-02-25

وادّعاء كون الدّيمقراطيّة هي حكم الشّعب دعوى عاطفيّة لا أكثر تعجب الدّهماء ويستغلّها أصحاب النّفوذ والمحسنون لصناعة الزّخرف من القول لا أكثر.

1- أصل الإشكال: بغضّ النّظر عن مسألة هل علويّة وفوقيّة مرجعيّة حكم الشّعب بالإطلاق تصادم أصل عقيدة الإسلام أو لا ؟

عرض الدّيمقراطيّة على أنّها حكم الشّعب نفسه بنفسه أو حكم الشّعب للشّعب بالشّعب، أو قل ما شئت كيف شئت ما دمت مريدا لهذا المعنى = مجانبة للحقيقة الصّلبة الّتي يدعمها البرهان.
وادّعاء كون الدّيمقراطيّة هي حكم الشّعب دعوى عاطفيّة لا أكثر تعجب الدّهماء ويستغلّها أصحاب النّفوذ والمحسنون لصناعة الزّخرف من القول لا أكثر.
وأشير إلى كون هذا الخطأ الفاحش موجودا عند الدّيمقراطيّين وعند الإسلاميّين أيضا في تناولهم للقضيّة، ممّا ينتج عنه نتائج خطأ بلا إشكال.
وبيان ذلك :
الدّيمقراطيّة اليونانيّة نشأت في القرن الخامس ق.م، كردّة فعل مناهضة للأرستقراطيّة والأوليجاركيّة والاستبداد الشائع في الملكيّة.
ثمّ كانت الدّيمقراطيّة هي الأولى نشوءا من بين الأيديولوجيّات الأوروبّيّة كالقوميّة والرّأسماليّة واللّيبراليّة نظرا لارتكازها على منشئ عريق ذي أصول مشتركة في تلك الثّقافة، ومن ثمّ كانت دعوة جون جاك روسو هي مناداة بتطبيق الدّيمقراطيّة الأثينيّة كما هي.
وهي دعوى نظريّة تخيّليّة لا يمكن أن تنتقل للتّطبيق، باعتراف روسو نفسه في جدليّاته.
لقد كانت الدّعوة للدّيمقراطيّة مثاليّة جدّا، و"سلطة الشّعب" كانت مغرية جدّا في ظلّ تحدّ قائم في وجه الكنيسة والنّظام الملكيّ الإقطاعيّ المهيمن، لكنّ القائمين على هذه الدّعوة من الطّبقة الوسطى كانوا في الحقيقة يسعون لحماية ثروتهم من الطّبقة الملكيّة المتسلّطة ومن الطّبقة الفقيرة أيضا، وهو ما بيّنه ريتشارد جاي المؤرّخ البريطانيّ الشّهير 

يقول: " المنتمون إلى هذه الطبقة كانوا يسعون في الحقيقة إلى حماية ثرواتهم من تسلط الملكية وطمع الطبقة الفقيرة على السواء. ولذلك فقد اعتبرت "سلطة الشعب" سلاحاً استخدمه الأوروبيون في صراعهم الطبقي المرير، ووسيلة لاستبدال نظام مندثر بآخر يمكن لفئة جديدة من ممارسة السلطة بشرعية جديدة لا تعبر بالضرورة عن رأي الجماهير " اهـ. (1)

ويقول جوزيف شمبتر : " يروق للسياسيين استخدام مصطلح الديمقراطية - الذي تحبه الجماهير - لأنه يمنحهم أفضل فرصة لتجنب المسؤولية، ويمكنهم من سحق خصومهم ... باسم الشعب " اهـ (2)

وهكذا صار على جيرمي بنثام، وإدموند بورك، وجيمس ميل، وأضرابهم إيجاد طريق للتّوافق بين نظريّات مثاليّة مستخلصة من القرن الخامس قبل الميلاد وحلول تطبيقيّة لواقع أوروبّي حديث زمن الثّورة الصّناعيّة، فخرجت صورة أخرى للدّيمقراطيّة لا تشبه تلك الصّورة النّظريّة إلّا في الأسماء، أمّا المعاني والحقائق فما ثمّ منها إلّا ما لا يملأ الكفّ.

وسنبيّن إشكالات أساسيّة واقعة في التّمثيل للشّعب في ما يأتي إن شاء الله، سواء في الأثينيّة الأصليّة منها أو المتطوّرة عنها.

ربّ يسّر وأعن!

(1): انظر : R. Jay. Democracy. in (Political Ideologies), (London 1985) P. 162
(2): انظر: Capitalism, Socialism and Democarcy, (London 1952), p. 268
 

كمال المرزوقي

رئيس جامعة الإمام مالك للعلوم الشّرعيّة بتونس.

المقال السابق
الديمقراطية - معيار الأغلبية
المقال التالي
الديمقراطية - مرجعية حكم الشعب (2)