على الهامش!
هؤلاء: سائق السيارة، وعامل النظافة، وفرّاش المكتب، والخادمة، وأطفال الشوارع، والخباز، والكهربائي البسيط والسباك؛ ليس ذنبهم أنهم بسطاء، وليس ذنبك أنك غني وأنيق ومتعلم، ولست أنت من يُقسِّم الأرزاق، وليس مطلوبًا أن نتألم من النعمة، بل نحن نحتاج فقط أن ننظر على الهامش، لعلنا نراهم بوضوح، فنتقاسم معهم الفرحة، فتحل على قلوبنا البركة، ونتوقف عن الشكوى بأننا رغم النعم لا نعرف طعم السعادة.
تعلمنا في المدارس أن نُسطِّر الهوامش، ربما نتركها خالية، وربما نُعلِّم عليها، وأحيانًا نكتب بخطوط صغيرة، وأقلام باهتة بعض الملاحظات، والكثير من الشرح!
وعلى هامش الحياة، وخلف الوجوه المختبئة في أركانها، والتي نَنسى كثيرًا أن نقرأها، سطرتهم الحياة.
هو، يراك كلَّ يوم، بعينيه النابهتين، وأنت تمُر عليه بعطرك الفتان، وقميصك الفاخر، وربما يَرن هاتفك العجيب فتطرب أذنه، يغمض عينيه للحظات ويَستنشق بعمق، (الله!) يقولها وهو يَبتسم ببراءة، مُتمنيًا كل ما عندك، وربما يَشعر ببعض الحسرة عندما تختفي من أمامه.
ليتك نظرت على الهامش! وألقيت عليه السلام، وأهديته زجاجة عطر، وشيئًا مما عندك، لأنه شاب مثلك.
هي، تعرف يقينًا أن هذا صوت خطواتك، وربما تخرج رأسها المزدحم بالأحلام من زاوية باب غرفة الفراشة لتراك وأنتِ تَدخلين من باب الشركة، فترفع حاجبيها وهي تتأمل حذاءك، وتبتسم وهي تتوه بين ألوان عباءتك، ويَخطف العقد الذي حلق حول رقبتك نظراتها للحظات حتى تنتبه للقهوة، وهي ترتفعُ فتُسرع وتطفئ النار قبل أن تأكل قلبها المحروم.
ليتك نظرت على الهامش! وابتسمت لها، وأهديتِها ثوبًا وعقدًا وحذاء، وذكرى جميلة.
هو، يقف كلَّ يوم عندما يَسمع صوت سيارتك، ويُهرول ليحمل الحقيبة من يدك، ويحمل أيضًا أكياس الفاكهة، يَصعد بهدوء وبخطوات ناعمة خلفك على الدرج، تصلان أخيرًا وتُعطيه جنيهًا ويَختفي من أمامك، ويَخرج إلى الشارع حتى تتبخرَ رائحة الفاكهة من ثيابه قبل أن يعودَ طفلُه؛ فهو يخشى أن يَشمها على ثيابه وهو يَحمله.
ليتك نظرت إلى الهامش! ورأيته وهو يهز قميصه في الهواء لتتبخر رائحة التفاح، وأهديته كيسًا ولو مرة واحدة.
هي، تأتي كل أسبوع وتساعدك، تحمل المراتب، تُزيل الأتربة، تَنحني وتُنظف تحت أريكة غرفة المعيشة، وها هي تنشر الآن ملابسك، وتغسل بيديها هذا القميص الأنيق لابنك، والذي طالما تمنَّاه ابنها، وستَظل تنتظر تنتظر، كيسًا كبيرًا يَحتوي بعض مما كرهتم من ثياب ضاقت عليكم، أو بهت حتى لونها.
ليتك نظرت على الهامش! وأهديتها شيئًا قديمًا وشيئًا جديدًا معًا في كيسٍ واحدٍ، بفرحةٍ واحدةٍ.
هو، ليس وسيمًا وليس أنيقًا، وليس من عائلة كبيرة، ولا يعرف من الدنيا ما أنت تعرفه، لكنه يدرس معك في نفس الجامعة، ويجلس ببساطة حاله بجوارك أحيانًا، فتبتعد أنت وتقترب من أصحاب المقام الرفيع، يَتمنى صُحبتكم أنت ومن مَعك، ليس طَمَعًا في شيء فهو عزيز النفس، لكنه يَشكو الوحدة وليس ذنبه أنه هكذا.
ليتك نظرت على الهامش! وبادلته النظرات للحظة وألقيت السلام، وفُزت بالرحمة تتنزل عليكما وأنت تحبه (في الله).
هي، تجلس كل يوم في نفس المكان، تُنادي عليك لتشتري منها أي شيء، تبتسم لك وتبالغ في احترامك لعلك تُرضيها، البعض يَقف ويَشتري ولا يناقشها في الحساب، والبعض يَسمعها ما لا تودُّ أن تسمعه، ثم يُلقي لها النقود وهي تتحرج وتتأفف من فعلته، هي وإن جمعت كل ما تكسبه وضاعفته، لن يصل المجموع لثمن هاتفك النقال، ولا لثمن نظارتك.
ليتك نظرت على الهامش! واشتريت منها شيئًا، وناولتها النقود باحترام، وتأملتها وهي تقبلها وتضعها على رأسها وتسمعك الدعاء بالستر، وأن يكفيك الله شر المرض.
هؤلاء: سائق السيارة، وعامل النظافة، وفرّاش المكتب، والخادمة، وأطفال الشوارع، والخباز، والكهربائي البسيط والسباك؛ ليس ذنبهم أنهم بسطاء، وليس ذنبك أنك غني وأنيق ومتعلم، ولست أنت من يُقسِّم الأرزاق، وليس مطلوبًا أن نتألم من النعمة، بل نحن نحتاج فقط أن ننظر على الهامش، لعلنا نراهم بوضوح، فنتقاسم معهم الفرحة، فتحل على قلوبنا البركة، ونتوقف عن الشكوى بأننا رغم النعم لا نعرف طعم السعادة، لأن في الحقيقة؛ السعادة تختبئ هناك خلف وجوههم البسيطة، ولن نراها ونشعر بها إلا إذا نظرنا على الهامش.
حنان لاشين
كاتبة إسلامية ملقبة بأم البنين
- التصنيف: