تصميم الحياة (لماذا هذا الكتاب؟)

منذ 2015-03-22

نقدّمُ للقارئ العربي واحدًا من أهم الكتب المصنفة في نقْد نظرية التطور كتابَ (تصميم الحياة). والدافع لنقل هذا الكتاب إلى العربية هو شعورُنا بحاجة الكثيرين من المهتمين من باحثين وطلاب علم ومشتغلين بنقْد الأطروحات الإلحادية على وجه الخصوص إلى موارد أصلية تكفيهم النقل عن الوسائط، وترفعُ عنهم عناءَ الحصول على المعرفة التي من شأنها أنْ تذلل تصور القضايا المراد معالجتها ومناقشتها..

بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد..
نقدّمُ للقارئ العربي واحدًا من أهم الكتب المصنفة في نقْد نظرية التطور كتابَ (تصميم الحياة).
والدافع لنقل هذا الكتاب إلى العربية هو شعورُنا بحاجة الكثيرين من المهتمين من باحثين وطلاب علم ومشتغلين بنقْد الأطروحات الإلحادية على وجه الخصوص إلى موارد أصلية تكفيهم النقل عن الوسائط، وترفعُ عنهم عناءَ الحصول على المعرفة التي من شأنها أنْ تذلل تصور القضايا المراد معالجتها ومناقشتها، ومن ثَمَّ إصدار أحكام مناسبة عليها نفيًا أو إثباتًا أوْ حتى التوقف إنْ قضى بذلك النظر وأدّى إليه الاجتهاد.

موضوع هذا الكتاب هو نقْدُ نظرية التطور الدارويني.
ويميل كثير من الكتّاب إلى التفريق بين نظرية التطور مطلقة ونظرية التطور مقيدة بقيد (الداروينية)؛ ولهذا مناسبةٌ هي أنَّ هناك من لا يمانع في أنْ تكون آليةُ التطور موجّهة مدبّرة من قبل خالق عليم، مما يستلزم بطبيعة الحال رفض القيد المذكور. إذ أنَّ آليةَ التطور حين تكون داروينيةً فإنَّها تكونُ تحت رحمة الصدفة والعشوائية، وتصبح مظاهر التصميم [1]، فيها تجليات وهمية لا حقيقية، بحيث يجب أنْ تُؤوَل بإرجاعها لأصلها المُحكم -في نظر الملحد خصوصًا- ألا وهو أصْلُ الصدفة والعشوائية [2]، على أنَّ هذا لمْ يمنعْ وجود تطوريين مؤمنين بالتطور الدارويني الأرثودوكسي ووجود الخالق، كالتطوري (كينيث ميللر Kenneth Miller).

هذا الأخير يجوّز -بل يعتقد- أصالة الصدفة والعشوائية في عمل آليات نظرية التطور، ولا يرى في ذلك مضادة للإيمان بوجود الخالق أوْ لا يلزم من تصور ذلك محال لذاته، كما يقول النُظَّار، ولكن يتعين التنبيه على أن تصور قضايا مثل هذه المواضيع يتأثر تأثرا مباشرا بخلفية الفرد الدينية وتجربته الروحية، ولا يخفى على كثير من القراء الإشكالات العويصة في الإرث اليهودي النصراني [3]، سواء فيما يتعلق بتصور الإله، وقصّة الخلق، أو ما يتعلق بطبيعة الجهاز التأويلي المُسلّط على نصوص العهدين القديم والجديد، ناهيك عن تعرّض الديانتين ونصوصهما معا للتحريف والتبديل باعتراف أساطين الدراسات التاريخية في الغرب قبل غيرهم [4].

وكما أكّدنا في تقديمنا لكتاب (أيقونات التطور) [5]: "من القضايا الكبيرة التي لم يخبُ أوارها منذ عصر التنوير الأوروبي إلى هذه الساعة قضية العلاقة بين الدين والعلم، أو لنقُل العلاقة بين النص الديني والمسألة العلمية. والقضية المطروحة بين أيدينا في هذا الكتاب قضية متفرعة عن تلك القضية الكبرى، بل هي اليوم من أهم تلك القضايا وأكثرها حساسية على الإطلاق، إنَّها قضيةُ نظرية التطور بشكل عام، ونظرية التطور الدارويني بشكل خاص. تكتسب هذه القضية أهميتها الكبيرة وحساسيتها البالغة من جهتين؛ من جهة إيحاءاتها وتداعيتها الدينية المباشرة، ومن جهة تأثيرها في تشكل المعرفة الإنسانية وتصريف السعي البشري ككل".

ولكن ما المشكلة على وجه التحديد في هذه القضية بالذات؟
المشكلة هي أنَّ الاحتفاء بنظرية التطور الدارويني لا يجدُ عند التحقيق الفاحص المنصف سندًا كافيًا من الأدلة المقدمة على صحتها، إن نظرية التطور في وضعها الراهن -وضع وصفه عالم الكيمياء الحيوية مايكل دنتن بالأزمة [6]- أشبه بالطعام الذي لمْ ينضجْ فحسبْ وإنِّما لمْ يُطبخْ أصلًا ويراد للآخرين أكله ولو بالقوّة.

القضية المشكلة الأخرى في هذا السياق هي أن موقف كثير من الناس من هذه النظرية هو موقف المتلقي السلبي، الواثق ثقة تامة في نزاهة المؤسسات الأكاديمية ومخرجات الدراسات العلمية، وقد كُتبت في هذا الإشكال أيضًا -إشكال تحيز النظريات العلمية وانصياع الجماهير لكلمة أصحابها- مئاتُ الكتب والمقالات العلمية [7] من أجل هاتين القضيتين المشكلتين ألَّف الرياضي والفيلسوف (وليم ديمبسكي) مع زميله (جوناثان ويلز) دكتوراه في البيولوجيا الجزيئية والخلوية كتاب (تصميم الحياة) الذي بين أيدينا لمعالجة المشكلة الأولى، بينما أفرد ويلز معظم كتاب (أيقونات التطور) لمعالجة المشكلة الثانية.

يقدّم أنصارُ الداروينية التطور لا كنظرية يُمكن مناقشتها والحوار بشأن أدلتها، وإنما كمسلّمة أو حقيقة لا ينكرها إلا جاهل أو متعصّب [8]، ولأحدنا أن يتساءل: هل يُعقل أن يُصرّ أولئك على موقف كهذا من غير دليل؟

والجواب: أنَّ النزاعَ ليس مع حقِّهم في الإصرار، مهما بدا بريئًا وموشحًا بالزي الرسمي على صحة موقفهم، وإنَّما في دعواهم أنَّ لحقهم في الإصرار أدلّة لا تقبل الجدل لأنَّها باتتْ حاسمةً ومحسومةً معا؛ حاسمةً في الدلالة على صحة نموذج التطور الدارويني ومحسومةً بإجماع العلماء المعتبرين على صواب تلك الأدلة وعلى صحة الإطار التفسيري الدارويني ككل.

ولكنّ هذا غير صحيح عند العارفين بواقع النظرية وحقيقة ما يجري في أوساط العلماء وأروقة المؤسسات العلمية. إنَّ المزاعمَ السابقةَ لا تتجاوز خانة الحجاج الخطابي، أو الجدلي الناقص في أحسن الأحوال [9]؛ بل يجوز لنا القول: إنَّ بعضهم في جحدهم لشهادات ذوي الاختصاص [10]، وتجاهلهم لأدلتهم، قد وقعوا في ضرب من الحجاج الشاعري الفجّ تارة والسوفسطائي تارة، علموا ذلك أمْ لم يعلموا؛ شاعري بالدعاية الدرامية اللاّمشروطة لنظرية التطور الدارويني أمام تواتر شهادات الخبراء بعجزها عن معرفة أصل الحياة وفشلها في تفسير ظهور الأنواع، وسوفسطائي بالتمويه على الناس أمام الأدلّة التي يقدمها أولئك الخبراء على ضعف إطارها التفسيري ككل.

نحن كمسلمين نشكّل حالة خاصة في موقفنا من نظرية التطور، وهذا راجع لطبيعة النصوص الشرعية الإسلامية وفرادة الإرث العلمي النابع منها، والحق أن مطلب الكتابة المتقصية العادلة في موضوع العلاقة بين النص الشرعي الإسلامي ونظرية التطور الدارويني خاصة والنظريات العلمية عامة من أولى الأولويات، وآكد المهمات؛ لا سيما مع هذا الافتتان الخانع بكل ما تحمله النظرية، والهجوم اللاذع على من يحاول المساس بها.

ليس هذا موضع الكتابة المتقصية العادلة في هذا الشأن، ولا حتى التعرُّض المجمل لذلك.. ولكن! بالإضافة لما سيجده القارئ المنصف في هذا الكتاب، أرى من واجبي كمسلم أن أنبّه على جزئية لا ينبغي أن تهمل، ألا وهي محاولات الجمع بين النصوص الشرعية الإسلامية ونظرية التطور الدارويني بل نظرية التطور الموجّه أيضًا.

أرى أن هذه المحاولات المستميتة تقفز على الواقع، كما يقال، ولا تأخذ في الاعتبار، سواء عن قصد أو من دون قصد، كافة العوامل المؤثرة في تصور أبعاد الموضوع قبل الحكم عليه بنفي أو إثبات، وأشير هنا إلى عامل مجمل مؤثر، والعوامل المؤثرة كثيرة [11]، لا يَكاد يُلتفت إليه -على بساطته وأهميته معًا- في محاولات الجمع تلك، ألا وهو عامل انحطاط النظرية العلمية عن رتبة التعارض المحقق مع النصوص الشرعية.

ومرادي بهذا أن هناك ظروف وقوادح تمنع نظرية ما من النظريات العلميّة من أن تنتهض سببًا لإيجاب الجمع بينها وبين النّصوص الشرعية، فضلاً عن أنْ تنتهض سببًا لتأويل تلك النّصوص، أو ردّها ومعارضتها من باب أولى، من هذه القوادح المؤثرة، والقوادحُ المؤثرة أيضًا كثيرة، عدم إجماع الخبراء على صحّتها أو كفايتها، فكيف إذا وُجد في الخبراء من يقدح فيها جملة، ويقدّمُ أدلّته على قصورها أو بطلانها؟ هذا ما ينطبق على نظرية التطور هنا، بصورتيه: الدارويني والموجّه.

من المعلوم لدى كافة الملمّين بنظرية التطور أنّ َمعرفة ما هية "النوع" من أهم مطالب النظرية، إذ عليها يتوقف رسم خريطة العلاقات بين أشكال الحياة الرئيسية، وأهم من معرفة ماهية النوع تفسير ظهور الأنواع أو (الانتواع speciation)، فهو من أهم ما تسعى النظرية لتفسيره، بل هو أهم مطالبها على الإطلاق لأنه غايتها، ولذلك عنون داروين لكتابه بعنوان (أصل الأنواع)، ومع ذلك لم يفسّر الكتاب كيف ظهرت الأنواع، ولا هو عني بذلك أصلاً.

يختصر التطوري (إدوارد وايلي Edward O. Wiley) آخر ما وصلت إليه النظرية بشأن هذين المطلبين الجوهريين، فيقول: "لقد قُتِلت هذه العملية -أي: الانتواع- بحثًا، والحق أنَّ إشكالَ ما هو النوع، وإشكال كيف ظهرت الأنواع، بعيدان عن الحل" [12].

حسنًا، لننتقل إلى قادح آخر، ماذا عن أهم ركنين قامتْ عليهما النظريةُ في تفسير ظهور الأنواع، ألا وهما الطفرات والانتخاب الطبيعي؟ لا حظ أيُّها القارئُ أنَّنا لا نتحدث هنا عن حقائق هامشية في النظرية وإنَّما عن مفاهيم بنيوية، أيْ مفاهيم في صلب النظرية، بحيث إنَّ أضعف قدح فيها يفوق في الأثر والتداعيات أقوى قدح فيما هو أدنى منها، إذ في إبطال الأصول إبطال للفروع كما هو معلوم، وفي القدح فيها قدحٌ في الفروع ولا بد، بلا عكس بالضرورة..

ثم كيف إذا كان الأمر ليس مجرد خلاف عابر وإنما هجوم مباشر على تلك المفاهيم البنيوية التي لا قوام للنظرية في صورتها المعيارية إلا بها؟ ثم كيف إذا كان الهجوم المباشر لا من قِبل المناوئين للنظرية فحسب وإنَّما من قبل المنتظمين في سلكها أيضًا؟ اختلف جمهور التطوريين حول وظيفة الانتخاب، فمن قائل: "إنَّ وظيفتَهُ الأساسية استئصالية عدمية"، إلى قائل: "بأنَّ وظيفته خلاّقة وجودية"، إلى قائل بأنَّ وظيفته الأمرين معا"، إلى هنا لا خطر يحدق بمفهوم الانتخاب الطبيعي..

ولكن التطوري (وليم بروفاين) لديه رأيٌ آخر؛ يعتقد بروفاين أن: "الانتخاب الطبيعي لا يعمل على أي شيء، فلا هو ينتخبُ لصالح شيء أو ضده، ولا هو يقهر، ولا يُكثّر، ولا يخلق، ولا يعدّل، ولا يُشكّل، ولا يشغّل، ولا يقود، ولا يصطفي، ولا يحافظ على شيء ما، ولا يدفَع، ولا يكيّف، الانتخاب الطبيعي لا يقومُ بشيء" [13].

بل إنّ الداروينيَيْن الملحدَين (جيري فودور، وماسيمو بياتيلي) بالماريني، لم يجدا بدًا من تخطئة داروين رأسًا، وصنَّفا في تهافت مفهوم الانتخاب الطبيعي كتابهما (الأمر الذي أخطأ فيه داروين)، وكان مما صدّرا به كتابهما التالي: "هذا ليس كتابا عن الله، ولا عن التصميم الذكي، ولا عن الخلق، ليس أيا من أحدنا متورطٌ في شيء من ذلك، لقد ارتأينا أنه من المستحسن أن نوضح هذا منذ البداية، لأن رأينا الأساسي فيما سيأتي يقضي بأن هناك خطأ ما -وربما خطأ لدرجة قاتلة- في نظرية الانتخاب الطبيعي" [14].

إن الأمر بشأن حقيقة نظرية التطور لم ولا ولن يتوقف عند هذا الحد. النقولات تطول، والإشكالات النظرية والعملية عديدة، النظرية في أزمة بحق، كما وصفها مايكل دنتن ذات يوم، والكتاب الذي بين أيدينا من شأنه أن يعزز هذه القناعة في عقل كل منصف يُقدّر الأشياء بقدرها، ولذلك عطفا على مسألة الجمع بين النظرية ونصوص الشرع..

أعود فأقول: ما زال من المبكّر جدًا، بل من الخطأ الواضح، أن نستنطق نصوص الشرع بما يمكن أن يدل على نظرية التطور في وضعها الراهن، فإنَّ أقلَّ ما في هذا الصنيع من الضرر هو حمل الشرع على مختلف فيه، وتأويل لا يلزم للنصوص في ضوء حق متوهم أو حقائق مظنونة، وأمّا من يصرُّ على أنَّ نظريةَ التطور حقيقةٌ قطعية، فيسلّطها على الآيات القرآنية والأحاديث النبوية بألوان التعسّف والتكلّف، فمشكلته من ضرب آخر، لا يناسبها إلا جلسات نقاش عميقة أو كتابات مطوّلة محرّرة. وكل هذا مما يليق بمناسبة أخرى غير مناسبة التقدمة لهذا الكتاب.

مع هذا الغموض الكبير الذي يحيط بنظرية التطور، ومع هذه الانقسامات الحادة في صفوف علمائها وخبرائها، لا أقلَّ من استصحاب الأصل العلمي -فضلا عن الديني- الأول لما تبدو عليه الأشياء في الواقع، الأصل الذي أكدته ظواهر نصوص القرآن وملاحظات كبار العلماء قبل داروين، الأصل الذي يقضي بأنَّ البرازخ العظيمة (great divisions) -كما يصفها مايكل دنتن- التي تفصل بين أشكال الحياة برازخ حقيقية لا وهمية، الأصل الذي لطالما قرره كل من (Georges Cuvier جورجيس كوفييه 1792م – 1832م)، أعظم علماء الحيوان والطبيعة في زمنه و(Roderick Murchison رودريك موركيسون 1871-1792م)، الذي لقّبه التطوري ستيفن جاي جولد بالجيولوجي العظيم [15]، وكذلك (Louis Agassiz لويس أجاسيز 1807م – 1873م)، من أعظم البيولوجيين والجيولوجيين في وقته، جميعهم أساتذة لتشارلز داروين، واحتج بهم في (أصل الأنواع)، وأثنى عليهم ثناء عطرًا [16].

كل هؤلاء دفعتهم مُشاهداتهم إلى الإيمان بما صدع به (موركيسون) من أنَّ: "الدلائل المبكّرة على أشكال الحياة ناطقةٌ بما فيها من تعقيد وتنظيم عاليين، لتستبعد بالكلية فرضية تحوّلها بالترقي من رتبة أدنى إلى رتبة أعلى في الوجود"، وأنَّ: "أمر الخلق الأول حين انبرامه قد أمَّن من دون شك للحيوانات تكيُّفًا مثاليًا مع محيطها" [17]؛ وكأنّي به يحوم حول معنى هذه الآية البليغة: {قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} [طه:50].

قبل الختام، بقي أنْ أنبه على ثلاث مسائل مهمة.
الأولى: كما وعدتُ سابقا تتعلق بمصطلح (التصميم الذكي Intelligent Design).
والأخرى: لها تعلق بنشاط ترجمة الكتب الأجنبية إلى العربية.
والثالثة: متعلقة بترجمة هذا الكتاب.

أما المصطلح فمشكل من جهة إيحاءاته العقدية، نعم للبعض أنْ يتَسمَّح ويقول: "إنَّ ما يدخل في باب الإخبار عنه تعالى أوسع مما يدخل في باب أسمائه وصفاته" (ابن القيم الجوزية، فائدة جليلة في قواعد الأسماء الحسنى، دار غراس، ص24)، وهذا صحيح، ولكن على شيء من التحفّظ هنا.

وأيًّا ما كان الأمر، متى أمكن الاستغناء عن اللفظ الحادث بلفظ شرعي صحيح تعيّن ذلك، وكان مما خطر لي، واستشرت فيه بعض الفضلاء فوافقني عليه وأيدني فيه، استعمال تعبير (الصُنْع المتقَن) بدلاً من (التصميم الذكي)، أولاً: لأصله القرآني.. وثانيًا: لما فيه من الاستغناء عن الإيحاءات المشكلة للتعبير الأجنبي، وما يترتب عليها من ضرورة التحوط والتحرز.. فإنْ كان هذا مما يوافقني عليه القراء فالحمد لله، وأدعوهم لاستعماله وإشاعته وإشهاره، وإنْ كان مما لا يوافقوني عليه، فشأن العبد الضعيف، ويسرُّني استقبال أيّ تعديل أو تصويب.

بخصوص المسألة المتعلقة بترجمة الكتب الأجنبية إلى العربية، أود التأكيد على ضرورة الالتفات للمقصد الشرعي، واستحضاره من غير غلو، ومما أعجبني في هذا الصدد، واستروَحَتْ إليه نفسي إرشادُ (ابن تيمية) إلى الانفتاح الواعي المتبصّر على ما يُحتَاج إليه المسلم من كُتب القوم..

قال رحمه الله: "يقرأ المسلم ما يَحتاجُ إليه من كتب الأمم وكلامهم بلغتهم، ويترجمها بالعربية" (مجموع الفتاوى:3/ 306). ومتى كانت الحاجة هي الضابط أمكننا أنْ نحققَ المقصد الشرعي بالسبب الدنيوي المناسب، من غير إفراط ولا تفريط، وهذا بطبيعة الحال يفرض حُسن الانتقاء، وتحمُّل المسؤولية أمام الله فيما يقدَّمُ للمسلمين في أمر دينهم ودنياهم، أما إغراق الأسواق بكل ما هب ودب من التآليف المصنَّفة، فضلاً عما اتفق من الكتب المترجمة، فخلل شرعي وضلال ثقافي.

أما ترجمة هذا الكتاب، فأتوجه بالشكر الخالص لله أولًا على أنْ يسّر إتمام هذا العمل ثم بالشكر الصادق لفريق الترجمة والمراجعة والتنسيق على ما بذله من جهد كبير في وقت قصير، وتحت ظروف مادية وشخصية صعبة، أسأل الله أنْ يبارك فيهم وينفع بهم.

وأخيرا أتوجه إلى القارئ الكريم برجاء، وهو إن وجد نقصًا أو خطأ فهذا متوقع في ظل الظروف التي عمل فيها أفراد الفريق، وأحسبهم قد سددوا وقاربوا ولا أزكيهم، فلا يضرّسنا القارئ بأنياب أو يطأنا بمنسم، ولينصح ونحن إن شاء الله نحب الناصحين وله داعين، والحمد لله رب العالمين.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] سيكون لنا وقفة مع هذا الاصطلاح بعد قليل.
[2] عندهم عامل الصدفة Chance أساسي في تفسير أصل الحياة، وعامل العشوائية Randomness أساسي في تفسير ظهور الأنواع Speciation.
[3] كينيث ميللر مسيحي كاثوليكي.

[4] يُنظر دراسة المؤرخ الإيطالي الكبير رافائيل بتّازوني.
Pettazzoni، Raffaele (1946) The Pagan Origins of the ThreeHeaded Representation of the Christian Trinity. Journal of the Warburg and Courtauld Institutes، Vol. 9، (edit.)، p.136.

ودراسة تيموثي جريجوري:Gregory، Timothy E. (1986) The Survival of Paganism in Christian Greece A Critical Essay. The American Journal of Philology، Vol. 107، No. 2، (Summer)، p 235236 كلتاهما عن الأصول الوثنية لمفهوم التثليث وغيره من المفاهيم المتسرّبة للإرث النصراني. وكذلك دراسة يعقوب نيوسنر وموضوعها الديانة اليهودية:
Neusner، Jacob (1963) Jewish Use of Pagan Symbols after 70 C.E.، The Journal of Religion، Vol. 43، No.4، (Oct.)، p. 278، 288، 289، 293. University of Chicago Press.

أما بخصوص تحريف الكتاب المقدس واشتماله على ما ليس منه فدراسة آرثر واثام جديرة بالاهتمام:
Watham، Arthur E. (1910) The Bible in the New Light، Biblical World Journal، Vol. 36، No. 1، p 49. وفي الصفحات الأُوَل من كتابي The Only Way Out وهو متوفّر على الشبكة العنكبوتية نصوصٌ مختارة من هذه الدراسات حول ذات المواضيع.

[5] ينظر مقدمة كتاب "أيقونات التطور" من إصدارات مركز براهين.
[6] Denton، M. (1985) Evolution: A Theory in Crisis. Adler & Adler.
[7] راجع مقدمة كتاب "أيقونات التطور".

[8] يُنظر فصل: الصورة النمطية في فيلم (يرِثُ الريح Inherit the Wind) من هذا الكتاب.
[9] في المنطق وعلم الكلام الدليل الخطابي ما كانت مادته مشهورة، والجدلي ما كانت مسلّمة؛ ولكنهم لا يعنون بكونها مسلمة أنها ثبتت في نفس الأمر، ثبوت الضروري أو البرهاني. ولهم فيها اصطلاحات أخر. وسيمر معنا في الكتاب الحالي مواضع حاكم فيها التطوريون والقائلون بالتصميم صحة النظرية إلى قوانين المنطق، مما يدل على اعتبار هذهالقوانين عندهم في تقييم النظرية، وعدم اكتفائهم بالتجربة. ولهذا دلالات مهمّة كما لا يخفى.

[10] سواء من المؤيدين للنظرية في الجملة مثل لين مارغيوليس ووليم بروفاين وجيري فودور وغيرهم، وهي شهادات من الداخل كما يقال، أو من المناهضين لها مثل ديمبسكي وماير ودنتن وبيهي وغيرهم.

[11] منها: التأهل العلمي الشرعي للشخص، ومدى إلمامه بواقع مناهج العلم الطبيعي، ومعرفته بالسياسات المعلنة وغير المعلنة للمؤسسات العلمية، ومدى قدرته على تمييز الظني واليقيني في النظرية العلمية (أيا كانت)، ومدى إحاطته بمواطن ودرجات الخلاف والوفاق بين العلماء إزاء نظرية ما، بل ومدى معرفته بنفسه وطبيعة تفكيره وحقيقة دوافعه الشخصية في تقبل نظرية ما أو رفضها، إلى غير ذلك من العوامل.

[12]Wiley، E. O. (1992) The Evolutionary Species Concept Reconsidered In: Ereshefsky، M. (edit.) The Units of Evolution: Essays on the Nature of Species; MIT Press، p. 79.

[13] Provine، W. B. (2001)The Origins of Theoretical Population Genetics. University of Chicago Press، 199.

[14] Fodor، J. & PiattelliPalmarini، M. (2011) What Darwin Got Wrong. Picador، p. 15.
[15] في كتابه: Wonderful Life: The Burgess Shale and the Nature of History، ص 56.

[16] نجد داروين في (أصل الأنواع) يصف كوفييه بالألمعي (Illustrious) في أكثر من موضع؛ أما موركيسون فيصف داروين عمله بـ "العظيم".
[17] Murchison، R. (1854) Siluria: The History Of The Oldest Known Rocks، London، p. 469.

• اسم الكتاب: تصميم الحياة: اكتشاف علامات الذكاء في النظم البيولوجية
• تأليف: د. ويليام ديمبسكي - د. جوناثان ويلز
• ترجمة: د. مؤمن الحسن - د. محمد القاضي - د. موسى إدريس
• مراجعة وتقديم: أحمد يحيى - عبدالله الشهري
• يصدر عن: مركز براهين لدراسة الإلحاد ومعالجة النوازل العقدية
• الناشر: دار الكاتب للنشر والتوزيع
• الطبعة: الأولى
• عدد الصفحات: 412 

عبد الله بن سعيد الشهري
المشرف العام على مركز براهين
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

عبد الله بن سعيد الشهري

كاتب و داعية إسلامي