التطبيع استراتيجية الاختراق الصهيوني

منذ 2015-03-26

إن اليهود مصرون على تحقيق هدفهم مستعينين على ذلك بتواطؤ الحكومات العربية إضافة إلى جدهم وجَلدهم، فمنذ الأيام الأولى لتأسيس (إسرائيل) صرح بن غوريون في كلمة موجهة إلى الطلاب اليهود بقوله: (إن هذه الخارطة ليست خارطة شعبنا، إن لنا خارطة أخرى عليكم -أنتم طلاب المدارس اليهودية وشبابها- أن تحولوها إلى واقع.

يعتبر هذا الكتاب من الكتب المهمة في هذا الموضوع؛ حيث إنه يجمع بين صغر الحجم نسبياً (256 صفحة من القطع المتوسط) وغزارة المعلومات والإحصاءات الموثقة المعروضة عرضاً جيداً من وجهة نظر إسلامية في عمومها ويتكون هذا الكتاب من مقدمة وسبعة فصول.

 ففي المقدمة ألقى الضوء على كارثتين ابتليت بهما الأمة في هذا العصر وهما إلغاء الخلافة الإسلامية ودور التآمر اليهودي والصليبي فيها، والثانية اغتصاب فلسطين وإقامة دولة اليهود فيها وما تبع ذلك من استغلال العشرات من الحركات والأحزاب المنحرفة لهذه الأحداث وإعلانها الوصاية على الشارع الإسلامي بادعائها العداوة مع اليهود ومقاومة الوجود اليهودي في فلسطين على الرغم من مدهم الأيدي لهم في الخفاء.

ولبيان منحنى العلاقات الظاهرة بين العرب ودولة اليهود عقد الكاتب الفصل الأول حيث بيَّن أن الإجماع العربي الرسمي على رفض الاعتراف بالعدو كان شاملاً منذ العام 1948 وحتى هزيمة 1967م باستثناء موقف الرئيس التونسي بو رقيبة، وكانت المقاطعة من أبرز ملامح هذه الحقبة؛ حيث اتخذ مجلس الجامعة العربية في أيار 1951م قراراً بإنشاء مكتب المقاطعة العربية لإسرائيل وقد أُنفقت أموال هائلة على جهاز المقاطعة، ولكنها لم تمنع تسرب البضائع الإسرائيلية إلى الدول العربية، وبالعكس وقد ازداد التسرب كثيراً بعد حرب 1967 م، فقد كان البترول العربي يستورد عن طريق طرف ثالث أو يفرغ مباشرة من الناقلات في عرض البحر، وكانت المنتجات الإسرائيلية تتسرب عن طريق دول مجاورة مثل إيران واليونان وقبرص، أو عن طريق مراكز تصديرية عالمية مثل تايوان وهونغ كونغ.

 وبدأت مرحلة جديدة بعد زيارة السادات للقدس، حيث برز اصطلاح جديد وهو التطبيع، وقد استعمله اليهود كثيراً على الرغم من المغالطة في المفهوم؛ حيث إن التطبيع هو عودة العلاقات إلى سابق عهدها، بينما الأصل في العلاقة مع اليهود هو العداوة كما قال تعالى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا اليَهُودَ والَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة: 82] ولا ينكر الساسة اليهود أن التصور الإسرائيلي للسلام مع العرب يدور حول فكرة أساسية هي تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية التي هي مرحلة من مراحل السيطرة اليهودية، ولا يمكن تصور أن زيارة السادات للقدس كانت وليدة خاطرة في ذهن الرئيس، بل إن الاتصالات الإسرائيلية كانت مستمرة بلا انقطاع مع أكثر من طرف عربي.

وما نشر وينشر من كتب موثقة حول لقاءات شخصيات وزعماء عرب مع زعماء اليهود يغني عن ذكر الأسماء، فالأمر أصبح واضحاً لكل ذي لب.

 وهناك صلات ودية حميمة بين بعض الزعماء وزعماء (إسرائيل) وقد سمحت بعض السلطات لليهود والذين يهاجرون إلى (إسرائيل) -بالاحتفاظ بجنسية البلد الذي غادروه، وكثير من مسؤولي (إسرائيل) الآن هم من ذاك البلد وقد طالب زعيم هذا البلد- في مقابلة مع صحيفة (السياسة) الكويتية - بالاعتراف بإسرائيل واعتبارها (حارة) لليهود في الدول العربية!

 وإذا كانت الاتصالات الإسرائيلية المارونية ليست محل استغراب فإن الاتصالات الفلسطينية الإسرائيلية توضح إلى أي مدى وصلت إليه القيادة الفلسطينية؛ حيث اشتمل الكتاب على حقائق وإحصاءات كثيرة، ويجدر الإطلاع عليها فهي تحتوي على معلومات عن مفاوضات ولقاءات كثيرة سواء بين أفراد أو بين وفود، منها ما هو سري ومنها ما هو علني.

أما الاتصالات المصرية الإسرائيلية فقد جرت بشكل سري في عهد عبد الناصر تحت إشراف أمريكي، وجاء السادات ليكمل المسيرة فبدأ بعملية إعداد إعلامي لترويض الشعب المصري وتصوير كل المصاعب بسبب الصراع، وأن السلام سيجلب الثراء، وبدأت العملية العلنية بمبادرة السادات في مجلس الشعب يوم 9/11/1977م؛ حيث أعلن فيها رغبته في زيارة القدس (وغزو العدو في عقر داره)! وبعد جولات من المباحثات تم التوقيع على معاهدة كامب ديفيد التي تعتبر مثالاً يُحتذى لأي معاهدة قد تجري بين العرب و(إسرائيل)، فهي تتعدى كونها معاهدة سلام إلى معاهدة يتم بموجبها فتح المنطقة أمام النفوذ والسيطرة اليهودية، ويمكن تلخيص مظاهر التطبيع بالآتي:  

1- التطبيع السياسي؛ حيث أرسيت علاقات دبلوماسية كاملة ولقاءات قمة متبادلة.

 2- التطبيع الاقتصادي؛ حيث تمت إزالة جميع الحواجز بل أصبحت (إسرائيل) الدولة الأولى بالرعاية.

 3- التطبيع الثقافي؛ حيث ينظر اليهود إليه على أنه الدعامة الرئيسة لبقاء السلام حيث يتم نزع العداء لليهود من العقل العربي.

 ومن مظاهر التطبيع يتبين لنا أهمية التطبيع الكبيرة بالنسبة للكيان اليهودي، حيث يتم كسر الحاجز النفسي بين المسلمين واليهود، وتنتهي المقاطعة العربية مما يفتح المجال لتوسع اقتصادي كبير في (إسرائيل) نتيجة فتح الأسواق العربية، وهناك أمر آخر هو أهمها وهو أن الاستقرار الأمني في المنطقة سيؤدي إلى سيل كثيف من هجرة اليهود إلى (إسرائيل)، مما يقرب اليهود من تحقيق حلم (إسرائيل) الكبرى؛ حيث إن قلة عدد السكان هو أكبر عامل يعرقل المشاريع اليهودية في المنطقة.

ويتبين من حرص اليهود على التطبيع بين مصر و(إسرائيل) عدة مظاهر خطيرة:  منها استغلال الدين وتطبيعه حيث تم تصوير زيارة السادات للقدس بأنها إحياء لسنة الرسول -صلى الله عليه وسلم- في صلحه مع قريش، وسنة صلاح الدين في دخوله القدس وقد أصر اليهود على منع بث السور التي تتحدث عن اليهود وحذف الآيات التي تفضح اليهود من الكتب الدراسية، وكذلك منع البرامج الدينية التي تتناول قصص اليهود والواردة في القرآن، وأخيراً تأليب النظام على الحركة الإسلامية.

 وبعد أن تم توقيع الاتفاقية الثقافية الملحقة بكامب ديفيد في 8/5/1980م أسرعت الحكومة المصرية وقامت بمراجعة شاملة لمناهج التعليم في مصر وتعديلها لتلائم المرحلة الجديدة، وبالطبع لم يتم شيء من هذا في الجانب اليهودي.

إن اليهود مصرون على تحقيق هدفهم مستعينين على ذلك بتواطؤ الحكومات العربية إضافة إلى جدهم وجَلدهم، فمنذ الأيام الأولى لتأسيس (إسرائيل) صرح بن غوريون في كلمة موجهة إلى الطلاب اليهود بقوله: (إن هذه الخارطة ليست خارطة شعبنا، إن لنا خارطة أخرى عليكم -أنتم طلاب المدارس اليهودية وشبابها- أن تحولوها إلى واقع.

يجب أن يتسع شعب (إسرائيل) من النيل إلى الفرات)!

 إن حلقات هذا المسلسل لن تنتهي إلا بتحقيق موعود الله تعالى لهذه الأمة على لسان نبيها بأن تحصل المجابهة النهائية بين اليهود وبين جند الإسلام؛ حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود؛ فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي وراء الحجر والشجر فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي فتعالَ فاقتلْه..)) رواه مسلم والترمذي.

فما يحصل الآن هو بشارة لهذه الأمة بعودة دولة الإسلام وإن الله جامع اليهود ليوم الملحمة.


غسان حمدان