أتباع الإمام محمد عبده واستشراقياتهم تجاه القرآن

منذ 2015-03-26

يحتل الإمام "محمد عبده" مرتبة القيادة بآرائه الحقة والشاذة، فما سنه الأستاذ فالطلاب تبع له، بل ربما يفوق التلميذ أستاذه أحياناً، وهذا هو الواقع العملي الملموس من أتباع الإمام تجاه القرآن الكريم.

يحتل الإمام "محمد عبده" مرتبة القيادة بآرائه الحقة والشاذة، فما سنه الأستاذ فالطلاب تبع له، بل ربما يفوق التلميذ أستاذه أحياناً، وهذا هو الواقع العملي الملموس من أتباع الإمام تجاه القرآن الكريم.

فقد بنى الضالون من أتباع الإمام كثيراً من آرائهم علي الإشارات التي أومأ بها الإمام من غير قصد إلا أنها قدمت لهؤلاء أرضاً صلبة يبنون عليها معتقداتهم النتنة، ومن أبرز تلك الآراء: نقد القرآن الكريم ونزع الثقة من لفظه وأحكامه ومعناه وسلب نسبته من الله وإلصاقها بمحمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -، وإليك أبرز هؤلاء:

"توفيق الحكيم" وموقفه من القرآن الكريم:

يقطع "توفيق الحكيم" أن أسلوب عرض الرسالة متروك للرسل ومن بينهم محمد - صلى الله عليه وسلم - يختار الطريق الذي يراه مناسباً "....يجب النظر في قضية أخرى، هل للطبع والمزاج والخُلق الذي ركب عليه النبي أو الرسول أثر في أسلوب رسالته؟ وهل لظروف العيش الذي نشأ عليها النبي دخل في اتخاذ القالب الذي أفرغ فيه موضوع النبوة؟ إن أجب على ذلك بالإيجاب فإن التبعة في أسلوب الأديان تقع بلا مراء على كاهل الأنبياء، والنبي إذن مسئول عن الطريق الذي اتبعه للإبانة عن الحق مسؤلية ملقاة على شخصيته، التي صبغت الشريعة بصبغتها" (مجلة الرسالة ج: 1، ص:525).

"زكي مبارك" وصياغة القرآن:

يضع "زكي مبارك" صياغة القرآن في صورة تساؤل، ولولا عقاب الدولة لصرح أن منشأ القرآن هو محمد - صلى الله عليه وسلم – "ولكن ما هي العظمة في خلقك أيها الرسول....، أنت رويت القرآن عن جبريل فيما يقول المؤمنون، وأنشأت القرآن فيما يقول الملحدون، ...وأين الرجل الذي يَدِيْنُ نفسه بنفسه، كما صنعت أنت، حين رويت القرآن، أو حين أنشأت القرآن، لقد وَضَعْتَ أعظم دستور للسريرة البشرية،....، وصار من السهل أن أحكم بأن النبوة عهد من عهود العظمة، في الطبيعة الإنسانية، ولولا خوف الفتنة لازددت هذا المعنى تفصيلاً" (مجلة الرسالة ج:7، ص: 509).

"أحمد حسن الزيات" وموقفه من القرآن:

يرتبط بقاء معجزة القرآن عند "أحمد حسن الزيات" رئيس مجلة الرسالة إلى الأبد -سابقاً ولاحقاً- وعدم معارضة أحد له إلى تورع المسلمين، وخوفهم من أن يطلق عليهم لقب مجاراة القرآن.

"والقرآن باعتباره كتاباً أحكمت آياته، ثم فصلت من لدن حكيم خبير، لا يجرؤ النقد البياني على أن يطير في جنباته، وباعتباره معجزة الرسول تحدى به العرب أن يأتوا بسورة من مثله تورع المسلمون أن يقلدوه فراراً من تهمة المعارضة، وتنزيهاً لكلام الخالق أن يتشبه به كلام المخلوق... ومما لا ريب فيه أن بعض المشركين قد عارضوه إبطالا لحجته.... ولكن الرواة اغفلوا ذلك إما تورعاً وإما ترفعاً"

(راجع" تاريخ الأدب العربي).

"مصطفى عبد الرازق" وموقفه من القرآن:

تجرأ "مصطفى عبد الرازق" فوصف الرسالة بأنها من عند الرُسُل أنفسهم، لصفاء عقولهم، فلما أيقنوا من ذلك نسبوه إلى الله "..وأما الرسل فما أراهم إلا رجالاً من صفوة الأمم، وُهِبوا أنفساً كبيرة، وعقولاً راجحة، فعملوا على إسعاد الناس، وتقريبهم من الخير، ووضعوا لذلك قوانين هُدوا إليها كما يهتدي الحكماء إلى وضع قواعد لإصلاح المجتمع الإنساني، أو إلى كشف ما خفي عن غيرهم من أسرار الكون. ولما رسخ في يقينهم أن ما وصلت عقولهم الصافية إليه هو الحق قالوا إنه من الله وسموه وحياً وكأنما قولهم هذا من باب ثقة العالم بعلمه، ولكنه لا يجعل آراءهم وما جاءوا به بنجوة من تمحيص العقول".

"دريني خشبه" وموقفه من القرآن:

يومئ "دريني خشبه" في مقاله بمجلة الرسالة إلى أن القرآن عمل أدبي، وإن محمداً أعظم الأدباء "ثُم ها هم الأنبياء جميعاً فمن منهم تحدى قومه بقوة البيان، وصوغ الكلام وإعجاز الأسلوب، وما ذلك كله إن لم يكن أدبا، وماذا يكون صاحبه إن لم يكن سيد الأدباء".

"الدكتور طه حسين" وموقفه من القرآن:

أما "طه حسين" فهو أجرم هؤلاء، وأجرأهم جميعاً على الله وعلى دينه، وقد وصلت به الجرأة إلى أن يملي على طلابه "إن في القرآن أسلوبين مختلفين كل الاختلاف، أحدهما: جاف وهو مستمد من البيئة المكية، ففي هذا الأسلوب تهديد ووعيد وزجر وعنف وقسوة وغضب وسباب تبت يدا أبي لهب.... وغير ذلك من الآيات التي تمتاز بكل مميزات الأوساط المنحطة، فلما هاجر النبي إلى المدينة تغير الأسلوب بحكم البيئة أيضاً، فقد كان في المدينة طوائف من اليهود وبينهم التوراة، فأصبح ذلك الأسلوب ليناً وديعاً مسالماً تلوح عليه أمارات الثقافة والاستنارة".

وكتاب الدكتور (في الأدب الجاهلي) أسوأ كتاب في الموضوع، وسحب من أسواق مصر بعد التوزيع ثم نشر بعد تعديل باسم (في الشعر الجاهلي)، ومن أحب أن يعرف موقف الدولة المصرية من الكتاب آنذاك فليراجع (مجلة الفتح ج: 6، ص: 651).

وتصل به الجرأة إلى حد الهَوَس والوَلَه فيحث طلابه في الجامعة على نقد القرآن، ويحرضهم على تسجيل رأيهم فيه حسب معايير العلوم البشرية من النحو والبلاغة والصرف..... "ليس القرآن إلا كتاباً ككل الكتب الخاضعة للنقد، فيجب أن يجري عليه ما يجري عليها، والعلم يحتم عليكم أن تصرفوا النظر عن قداسته التي تتصورونها، وأن تعتبروه كتاباً عادياً، فتقولوا فيه كلمتكم، ويجب أن يختص كل واحد منكم بنقد شيء من هذا الكتاب، ويبين ما يأخذه عليه، من الوجهات اللفظية والمعنوية والتفكيرية"

النتيجة:

وأنتجت مثل هذه الجرأة أمثال :الدكتور محمد أحمد خلف الله أفندي" الذي قدم أطروحة الدكتوراه بعنوان (الفن القصصي في القرآن) فَكَذَّبَ أن تكون كل أحداث القرآن قد وقعت، "بل قد تكون فرضيات ومتخيلات، ولا يلزم أن يكون الأشخاص قد وُجِدُوا، ولا يلزم في الحوار أن يكون قد وجد، وإن من ذلك قوله - تعالى –(وهل أتاك نبأ الخصم إذ تصوروا المحراب)"، وإن الآيات قصة تمثيلية  ما ذكرته جزء يسير من رموز الاستشراق ممن ينتسب إلى الإسلام، وجل هؤلاء متخصص في الأدب لا صلة له بالعلوم الشرعية حققوا للغرب أهدافهم التي عجزت جيوشهم ومدافعهم وطائراتهم... عن تحقيقها.

رغم كل ذلك تظل ثقة المسلمين في قرآنهم وسنة نبيهم راسخة وباقية ما بقي الليل والنهار؛ لكفالة الله بحفظهما (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون).

اللهم اهد ضال المسلمين، ورده إلى كتابك وسنة نبيك إنك قادر حكيم.