الحوار بين المسلمين والنصارى
فمنذ قرابة نصف قرن تدور رحى نازلة في فناء المسلمين، ألقتها بين ظهرانيهم الدوائر الكنسية الغربية، الممثلة بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ومجلس الكنائس العالمي، وما يرتبط بهاتين المرجعيتين من معاهد ومراكز. تلك هي نازلة الدعوة إلى (تقارب الأديان).
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، القائلُ - سبحانه -: (إن الدين عند الله الإسلام) آل عمران: 19، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، القائلَ: (والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحد من هذه الأمة؛ يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار) رواه مسلم. أما بعد:
فمنذ قرابة نصف قرن تدور رحى نازلة في فناء المسلمين، ألقتها بين ظهرانيهم الدوائر الكنسية الغربية، الممثلة بالكنيسة الكاثوليكية الرومانية، ومجلس الكنائس العالمي، وما يرتبط بهاتين المرجعيتين من معاهد ومراكز. تلك هي نازلة الدعوة إلى (تقارب الأديان).
وقد تسمَّت هذه الدعوة بمسميات متفاوتة عبر العقود المنصرمة:
1- ففي عقد الستينيات، والسبعينيات الميلادية كانت تسمى (التقارب الإسلامي المسيحي).
2- وفي الثمانينيات، لُطِّفت إلى (الحوار الإسلامي المسيحي) دفعاً لتهمة التلفيق بين الأديان.
3- وفي التسعينيات، اتسعت الدائرة في ظل الحديث عن التطبيع مع اليهود، واتفاقيات أوسلو، لتصبح (حوار الديانات الثلاث) أو (الأديان الإبراهيمية).
4- ومع هبوب رياح العولمة، والرغبة في ضم الديانات الوثنية، في مطلع الألفية الثالثة، جرى الحديث عن (حوار الحضارات).
وليس الشأن في (الحوار)! فنحن - المسلمين - أسعد الناس بالحوار، بل نحن أصحاب المبادرة إلى الحوار؛ فقد أمرنا ربنا أن نبادئ أهل الكتاب به، فقال: (قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون) آل عمران: 64، وأدَّبنا بأدب الحوار، فقال: (ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلاهكم واحد ونحن له مسلمون) العنكبوت: 46، وإنما الشأن في أهداف الحوار ومضمونه.
حقيقة (الحوار) عند النصارى:
أطلق المجمع الفاتيكاني الثاني المنعقد في مدينة «روما»، في الفترة الممتدة من 1962م إلى 1965م، عقال الكنيسة الكاثوليكية في نظرتها وتعاملها مع الآخرين المخالفين، من النصارى أتباع الكنائس الأخرى، وغير النصارى من اليهود والمسلمين، بل والوثنيين والعلمانيين.
فبعد ما يقرب من أربع سنوات من المداولات والمجادلات، بل والنزاعات بين التيار المحافظ والتيار التقدمي، تبنت الكنيسة الخيار التقدمي المنفتح على الآخرين، مما يعد «تطويراً لاهوتياً» في هذا المجمع. فبعد أن كانت الكنيسة ترى أنها وحدها تمتلك «الحقيقة المطلقة»، وأنه لا سبيل إلى «الخلاص» إلا عن طريقها، أبدت قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني مرونةً وتنازلاً عن هذه المعتقدات العتيدة التي كانت الأساس في القرون السابقة لقرارات الحجب والحرمان.
جاء في أول دساتير المجمع (الكنيسة: دستور عقائدي) فقرة 16: (...بيد أن تدبير الخلاص يشمل أيضاً أولئك الذين يؤمنون بالخالق، وأولهم المسلمون الذين يعلنون أنهم على إيمان إبراهيم، ويعبدون معنا الله الواحد الرحمن الرحيم، الذي يدين الناس في اليوم الآخر)[1].
وفي البيان المتعلق بعلاقة الكنيسة بالأديان غير المسيحية: (.. والكنيسة الكاثوليكية لا تنبذ شيئاً مما هو في هذه الديانات حقٌ ومقدس، وتولي تقديرها باحترامٍ صادق هذه الطرق المسلوكة في العمل والحياة، وهذه القواعد والتعاليم التي وإن اختلفت في أمور كثيرة عما تقول به وتُعلِّمُه، تحمل غير مرة قبساً من شعاع الحقيقة التي تنير جميع الناس. غير أنها تبشر، ويجب أن تبشر بلا انقطاع بالمسيح الذي هو «الصراط والحقيقة والحياة» (يو 14: 6).
من أجل ذلك تحرض أبناءها على الاعتراف بالقيم الروحية والأدبية والاجتماعية والثقافية التي توجد عند أتباع الديانات الأخرى، والمحافظة عليها وإنمائها، وذلك بطريق الحوار والتعاون معهم، بمقتضى الفِطنة والمحبة، مع الشهادة للإيمان والحياة المسيحية).
وبعد هذا الانفتاح العام على الآخرين، والاعتراف بما لديهم من قيمٍ ومثل في سابقة ليس لها نظير في الخطاب الكنسي، يتوجه البيان إلى خصوصية المسلمين بهذه الدعوة فيتابع قائلاً: (وتنظر الكنيسة أيضاً بتقدير إلى المسلمين الذين يعبدون الله، الواحد الحي القيوم، الرحمن، القدير، الذي خلق السماء والأرض، وكلم الناس إنهم يسعون بكل نفوسهم إلى التسليم بأحكام الله، وإن خفيت مقاصده! كما سلم لله إبراهيم الذي يفخر الدين الإسلامي بالانتساب إليه، وإنهم على كونهم لا يعترفون بيسوع إلهاً، يكرمونه نبياً، ويكرمون أمه العذراء مريم، مبتهلين إليها أحياناً بإيمان! ثم إنهم ينتظرون يوم الدين الذي يجازي الله فيه جميع الناس بعد ما يبعثون أحياء. من أجل هذا يقدرون الحياة الأدبية، ويعبدون الله بالصلاة والصدقة والصوم خصوصاً.
ولئن كان قد وقع، في غضون الزمن، كثير من المنازعات والعداوات بين المسيحيين والمسلمين، فإن المجمع يحرضهم جميعاً على نسيان الماضي، والعمل باجتهاد صادق في سبيل التفاهم فيما بينهم، وأن يحموا ويعززوا كلهم معاً، من أجل جميع الناس، العدالة الاجتماعية، والقيم الروحية، والسلام والحرية)[2].
إن هذه الفقرات من دساتير المجمع الفاتيكاني الثاني وبياناته، لتمثل موقفاً عقدياً جديداً، تبني عليه طريقة عمل جديدة أيضاً. وهي تمثل أساساً متيناً لمشروع الحوار والتقارب بين الكنيسة والأديان الأخرى، وقاعدة انطلاق عريضة استند عليها الناشطون من دعاة التقارب والحوار منذ ذلك الحين. ولكنه في الوقت نفسه أثار معضلة كبيرة؛ معضلة العلاقة بين الحوار والبشارة، ومحاولة التوفيق بينهما.
وفي فترة البابا يوحنا بولس الثاني كثر الحديث عن قضية الحوار، والعلاقة بين الحوار والبشارة، واستضاف «الفاتيكان» العديد من اللقاءات الدينية المنوعة، وشارك في الكثير من مؤتمرات التقارب والحوار، وأصدر الوثائق والإرشادات المتعلقة بقضية الحوار والبشارة، وأكد البابا بنفسه على تبني الحوار مع الأديان عموماً، والإسلام خصوصاً، انطلاقاً من مقررات المجمع الفاتيكاني الثاني، ولكنه وضع الحوار في إطار المهمة الأساسية للكنيسة، وهي التبشير. فمع عناية البابا بالحوار واستمراره، كقوله في رسالة الفادي: (المؤمنون جميعهم، والجماعات المسيحية كلها، مدعوون إلى ممارسة الحوار... إن الحوار هو الطريق إلى الملكوت)[3] إلا إنه في خطابه الموجه إلى أعضاء الجمعية العمومية للمجلس البابوي للحوار بين الأديان المنعقد عام 1978م يجعله قسيماً توأماً للتبشير، فيقول: (.. كما أن الحوار بين الأديان هو مادة من مواد رسالة الكنيسة، فإن إعلان عمل الله الخلاصي في سيدنا يسوع المسيح هو أيضاً مادة أخرى... وإنه من غير الجائز أن يختار الواحد، ويتجاهل الآخر، أو يطرح)[4]
ولعل سر احتفاء البابا يوحنا بولس الثاني بالحوار، هو أنه يرى فيه معبراً ثقافياً ينفذ التبشير من خلاله إلى أعماق الحضارات الأخرى، بعد تأنيسه بالحوار، وذلك ما اصطلح الكنسيون على تسميته بالغرس الثقافي للمسيحية المستنبت في تربة ثقافات أخرى. يقول البابا في الإرشاد الرسولي المعنون بـ«تبليغ التعليم الديني»: (إن رسالة البشارة متضمنة في الثقافة الإنجيلية التي لا يجب أن تنفصل عنها. إنها تنتقل عبر حوار رسولي متضمن بالضرورة في حوار ثقافي بعينه. إن قوة الإنجيل قادرة على التغيير والتجديد، لذلك لا يجب أن يتغير الإنجيل أو يتأثر عند اتصاله بالثقافات، وعندئذٍ فإن التعليم الديني سيتأصل في مختلف الثقافات، ويضفي كمال المسيح على قيمها الشرعية)[5].
وفي هذا القدر تفسير وبيان لطبيعة «الحوار» الذي ينشده راعي الكنيسة الكاثوليكية، إنه الحوار المتدسس الذي لا يعني في الحقيقة معنى التبادل، والاستعداد للتغيير، والتجرد، والمجازفة، من طرفي الحوار كما كانت الكنيسة تدعي ذلك عقب المجمع الفاتيكاني الثاني، ولكنه الحوار الذي يشترط مسبقاً أنه: (لا يجب أن يتغير الإنجيل أو يتأثر عند اتصاله بالثقافات).
إن الحوار في نظر البابا عملية نفسية يخضع لها المحاور الآخر، فيتعرض لحالة اهتزاز قيم، وزلزلة ثوابت تنتج «الارتداد» الذي يوصل في نهاية المطاف إلى اعتناق موقفٍ عقدي جديد. ويصف البابا يوحنا بولس الثاني هذه العملية بقوله: (إن الحوار بالنسبة إلى الكنيسة هو ـ نوعاً ما ـ أداة، وعلى الأخص طريقة للقيام بعملها في عالم اليوم... إنارة الكون كله ببشارة الإنجيل، وتوحيد البشر بروحٍ واحد... وفي الواقع إن الكنيسة تستعمل طريقة الحوار لكي تحسن حمل الناس ـ سواء أكانوا يعرفون أنفسهم أنهم أعضاء الجماعة المسيحية بالعماد والاعتراف بالإيمان، أم هم غرباء عنها ـ على الارتداد والتوبة، عن طريق تجديد ضميرهم وحياتهم تجديداً عميقاً في ضوء سر الفداء والخلاص... إن الحوار الصحيح يرمي إذن، بادئ بدء، إلى تجديد كل الناس بالارتداد الباطني والتوبة مع احترام كل الضمائر)[6].
إن نظرة شاملة لمسيرة الكنيسة الكاثوليكية خلال العقود الثلاثة الأخيرة التالية لمقررات المجمع الفاتيكاني الثاني (1962 ـ 1965م) حول قضية الحوار مع الإسلام تكشف عن ثلاث مراحل متميزة:
1 ـ المرحلة الأولى: وهي التي أعقبت المجمع الفاتيكاني الثاني، الذي قدم المسوغ اللاهوتي للحوار، عن طريق توسيع عقيدة الخلاص، وهجر الدعوى الكنسية القديمة القائلة: «لا خلاص خارج الكنيسة»، والتخفف من لوازم عبارة إنجيل يوحنا القائلة: «أنا الطريق والحق والحياة».
2 ـ المرحلة الثانية: تمثل هذه المرحلة تنامي ردود الفعل المضادة للانفتاح على الديانات والتقاليد الأخرى، واعتبار أسلوب «الحوار» و«التقارب» خيانة لرسالة الكنيسة وتخلياً عن البشارة. هذا من جانب النقد الذاتي داخل الأسرة الكاثوليكية، لكن صاحب ذلك ما يشبه «خيبة الأمل» و«الإحباط» تجاه التجاوب الإسلامي مع دعوة الحوار، فنصارى الحوار فضلاً عن معارضيه، لم يجدوا بغيتهم التي تلبي طموحاتهم في مسلمي الحوار فضلاً عن معارضيه، وهذه المرحلة واكبت السنوات الأولى من سيامة يوحنا بولس الثاني بابا الفاتيكان.
3 ـ المرحلة الثالثة: وهي الفترة الممتدة من أواسط الثمانينيات وحتى وقتنا الراهن. وتتسم باستمرار التأكيد على أهمية الحوار من الناحية الإعلامية والمظهرية، ولكن باعتبار الحوار جسراً لنقل الثقافة الإنجيلية إلى الآخرين، أو ما صار يسمى «بالغرس الثقافي». وهذه المرحلة أعقبت رحلات البابا يوحنا بولس الثاني لأجزاء من العالم الإسلامي، ولقائه بمسلمين في آسيا وأفريقيا وأوربا على مدى أربع سنوات (1980 ـ 1984م). وعاد بلا ريب مقتنعاً بعدم كفاءة أمانة السر الفاتيكانية للعلاقات بغير المسيحيين التي كان يشغلها إذ ذاك رئيس الأساقفة جان جادوت، في تفعيل الحوار الهادف إلى نشر النصرانية، فكان أن عين الكاردينال الأفريقي الأصل فرانسيس آرينزي في ذلك المنصب ليرضي طموحه، وفق النظرة الجديدة للحوار. ومن الملاحظ في هذه الفترة تكثيف النشاط التنصيري، واستخدام كافة وسائل التقنية الحديثة لتنصير العالم ومن أخطرها مشروع Lumen 2000، أي نور سنة 2000م، وهو القمر الصناعي المخصص لبث برامج التنصير عبر القنوات الفضائية:
هذه المرحلة أخطر مراحل الحوار الذي تمارسه الكنيسة الكاثوليكية، حيث تمطر الآخرين بعبارات ذات مدلولٍ فارغ تخدرهم فيها، وتصرف أنظارهم عن الاشتغال بما يهمهم حقاً، في الوقت الذي تستنفد فيه كافة السبل والوسائل للتبشير، والغرس الثقافي طويل الأمد، تحت ستار «الحوار» الطعم.
وبإزاء الكنيسة الكاثوليكية، يمثل مجلس الكنائس العالمي الطوائف النصرانية غير الكاثوليكية، ويتمتع بنفوذٍ واسع يضاهي نفوذ «الفاتيكان»، وتنضوي تحته جميع الكنائس البروتستانتية، والإنجليكانية، والأرثوذكسية، التي يبلغ عددها ثلاثمائة وست عشرة كنيسة موزعة على أكثر من مائة بلد، ويتبعها قرابة أربعمائة مليون نصراني.
لقد لفتت مبادرات مجلس الكنائس العالمي للتقريب بين الأديان الأنظار في أواخر الستينيات، وطوال السبعينيات الميلادية، بتتابعها، وانتشارها في أصقاع متنوعة من قارات العالم القديم. فقد عقد المجلس أكثر من خمسة عشر لقاءً دولياً أو إقليمياً خلال عشر سنوات، موزعة في أوروبا وآسيا وأفريقيا. ولكن هذا النشاط الدائب لم يكن يخفي وراءه وضوحاً في الرؤية، ومضاءً في العزيمة. بل كان سلسلةً من التجارب المشبعة بروح المغامرة، والرصد لانعكاسات التقارب على الحركة المسكونية.
لقد واجه المجلس معضلة العلاقة بين «الحوار» و«البشارة»، وبعبارة أدق: بين «التقارب» و«التنصير»، بصورة أعنف مما واجهته الكنيسة الكاثوليكية.. ويمكن أن نميز ثلاث مراحل:
1 ـ المرحلة الأولى: مرحلة الدراسة، وقد ابتدأت في وقتٍ مبكر إثر انعقاد المجلس عام 1955م، حيث شكل مشروعاً دراسياً بعنوان: «كلمة الله والأديان الحية للبشر»، استمر حتى مطلع السبعينيات. وكانت حصيلته الدعوة إلى الانفتاح والحوار مع الإسلام، ومجاراة ما كان سائداً في النصف الثاني من الستينيات إثر المجمع الفاتيكاني الثاني. وكانت ذروة هذه المرحلة مؤتمر «كارتيني» عام 1969م، الذي رأى ضرورة الحوار لحمل الديانتين على تأمين الاحترام المتبادل وتعزيز التفاهم. وفي ذات العام أنشئت وحدة الحوار.
2 ـ المرحلة الثانية: مرحلة التجربة العملية: وقد استهلت بإصدار الإرشادات لشرح سياسة وحدة الحوار مع معتنقي الأديان والمثل الحية عام 1971م وفيها يوصف الحوار بأنه اضطراري، ومستعجل، ومملؤ بالفرص، ومع ذلك يعترف المجلس أنه لا يوجد لديه رأي موحد، وأن ممارسة المجلس للحوار مغامرة.
3 ـ المرحلة الثالثة: مرحلة حوار البشارة: تبتدئ هذه المرحلة عام 1979م، إثر صدور إرشاداتٍ بشأن الحوار في اجتماع اللجنة العامة للمجلس في جامايكا. فقد عُرِّف الحوار بأنه ليس مجرد نشاط اجتماعات ومؤتمرات بل أسلوب حياة للإيمان النصراني، مرتبط بالجيران، يؤدي فيها المحاور الشهادة، ويتذرع بجميع الوسائل الحديثة للوصول إلى مستمعيه.
ومن ثم فقد انحسر عدد المؤتمرات التي يرعاها المجلس بين الأديان بصورة ملحوظة إلى حد إلغاء وحدة الحوار، وإدراجها ضمن إطار العلاقات الدولية للمجلس، فقد استفرغ المجلس وسعه، في السعي لاستغلال الحوار ـ من حيث هو حوار ـ للتنصير، فلم يأت بطائلٍ يرضي طموحه، فاستبقى الاسم ستاراً لمشاريعه، وفرَّغه من المضمون.
أما المرحلة الراهنة فعلمها عند الله، لكن رؤية المنحنى المنحدر يشي بشيءٍ من معالمها الذي سيسفر عن الوجه الكالح للصليبية الجديدة. ولا أدل على ذلك من الاستهزاء العلني الذي تديره الآلة الإعلامية الكبرى في الغرب النصراني ضد قيم الإسلام، ونبيه، وكتابه، ورموزه، كما أبصره الناس في الرسوم المسيئة إلى شخص نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -، وجرى دعمه وإسناده من بعض القوى السياسية والدينية الغربية، أو تجاهله وعدم إدانته من آخرين.
ثم طفح الكيل حين فاه البابا بينديكت السادس عشر، في محاضرة ألقاها في جامعة (ريغبنسبورغ) الألمانية، يوم 12 سبتمبر 2006، بهجومه البذيء على الإسلام ونبيه، في سابقة هي الأولى من نوعها بعد قرارات المجمع الفاتيكاني الثاني، مما يد على أن القوم نفد صبرهم، وشعروا أن الإسلام يتقدم، ويكتسب أفراداً ومواقع جديدة، وأن لعبة (التقارب) لم تعد مجدية، والبساط يطوى من تحتهم، والأرض تنقص عليهم من أطرافها، لا بل في عقر دارهم!
[1] المجمع الفاتيكاني الثاني: دساتير، قرارات، بيانات (52).
[2] المجمع الفاتيكاني الثاني (629 ـ 631).
[3] رسالة الفادي: البابا يوحنا بولس الثاني. اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام. جل الديب / لبنان. صدرت في روما 1990م. (90).
[4] عن حوار وبشارة (10).
[5] نقلاً عن: تنصير العالم. (مناقشة لخطاب البابا يوحنا بولس الثاني): د. زينب عبد العزيز. دار الوفاء للطباعة والنشر والتوزيع. المنصورة ـ مصر. الطبعة الأولى (1415هـ = 1995م). (107).
[6] عن المرجع السابق، (109).
أحمد بن عبد الرحمن القاضي
أستاذ في قسم العقيدة بجامعة الإمام محمد بن سعود
- التصنيف:
- المصدر: