زيارة البابا المتكررة لإفريقيا..لماذا؟

منذ 2015-03-26

ذكر أحد المسلمين الذي نصب نفسه ناطقاً رسمياً باسم المسلمين؛ أن المسلمين لم يحضروا تلك المراسيم؛ لأنهم لم يتلقوا دعوة رسمية بذلك ولو دعوا لأجابوا أما رئيس القضاة فقد امتنع عن التعليق! ولكنه قال: لايجوز لأحد أن يجعل نفسه متحدثاً باسم المسلمين، وأنه شخصياً لو دعى لأجاب.

إن طبيعة التنصير في إفريقيا مختلفة عن طبيعة التنصير في المناطق الأخرى من العالم؛ وذلك لأن هذه القارة وبخاصة جنوب الصحراء منها من وجهة نظر الفاتيكان بمثابة مناطق خالصة للنصارى وحدهم، انطلاقاً من عوامل سيطرتهم على الحياة السياسية, والتعليمية, والاقتصادية, والاجتماعية, في كثير من البلدان هناك؛ وذلك لقدرتهم على تغيير ما يرونه غير متفق مع مصالحهم، ومتعارض مع سياساتهم، ولاستطاعتهم وضع الخطط البديلة في الوقت المناسب، وذلك ما دعاهم إلى إطلاق شعار (تنصير إفريقيا عام ألفين)، ورصد لهذا الشعار أموالاً قدرت بخمسة مليارات تقريباً.

مهرجان الاستقبال:

 في السابع عشر من شهر سبتمبر عام 1995م كانت الاستعدادات لاستقبال بابا الفاتيكان قد اكتملت، ومنها بناء منصة كبيرة في ساحة الاستقلال (إحدى الساحات المشهورة في مدينة نيروبي عاصمة كينيا التي تعقد فيها الاجتماعات العامة والمهرجانات الوطنية)، كما تم تجهيز فريق صحفي يتكون من: صحفيين, ومراسلين, محليين, ودوليين؛ للقيام بالتغطية الشاملة لزيارة (بابا الفاتيكان التي استغرقت ثلاثة أيام)، وقد وعدت الحكومة بالحفاظ على أمن البابا وسلامته، فانطلق الفريق الأمني, من قوات الشرطة, وعناصر سلاح الطيران, المقدر عددهم بستة عشر جندياً ليأخذوا مواقعهم، أما شرطة المرور فقد أغلقت جميع الشوارع المؤدية إلى ساحة الاستقلال، ولم يسمح بمرور السيارات إلا السيارات الخاصة التابعة لموكب (البابا)؛ التي وضعت عليها إشارات خاصة.

 وبدأ الشعب من أتباع الكنيسة الكاثوليكية، وكذلك من المذاهب الأخرى يتوافدون إلى العاصمة فرادى وجماعات، وانتعشت الحركة الاقتصادية في نيروبي؛ حيث امتلأت الفنادق والمطاعم، وأقامت بعض شركات المواد الغذائية والمرطبات مراكزَ لها في ساحة الاستقلال، وقد قدرت تكاليف هذه الاستعدادات بحوالي عشرين مليون شلن (حوالي نصف مليون دولار) من قبل السكرتارية الكاثوليكية، أما الحكومة فلا يعرف بالتحديد كم تكلفت، وقد قدر عدد الحاضرين في مراسم الطقوس الخاصة التي أقيمت في ساحة الاستقلال بحوالي مليون شخص, من أتباع الكنيسة الكاثوليكية, وأتباع المذاهب الأخرى من: البروتستانت والكنيسة الإفريقية، وكذلك من أتباع الديانة الهندوسية؛ علماً بأن عدد أتباع الكنيسة الكاثوليكية في كينيا يقدر بحوالي: سبعة ملايين حسب مصادرهم.

 وفي صباح يوم الاثنين 18/9/1995م كان الرئيس الكيني (دانيال أراب موي) في مقدمة مستقبلي بابا الفاتيكان في مطار كينياتا الدولي ومعه مجموعة كبيرة من الوزراء ونوابهم وأعضاء البرلمان، وكذلك زعماء الأحزاب المعارضة، وكبار التجار، ورجال الأعمال، وسفراء الدول الأوروبية والإفريقية، وكذلك بعض سفراء الدول الإسلامية، وأيضاً كان في استقباله كبار رجالات الدين الكاثوليك, والمذاهب الأخرى من كينيا وشرق إفريقيا، وكانت الهيلوكبترات والطائرات الحربية تحلق في سماء نيروبي مستعدة لاستقباله، وكان الآلاف من الشعب الكاثوليكي قد اصطفوا في الشارع من المطار إلى القصر الجمهوري، وبقية الشعب كان يتابع أحداث الاستقبال في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية، حيث كانت الأحداث تنقل على الهواء مباشرة وفي حوالي الساعة الثالثة بعد الظهر أعلن عن هبوط طائرة البوينغ؛ التابعة للخطوط الجوية لجنوب إفريقية القادمة من جوهانسبرج، حيث كان (البابا) قد أتم زيارته لجنوب إفريقيا التي استغرقت ثلاثة أيام، ويذكر أن هذه الزيارة هي الحادية عشرة من نوعها لإفريقيا، والثالثة لكينيا.

أفرقة الكنيسة حتى لاتتلاشى النصرانية:

 كانت الأولى في كينيا في مايو عام 1980م والثانية في أغسطس 1985م، وهذه الرحلة الأخيرة قد شملت ثلاث محطات من الدول الإفريقية وهي الكاميرون في: غرب القارة الإفريقية، وجنوب إفريقيا في جنوبها، ثم كينيا في شرق القارة.

 وكان هدف هذه الرحلة المعلن في هذه المحطات هو إعلان مذكرة تعاليم الكنيسة الجديدة الملائمة للعادات الإفريقية، علماً أن هذه التعاليم الجديدة كانت قد تمت المناقشة حولها في شهر إبريل من عام 1994م في روما بحضور مجموعة من القساوسة الأفارقة من الدول الإفريقية الذين اقترحوا على البابا أن يعدل تعاليم الكنيسة الكاثوليكية، إن هو أراد أن يحافظ على أتباع هذه الطائفة، ويكسب مزيداً من الأتباع، واقترحوا أن تكون هذه التعاليم الجديدة ملائمة, ومناسبة للعادات الإفريقية.

 جاء (البابا) مرتدياً لباس إحدى القبائل الكينية؛ كأول خطوة لإخضاع الكنيسة للتقاليد الإفريقية، وهذه أول خطة جديدة لجذب قلوب الأفارقة للنصرانية بعد ماتعذر عليهم اعتناقها خوفاً من التجرد من تقاليدهم؛ التي تأصلت فيهم.

 بعد ذلك انطلق الموكب البابوي تحت الحراسة المشددة من المطار إلى القصر الجمهوري؛ حيث عقد مع الرئيس (موي) جلسة مغلقة لمدة نصف ساعة، لاتعرف تفاصيل مادار بينهما فيها، بعدها وقع على دفتر كبار الزوار.

 وفي المطار صافح (البابا) مستقبليه من الوزراء والسفراء وبعض رجال الدين، بعد أن رحب به الرئيس، ثم ألقى كلمة شكر لمستقبليه, وأعلن أنه قد جاء لمهمة (بعث الرجاء).

 وفي صبيحة الثلاثاء 19/9/1995م كان يوم الميعاد قد بدأ، فقد اجتمع في ساحة الاستقلال حوالي مليون شخص ينتظرون قدوم البابا لأداء طقوس العبادة؛ وقد وصل الساحة حوالي الساعة التاسعة والنصف، ثم في تمام العاشرة وصل موكب القساوسة والأساقفة، بعدها مباشرة بدأت طقوس العبادة رسمياً، واستمرت هذه الطقوس لمدة ثلاث ساعات، ثم في الساعة الرابعة بعد الظهر تحركت الجموع, إلى ساحة البعث الواقعة خارج المدينة، حيث وصل البابا هناك في الساعة الخامسة، حيث أعلن رسمياً عن مذكرة تعاليم الكنيسة الجديدة التي تتناسب مع العادات الإفريقية تعرف هذه المذكرة بـ r؛ وقد اشتملت هذه المذكرة على خمس نقاط رئيسة:

 1- تنصير القارة الإفريقية.

 2-تعديل التعاليم المسيحية لتلائم العادات الإفريقية.

 3- الحوار الديني مع بقية المذاهب والديانات الأخرى.

 4- نشر العدل والأمن.

 5- توظيف وسائل الإعلام لخدمة أغراض وأهداف التنصير.

وصدق الله العظيم: {فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ} [البقرة: 79].

إغراءات التنصير:

 ثم ألقى بابا الفاتيكان كلمة تركزت حول المشكلات التي تعاني منها القارة الإفريقية: من الحروب الأهلية، والجهل، والفقر، والفساد في الأنظمة، وضرورة العمل الجاد للتخلص من هذه المشكلات.

 وقد تلخصت نظرته لحل هذه المشكلات فيما يأتي:

 1- ضرورة اعتناق القادة الأفارقة المسيحية الكاثوليكية، لأنها الضمان من الفساد الأخلاقي والاجتماعي والسياسي.

 2- يجب على الدول الأوروبية الغنية الدائنة أن تعيد جدولة ديونها، وأن تعفو عن مديونياتها.

 3- يجب على الدول الصناعية أن تقلل من صفقات الأسلحة إلى دول إفريقيا، وبدلاً منها تعمل على مساعدة الدول الإفريقية في النمو الصناعي.

 ثم عقد البابا بعد ذلك لقاء مع القساوسة والأساقفة، الذين حضروا من تنزانيا، وأوغندا، وأثيوبيا، وإريتريا، والسودان، وزامبيا، وموريشيوش، إضافة إلى أساقفة وقساوسة كينيا, وأوصاهم بضرورة التلاحم فيما بينهم, والعمل الجاد لتنفيذ بنود المذكرة، كما اجتمع أيضاً مع زعماء الكنيسة الأنجيليكانية, والكنيسة الإفريقية المستقلة، وكذلك مع زعماء الطائفة الهندوسية.

 وقال البابا: لقد كان بودي أن أجتمع مع جميع زعماء المذاهب والديانات الأخرى, ومما يذكر أن المسلمين قد قاطعوا زيارة البابا وأعلنوا أن حضورهم لمراسم الطقوس, أو مراسم إعلان المذكرة كان منافياً لمعتقداتهم، من جهة أخرى .

ذكر أحد المسلمين الذي نصب نفسه ناطقاً رسمياً باسم المسلمين؛ أن المسلمين لم يحضروا تلك المراسيم؛ لأنهم لم يتلقوا دعوة رسمية بذلك ولو دعوا لأجابوا أما رئيس القضاة فقد امتنع عن التعليق! ولكنه قال: لايجوز لأحد أن يجعل نفسه متحدثاً باسم المسلمين، وأنه شخصياً لو دعى لأجاب.

ثم في صباح يوم الأربعاء 20/9/1995م انطلق البابا والوفد الكاثوليكي المرافق له, إلى المطار معلناً بذلك نهاية زيارته لكينيا التي استغرقت ثلاثة أيام، وقد ذهب لوداعه في المطار الرئيس (موي) ووزراؤه وأعضاء البرلمان، وأعضاء السلك الدبلوماسي، كما شاركت الطائرات في حفلة وداعه، وفي الساعة الحادية عشرة صباحاً أقلعت طائرة الأيرباص التابعة للخطوط الجوية الكينية حاملة (البابا)، والوفد المرافق له متوجهة إلى روما، وهكذا انتهت زيارة البابا إلى كينيا.

 ومن المعروف أن كينيا تعتبر قلعة الفاتيكان في إفريقيا، وأن روما تعقد الآمال في أن تكون كينيا هي المنفذة لأحلام الفاتيكان, في تنصير إفريقيا مع نهاية القرن الحالي؛ لذلك تهتم الدول الأوروبية وأمريكا بهذه الدولة أيما اهتمام، ويقدمون لها أنواعاً من المساعدات المادية والأدبية، كما يهتم بها البابا شخصياً؛ وذلك بتخصيصه ثلاث زيارات من إحدى عشرة زيارة له لإفريقيا، كما أن للفاتيكان سفارة كاملة في كينيا للتنسيق في جهود التنصير، وقد كثرت المنظمات التنصيرية المحلية والدولية بشكل رهيب (تعد هذه المنظمات بالآلاف)، ولها جهود في جميع مناطق المسلمين وخاصة المناطق الفقيرة: يقدمون المساعدات الإنسانية، ولهم شبكة للتنسيق في أعمالهم تتمثل في مجلس الكنائس الوطني الكيني.

هل لهذه الزيارة من آثار؟

 ويتوقع من آثار هذه الزيارة أن تشدد الحكومة من قبضتها على المسلمين؛ لأن البابا قد حذر الحكومة مما زعمه: خطر تنامي الأصولية الإسلامية التي تجد الدعم من الدول الإسلامية.

وخلال أسبوع من مغادرة البابا أعلن عميد الشرطة الكينية بأن أي جندي من قوته لايعرف المسيح فهو جندي فاشل، وأنه لايريد العناصر الفاشلة في قوته، ثم أعلن وزير التربية رفضه تسجيل كليتي المعلمين وهما الكليتان الوحيدتان للمسلمين، علماً أن المسيحيين يمتلكون 12 كلية للمعلمين وثلاث جامعات، وهم الآن في الاستعدادات لبناء جامعة جديدة، وقد حضر الرئيس موي في 15 ديسمبر 1995م حملة لجمع تبرعات لبناء هذه الجامعة الجديدة للمسيحيين.

 والمسلمون الآن قلقون من تطورات الأحداث حيث أصبح انحياز الحكومة الكينية للمسيحيين جلياً، وتشددها مع المسلمين واضحاً، والكارثة الأخرى أن السياسيين المسلمين, والأغنياء منهم لا يزالون متمسكين بحبل الرئيس والحكومة.

 فحتى متى يتغافل المسلمون هناك عن الخطر المحدق بهم وبإخوانهم ولايكونون يداً واحدة على من سواهم للتخفيف من الانحياز؛ ضدهم وذلك بالطرق الشرعية، فالمسلمون جزء من ذلك الشعب؛ أما أن يهمشوا ويضطهدوا، فهذا ما لا يقبل، ثم أين (منظمة المؤتمر الإسلامي)، و(رابطة العالم الإسلامي)، و(المجلس العالمي للمساجد)؟  بل أين كل دولة مسلمة؟ لماذا لايكون لهؤلاء مواقف قوية ستكون لها آثارها بإذن الله. وحين يكون الموقف سلبياً من تهميش المسلمين, ومحاولات إضعافهم فستتوالى الضغوط والاضطهادات عليهم كما هو حاصل الآن.

 إن علينا مد يد العون لإخواننا ودعمهم كما يفعل غيرنا مع بني ملتهم؛ حينها ستتلاشى أحلام (البابا) بجعل إفريقيا نصرانية عام (2000)، وهذا سوف يحدث بإذن الله، وصدق الله العظيم:( {ودَّت طَّائِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ وَمَا يُضِلُّونَ إلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ} [آل عمران: 69].

{وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّنْ بَعْدِ إيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَاًتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: 109].


مجلة البيان