المعتقلون؛ واتجاهات الانقلاب في مصر.

منذ 2015-04-02

ويقتصر دعم المعتقلين على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض الناشطين وتقارير دولية تومض ثم تختفي، ولا يوجد حراك منظم يتبنى قضايا المعتقلين، مع كثرتهم، ومع كثرة من تحدث في الموضوع، والمشكلة أن الحركة عشوائية وغير مستمرة.

من تتبع مفردات الفعل نستطيع أن نتعرف على النمط السائد في التصرفات، ومن النمط السائد في التصرفات نستطيع أن نتعرف على الاستراتيجيات المتبعة وما فوقها من سياسات، وبالتالي نستطيع الإجابة على سؤال: ماذا بعد؟ أو ماذا يُراد؟

ومنذ اعتقلتُ وأنا أحاول التعرف على النمط السائد في التعامل مع المعتقلين في سجون السيسي، كمحاولة للتعرف على ماذا يراد بهم ومنهم في المستقبل القريب، والمساهمة في التعرف على سياسات النظام الحالي في مصر. ودعني أعرض عليك في نقاط:

أولًا: توسيع نطاق التعامل: 

من قبل كانت مباحث (أمن الدولة) (الأمن الوطني حاليًا)، هي المسؤولة عن التعاطي مع المخالفين للدولة فكريًا، وخاصة الإسلاميين، وبعد الانقلاب اتسعت دائرة التعامل مع المعارضين للدولة وتمثلت مظاهر الاتساع في ملمحين رئيسيين:

1. أعطوا المباحث العامة (قطاع الأمن العام) حق القبض على المخالفين للدولة من الشوارع ومن البيوت، ويظهر بوضوح التنافس بين المباحث العامة وقطاع (الأمن الوطني)، ومظاهر هذا التنافس في مسارعة كل منهم لضبط المخالفين قبل صاحبه، مما أوجد حالة من التنافس وليست حالة من التواكل والإهمال.

2. استنفروا عامة الناس، والموظفين في المساجد والمصالح الحكومية للإبلاغ عن المعترضين على النظام الحاكم، مع الأخذ في الاعتبار عملية التصفية التي تمت في الأوقاف للأئمة المخالفين للدولة، أو الذين ينتمون فكريًا لأي من التوجهات الإسلامية، ومراقبة المساجد، أو تجييش المساجد لمراقبة المواطنين، وتجيش الأبنية الحكومية لمراقبة المواطنين، واستنفار عامة الناس للإبلاغ عن من يخالف الدولة، مع الأخذ في الاعتبار عملية الشحن المستمرة للمواطنين من قبل الإعلام جعل الإسلاميين مطاردين في كل مكان في الدولة.

ثانيًا: طبيعة الاعتقال:

من تتبع حال المعتقلين بأيدي المباحث العامة ومباحث (الأمن الوطني)، يمكننا الوقوف على عددٍ من النقاط:

1. تعمد خلط السياسيين بالجنائيين المقبوضِ عليهم في أحداث سرقة وقتل وأعمال تخل بالشرف، فالسجن وحده مؤلم، ويزيد من إيلامه أن تسجن مع سيء الأخلاق، لا يصلي ولا يصوم، ولا يكاد يكف عن التدخين والسب والقذف، وغالبًا ما يتعاطى المخدرات.

2. التضييق الشديد في السجون، ويتمثل ذلك في:

أ- منع الكتب من الدخول للسجن (وزاد هذا الأمر بعد الانقلاب بأشهر، واستقر الآن كسياسة عامة)، مع الأخذ في الاعتبار أهمية الكتاب بالنسبة للمعتقل السياسي.

ب- التعاطي السلبي مع الزائرين، فالزيارة في بعض السجون ممنوعة، وفي بعضها من خلال سلك لا تكاد ترى أو تسمع من يزورك، وفي بعضها من خلال لوح زجاجي والتحدث من خلال هاتف ولا يستطيع المعتقل يمس أبناءه بيديه، وفي بعضها ثلث ساعة على الأكثر ويتم حجز الأقارب أكثر من سبع ساعات وإهانتهم بالتفتيش المهين عدة مرات وإجبارهم على التحدث أمام ضباط الشرطة، بدعوى أنها إجراءات ضرورية لإتمام الزيارة.

ج- التسكين داخل الزنازين، ففي الأقسام يصطف المعتقلين كما لو كانوا في أتوبيس شديد الزحام، وفي معتقلات الاحتجاز (كما في وادي النطرون وطرة) لا يملك المعتقل أكثر من متر مربع في أحسن الأحوال.

د- المنع من التريض بشكل جيد، فوقت التريض قليل جدًا (نصف ساعة)، وفي مكانٍ ضيق، وبعيد عن الشمس، ويمنع من حين لحين ولفترات طويلة.

هـ- ما يُقدم للمعتقل من طعام؛ من ناحية قليل ومن ناحية رديء، ولا يسمح للمعتقل أن يجلب في الزيارة أكثر من وجبة غذائية واحدة كل أسبوع أو أسبوعين، حسب ما خصص له من زيارة.

و- طبيعة السجن، إذ يقسم السجن إلى أبنية (عنابر)، والأبنية تقسم إلى أجزاء صغيرة (أجنحة أو أرباع)، تحول دون مخالطة المعتقلين بعضهم بعضًا، فلا يحدث تبادل ثقافي أو معيشي بين المعتقلين، وقلة التواصل تزيد من حالة الضيق والشدة التي يعاني منها من قد حرم الوصال مع أهله وأبنائه.

ي- خدمات السجن اليومية: يشرف على خدمات المعتقلين اليومية في السجن (توزيع الطعام، والتريض، والزيارة، وإخراج من عليه الحضور للمحكمة أو العرض على النيابة) جنائيون؛ وهذا الأمر من ناحية إهانة للسجناء، ومن ناحية تكريس لسياسة العزل داخل المعتقل.

فمن مظاهر الرحمة داخل المعتقل أن تتعامل في أنشطتك اليومية القليلة مع من هو مثلك لا مع (جنائي) لا يجيد غير التطاول اللفظي وربما الفعلي.

ثالثًا: السجانون:

السجون المصرية منظومة ضخمة متكاملة، وذات خبرات تراكمية، ولها خصوصية في اتخاذ القرار وتنفيذه، ولم تتعرض -فيما أعلم- لدراسة جادة تكشف عن أعدادها، وتوزيعها الجغرافي، وطبيعة اتخاذ القرار فيها، وآليات التنفيذ، فضلًا عن غياب جهة رقابية من خارج منظومة الداخلية، وهذا حق علينا أن نسعى له، فنحن من يسجن فيها، وسقطة وقع فيها الثائرون، إذ أن من أسباب الفشل الرئيسة بعد الثورة الجهل بماهية مؤسسات الدولة وخاصة المؤسسات الأمنية، وعدم وجود تصور لطريقة إدارتها من الثائرين المصلحين.

رابعًا: التكتم على المعتقلين:

الإعلام المؤيد للنظام الحالي (الإعلام الخاص والإعلام الرسمي للدولة) يتجاهل بشكل شبه تام أخبار المعتقلين، ويلاحظ أن الأخبار القليلة التي تبث في الإعلام عن المعتقلين تتمحور حول الإفراجات المحدودة جدًا التي تصدر على فترات متباعدة، مما يعطي انطباعًا مغلوطًا لدى المتلقي لرسائل الإعلام الموالية للنظام الحاكم، مفادها أن ثمة إفراجات وأن التعاطي مع المعتقلين وذويهم طبعي جدًا، والتكتيم على أخبار المعتقلين، وقد صرح قائد الانقلاب بأن على من يتحدث عن المعتقلين أن يصمت لأن البديل هو قتلهم، فالدولة تنظر لهم على أن حقهم هو القتل وأنها بحبسها لعشرات الآلاف في أشهر معدودة قد أحسنت إليهم، علمًا بأن عامة المعتقلين قد قبض عليهم من بيوتهم من الشوارع في أمور لا تزيد على التظاهر.

ويقتصر دعم المعتقلين على صفحات التواصل الاجتماعي وبعض الناشطين وتقارير دولية تومض ثم تختفي، ولا يوجد حراك منظم يتبنى قضايا المعتقلين، مع كثرتهم، ومع كثرة من تحدث في الموضوع، والمشكلة أن الحركة عشوائية وغير مستمرة.

ماذا يراد بالمعتقلين؟

بعض التحليلات تتجه إلى أن الانقلابيين يحتفظون بعددٍ أكبر من المعتقلين للتفاوض بهم (إطلاق سراحهم أو تحسين أحوالهم داخل السجون) في حال حدوث مصالحة، وبعض التحليلات تتجه إلى أن المراد هو إجهاض الحركة الإسلامية في الشارع عن طريق حبس كوادرها ومن يظن بهم العمل خارجها، بمعنى أنها حالة من البطش بالمخالف ومن يدعمه في الشارع.

ويصعب تفسير حدث ضخم مثل اعتقال عشرات الآلاف في أشهر معدودة بأمر واحد، غالبًا ما تتعدد التفسيرات، ويكون لكل منها نصيبًا من الصحة، وما يهمنا هنا هو رصد الخط العام الذي يسير عليه الانقلابيون في مصر عن طريق حالة المعتقلين، وضمنًا نصرة المعتقلين بتسليط الضوء على قضيهم؛ والخط العام هو التصعيد، فالانقلابيون يتحركون برؤية واضحة نحو السيطرة، ومدى الرؤية ليس عفويًا.

بل يبدو مخططًا له على ظهرِ عددٍ كبيرٍ من السنوات، وهذا لا يتوفر في جانب المدافعين عن الشرعية السابقة والمقاومين للانقلابيين.

وأحد مظاهر الرؤية الواضحة التي تنطوي على تصعيدٍ يهدف للسيطرة الكلية وإبادة المخالف هو التعاطي مع المعتقلين في السجون المصرية.

 

بقلم/ محمد بدوي الشناوي.

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام