تجربتي مع (القراءة)!

منذ 2015-04-06

واكتشفتُ أن السرعة في القراءة تُــكتسب مع الاستمرار في القراءة تلقائياً بسبب ارتباطها بمسألة الفهم، والفهم إنما يكون بالتدريج والتأني لا بإركاض عينيك في صفحات الكتب لتحقيق رقم قياسي في القراءة السريعة!!!

قال لي صاحبي : أوصني عن (النجاح) وأوجز فإن شرائع النجاح قد كثرتْ علي فبابٌ جامعٌ أتمسكُ به؟ 

فقلتُ له: عليك بـ(القراءة) فإنك لا تزال في نجاحٍ مادمتَ تقرأ 

فإني لا أعرفُ (قارئاً) لم ينجح
كما أنني لم أبصرْ (ناجحاً) لا يقرأ

قال: هلّا لخصتَ لي تجربتك في القراءة كيما أنسجُ على منوالك، وأطأُ مواقع سيرك

فقلتُ له : لقد استسمنتَ ذا ورم، ونفختَ في غير ضرم

فإن أبيتَ إلا الكشف عن مطاوي طريقتي، والإعلان بأسرار تجربتي فهاكها ثمان وصايا هي خلاصة (شنشنتي) في القراءة 

أولاً/ من عادتي أنني أشتري الكتبَ بالتدريج ‏فكما أن مسائلَ العلم تؤخذ شيئًا فشيئًا، ومن رامها جملة ذهبتْ عنه جملة؛ فكذلك الكتب ينبغي اقتناؤها شيئًا فشيئًا،ومن اقتناها جملة لم يقرأها جملة.

والجائعُ - في كل مرة تلمُّ به مسغبةٌ - لا يشتري من الطعام إلا مايسد جوعه ويجلب شبعه فإن زاد عن حد الشبع أشرف على الهَـلـــَكةِ ولم ينتفع بطعامه

ودستوري في الشراء :أن كلَّ كتابٍ يستحق القراءة= فهو يستحق الشراء

ثانياً/ وطريقتي في القراءة التنويع في المقروء طرداً للملل، وجبذاً للنشاط

فعندي أن القاريءَ النهم= كالطاعمِ النهم لا يصبرُ على طعامٍ واحد

وقاعدتي في ذلك/ كـــُنْ بستانياً ولا تكن حقلياً!! 

فالبستانُ/ تُزرع فيه أصناف شتى من الفاكهة والأشجار تسر الناظرين

وأما الحقلُ/ فيختص بزراعةِ نوعٍ واحدٍ فقط من الثمار 

ثالثاً/ من عادتي أن أقرأ كتباً كثيرة ثم أعيد قراءةَ المتميز منها 

فتكرارُ قراءة الكتاب الواحد - على مُددٍ متقاربة - تُـنقش فوائده في الفؤاد، وتُعقل فرائده في العقل 

وقد تعلمتُ هذا الدستور النافع في القراءة من أستاذ الجيل العقاد الذي يقول(كتاب تقرؤه ثلاثَ مرَّاتٍ أنفعُ من ثلاثةِ كُتُبٍ تقرأ كُلّاً منها مرَّةً واحدة) 

وقاعدتي هنا قولُ فيبر : ( ‏الكتابُ الذي لا يستحق أن يُقرأ مرتين = لا يستحق أيضًا أن يقرأ مرة واحدة!!) 

رابعاً/ ومن عادتي في القراءة أن أشغلَ ذهني بالتفكيرِ فيما قرأتُ، والتأملِ فيما طالعتُ 

فعقيدتي في القراءة : (أن القراءةَ بلا تفكيرٍ= كالأكلِ بلا هضمٍ ) 

واسمعْ لابن باديس وهو يقول: (التفكيرَ التفكيرَ يا طلبةَ العلمِ، فإنَّ القراءةَ بلا تفكيرٍ لا توصِلُ إلى شيءٍ من العِلم!) 

خامساً/ ومن منهجي في القراءة أنني أخصص لها وقتاً زمنياً لا أنقصه عن ساعةٍ واحدةٍ يومياً-على الأقل - هي (فرضي) في القراءة.
وأما (النفلُ) فقد يصلُ لساعاتٍ كثيرة والله يضاعفُ لمن يشاء والله ذو الفضلِ العظيم 

وقد أهملُ النفلَ بسبب نوازع الأشغال وطوارق الزيارات، أما الفرضُ فلا أبيح لنفسي تركه إلا بنيةِ القضاء 

ولا أخصصُ (عدداً معينا من الصفحات) لأنني بالطريقة الأولى أركز على(الكيف) وأما الثانية فسيكون تركيزي على(الكم) 

سادساً/ ومن تجاربي في القراءة أنني لم أرفعْ رأساً بكتب ودورات القراءة السريعة لأنني اكتشفتُ أنها لا تنفع البليد ولا تزيد الذكي!! 

واكتشفتُ أن السرعة في القراءة تُــكتسب مع الاستمرار في القراءة تلقائياً بسبب ارتباطها بمسألة الفهم، والفهم إنما يكون بالتدريج والتأني لا بإركاض عينيك في صفحات الكتب لتحقيق رقم قياسي في القراءة السريعة!!! 

سابعاً/ ومن ذكرياتي في القراءة أنني بدأتُ بتعلم مهارة قنص المعلومات في أوائل عمري وجربتُ طرائق كثيرة وبلوتُ مناهج متعددة حتى رستْ سفينتي على جوديٍّ واحد ناسبَ شخصيتي وجانسَ طبيعتي

ولذا فنصيحتي/جرّبْ طرقاً كثيرة في فن صيد الفوائد حتى تهتدي لما يكون أليق بحالك، وأقرب لنفسك. 

واعلمْ أن تقييدك للفائدة=أفضل من قراءتها عشر مرات كما يقول نجباء العلماء 

ثامناً/ استفحتُ علاقتي بالقراءة مع الكتب السهلة لكنني لم أشعر بالفائدة إلا مع الكتب العميقة

وقاعدتي هنا/ ابدأْ بالجداولِ الصغيرة.. لكن بعد ذلك اقصدْ البحرَ وخلِ القنوات

ومن رام أن يمتّن عضلاته فإنه يبدأ بتمارين الإحماء، لكن عضلاته لن تقوى وتبرز إلا بتمارين الشدِّ المرهقة

فهذه ملامحُ تجربتي، ومعالمُ مذهبي في القراءة (وللناس فيما يقرأون مذاهبُ) إن قصدتَ أن تتلو تِـلوي، أو تحذو حـَذوي

وخلاصةُ الخلاصة فيها/ لن تكون قارئاً عظيماً إلا إذا كان عندك شغفٌ

ولن تملك الشغف إلا إذا وُجد لديك الاهتمام

ولن ينشأ فيك الاهتمام إلا كان ثمة حب..

فاستزرعْ حب القراءة في قلبك أولاً ثم سيأتيك بعد ذلك كل ماترجوه من شغفٍ واهتمامٍ وفائدةٍ


عبدالله بن أحمد الحويل