المقعدون (في وداع أحمد ياسين)

منذ 2015-04-08

نبضُ قلبٍ ذَوَى وفِكرٌ مُشَرَّدْ *** وحديثٌ عنِ ابْنِ ياسين أحمدْ.

 

نبضُ قلبٍ ذَوَى وفِكرٌ مُشَرَّدْ *** وحديثٌ عنِ ابْنِ ياسين أحمدْ 
يا مُرَبِّي الأجيالِ يا قِمَّةَ الطُّهْرِ *** فُؤادي اكْتَوَى وجِفْني مُسَهَّدْ 
قِيلَ لِي عَنْك عاجزٌ وضَعيفٌ *** قِيلَ شَيخٌ مٌحَطَّمٌ قِيلَ مُقْعَدْ 
قلتُ كَلا لَمْ يعرفوكَ ولكِنْ *** نَظَروا لِلأُمورِ نَظْرةَ أَرْمَدْ 
لَمْ تَكُنْ مُقْعَداً ولكنْ هُمَاماً *** مُلْهِماً للجهادِ والكونُ يَشْهَدْ 
لَمْ يكنْ ذلك الكَلِيلُ لِسَاناً *** بَلْ هو الصارمُ الحسامُ المُهَنَّدْ 
لَمْ يكنْ صوتُك المُهَدَّجُ عِياًّ *** بَلْ سُطوراً من المَلاحِمِ تُنْشَدْ 
لَمْ تكنْ تلك أَجْفانُ كَلّ ٍ *** بَلْ سِهَامٌ من اللّظَى تَتَوقَّدْ 
تِلك كانت تَجَارِباً وشُمُوخاً *** لَمْ تكنْ لِحْيَةً وشَعْراً مُجَعَّدْ 
لَمْ تكنْ مُقْعَداً ولكنْ جَوَاداً *** يَتَهادَى أَمَامَ مِلْيارِ مُقْعدْ 
إِنَّما المُقْعَدونَ نَحْنُ الأُسَارَى *** في قُيودٍ منَ المَعاصي نُصَفَّدْ 
إِنَّما المُقْعَدُ الذي رَضِيَ الذُلَّ *** وخَافَ العِدَا وللأرضِ أَخْلَدْ 
رَاضِياً بالقُعودِ في الخَالِفينَ *** جَبَاناً في رَيبِهِ يَتَرَدَّدْ 
إِنَّما المُقْعَدُ الذي سَادَ قَوماً *** فَغَدا لِلْهَوانِ والذُلِّ مَعْهَدْ 
بِإِزاءِ العَدوِّ عَبْدٌ ذَليلٌ *** وعَلى قَومِهِ فَتىً يَتَوعَّدْ 
أَضْمَرَ الغَدْرَ والعَمَالةَ سِرّاً *** وأَمَامَ الجُموعِ أَرْغَى وأَزْبَدْ 
إِنَّمَا المُقْعَدُ الذي مَاتَ قَلْباً *** مَاتَ فيهِ ضَمِيرُهُ وتَبَلَّدْ 
مُقْعَدُ الحِسِّ للهزيمةِ يَصْحُو *** وعَلى الذُلِّ والمَهَانَةِ يَرْقُدْ 
إِنَّما الُمقْعَدُ الذي ضَيَّعَ الدِّينَ *** وفي مَسْلَكِ الغِوَايَةِ يَجْهَدْ 
فَهُمُ المُقْعَدونَ إِذْ أَنت مَاضٍ *** وهُم الهَابِطونَ إِذْ أَنْتَ مُصْعِدْ 
لَمْ تَمُتْ بَلْ خَرَجْتَ للعَالَمِ الرَّحْبِ *** فَلَيتِي بِمِثْلِ مَوتِكَ أُسْعَدْ 
هذه الدارُ عَشْتَ فيها حَمِيداً *** وأُرَاكَ الغَدَاةَ أَعْلى وأَحْمَدْ 
أَنْتَ حَقَّقْتَ ما أَرَدتَ بِفَخْرٍ *** ثُمَّ أَفْضَيتَ للنّعيمِ المُؤَبّدْ 
أَنتَ أَشْعَلْتَ في الظّلامِ سِرَاجاً *** لِلْمُحِبِّينَ مِنْ دِمَائِك يُوقَدْ 
أنتَ أَثْخَنْتَ في سَمَاسِرَةِ السِّلْمِ *** إذْ مَاتَ حُلْمُهم وتَبَدَّدْ 
أنتَ أَحْيَيتَ بالمَمَاتِ شُعُوراً *** هَامِداً بَارداً وحِسّاً مُجَمّدْ 
أنتَ عَلَّمْتَ كُلَّ غِرٍّ جَبَانٍ *** كَيفَ يَسْمو مَن اقْتَدى بِمُحَمّدْ 
لَسْتُ أَبْكِيكَ أنتَ مَا زِلْتَ حَيّاً *** باقْتِدَارٍ في قَلبِ كُلِّ مُوَحِّدْ 
لَسْتُ أبْكيكَ أنتَ أَعلَى وأَغْنَى *** عَنْ بُكَائي وأنتَ أَسْمَى وأَمْجَدْ 
أنا أبْكي لأمّةٍ يُقَيّدُها الذَّنْبُ *** وفي سَاحَةِ الطّواغِيتِ تَسْجُدْ 
أنا أبْكي مُصِيبَتي في شَبَابٍ *** غَارِقٍ في الخَنَا وجِيلٍ مُهَوّدْ 
رَاحَ يَرْعَى الخَنَازِيرَ عِنْدَ النَّصَارَى *** أَو غَدَا لليَهُودِ زَرَّاعَ غَرْقَدْ 
أَنَا أَبْكي وأَشْتَكي أُمَّهاتٍ *** لِمْ يَعُدْ لِلآمَالِ فِيهِنّ مَعْقِدْ 
أَنَا أَبْكي مُصِيبَتِي في شُيُوخٍ *** عَجَزَتْ أَنْ تَحُلَّ أَمْراً وتَعْقِدْ 
إِنّما أَشْتكي وأبكي وجُوهاً *** هَجَرَتْ مَسْجِداً وخَرَّتْ لِمَعْبَدْ 
أَنَا أَبْكي وأَشْتكي مِنْ زَعِيمٍ *** حُكْمُه في الأنَامِ حُكْمٌ مُؤَبّدْ 
هَمُّه في الحَيَاةِ تَعْطِيلُ دِينٍ *** ولِوَأْدِ الجهاد يَسْعَى ويَحْفِدْ 
كَيفَ يَمْحُو مِنَ شَرْعِنَا (قاتِلُوهُمْ) *** كَيف يَمْحُو (اقْعُدوا لهم كُلَّ مَرْصَدْ) 
أَيها الشيخُ إنَّ مَوتَكَ فَخْرٌ *** وحَيَاةٌ وحُلْمُ قَومٍ تَجَدَّدْ 
نَمْ قَرِيرَ الجُفًُونِ في نَاظِرَينَا *** قَدْ فَرَشْنَا جُفُونَنَا لَكَ مَرْقَدْ 

 

عبد الله بن درويش الغامدي