إنه كان منصورًا

منذ 2015-04-08

الشهادة مَنْزِلَةٌ لا تنبغي إلا للخُلاصة من العباد الذين يختارهم الله على علم ولقد كان أهل الشيخ يتوقعون له وفاة طبيعية بسبب تفاقم المعاناة عليه في ذلك اليوم!

1 ـ ميلاده 1938م.
2 ـ 1949م ترك الدراسة ليعين أسرته المنكوبة عن طريق العمل في أحد مطاعم الفول في غزّة.
3 ـ 1952م أصيب بكسر في فقرات العنق أثناء اللعب مع بعض أقرانه ولم يخبر أحدًا من أسرته أن ذلك بسبب المصارعة مع أحد رفاقه (عبد الله الخطيب) خشية من حدوث مشكلات بين الأسرتين.

4 ـ إضافة إلى الشلل التام؛ ظل يعاني من ضعف شديد في البصر والتهاب مزمن في السمع وحساسية في الرئتين وأمراض والتهابات معوية.
5 ـ عمل مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية وخطيبًا في مساجد غزة قوي الحجة جسورًا في الحق.
6 ـ اعتقل عام 1983م وحكم عليه بالسجن 13 سنة وأفرج عنه في عملية تبادل للأسرى عام 1985م.
7 ـ أسس حركة حماس بعد اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987م وكان له دور مهم في الانتفاضة ومنذ ذلك الوقت صار يعتبر الزعيم الروحي للمقاومة الإسلامية.
8 ـ اعتقل عام 1989م، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة مضافاً إليه (15) خمسة عشر عاماً.
9 ـ أفرج عنه عام 1997م بموجب اتفاق بين الأردن والكيان الصهيوني.
10 ـ خلال انتفاضة الأقصى شاركت حركة حماس بزعامة الشيخ بفاعلية واقتدار.
11 ـ مع اعتراف السلطة الفلسطينية بأهمية المقاومة؛ إلا أنها فرضت الإقامة الجبرية على الشيخ أحمد ياسين أكثر من مرة.
12ـ حاولت سلطات الاحتلال اغتيال الشيخ عام 2003م.
13 ـ صباح مدينة غزة لم يكن عادياً هذا الاثنين 1/2/1425هـ
السماء تلبدت بالدخان!
والصمت يقطعه دوي القنابل!
آلاف الفلسطينيين هرعوا غير مصدقين نبأ استشهاد شيخ الانتفاضتين!
الشباب يبكون والأطفال يهتفون والمجاهدون يتوعدون والحزن يرتسم على الوجوه.

إلهامات

أ ـ الشهادة مَنْزِلَةٌ لا تنبغي إلا للخُلاصة من العباد الذين يختارهم الله على علم ولقد كان أهل الشيخ يتوقعون له وفاة طبيعية بسبب تفاقم المعاناة عليه في ذلك اليوم!
ويأبى الله إلا أن تتحقق أغلى أمانيه على يد ألد أعدائه.

فإن لا يكن حيًّا لدينا فإنه *** لدى الله حيٌّ في الجنان مزوج 
وقد نال في الدنيا سناء وصيتةً *** وقام مقامًا لم يقمه مزلج 
سلام وريحان وروح ورحمة  *** عليك وممدود من الظل سجسج 
ولا برح القاع الذي أنت جاره  *** يرف عليه الأقحوان المفلج 
ويا أسفي ألا ترد تحية  *** سوى أرج من طيب رمسك يأرج 
وليس البكا أن تسفح العين إنما  *** أحر البكاءين البكاء المولج 
عفاء على دار ظعنت لغيرها  *** فليس بها للصالحين معرج

وإذا كان الرسول -صلى الله عليه وسلم - يقول: "أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ"؛ فقد قال الصالحون من هذه الأمة كلمتهم, وشهدوا للشيخ بأنه عاش مجاهداً, ومات شهيداً بإذن الله, نحسبه كذلك والله حسيبه!
وقد أدى المسلمون في أنحاء الأرض عليه صلاة الغائب كما في الحرمين الشريفين وغيرهما.

ب ـ كان الشيخ إنساناً يعيش مشاعر الناس, ويشاركهم همومهم, وآلامهم, وأفراحهم, وأتراحهم ويقتسم معهم لقمة العيش, حتى غدا رمزاً للمواطن الفلسطيني, وليس فقط للمقاومة.
إن الفلاح والعامل والفقير ورب الأسرة والفتى والفتاة والإنسان البسيط؛ بحاجة إلى من يقف معهم ويستمع إليهم ويشاركهم همومهم ويفتح صدره لهم.
وإن قيم الإسلام مرتبطة بقيم الرجولة والإنسانية, وهو معنى كبير أن يصاب الشيخ بالشلل التام, ثم يتكتم على السبب حفاظاً على أجواء الودّ والعلاقة, وتفادياً للخلاف.
ولا أستطيع أن أتفهم تديناً حقيقياً يخلو من قيم الرجولة والإيثار والخلق الكريم.

ج ـ لم يعد أمام اليهود ما يخشونه، ولذا "فالخطوط الحمراء" لديهم كالأسطورة, وهم يمدون أيديهم بعنجهية واعتباط إلى حيث يريدون, ولا غرابة بعدما دخلت الأنظمة في دهاليز السلام المزيف, وشغلت بالحفاظ على وجودها, واكتفت بالإدانات التي لا تعدو ذر الرماد في العيون.
والأمر لا يتطلب معجزة؛ إنما يتطلب إرادة في الإصلاح, وتطبيعاً مع الشعوب, وتخندقاً معها.
يكفي أن نشعر جميعاً بأننا نعيش حالة من المهانة والذل والعجز, جرّأت علينا كل أحد, جعلتنا بدون تأثير ولا فاعلية!

د ـ إنني أقرأ في مقتل الشيخ -رحمه الله- كثيراً من معاني الأمل والتفاؤل والحيوية والصمود!
فما معنى أن يعكس كثير من الناس الآية؛ فيتحدثون بلغة التشاؤم واليأس والإحباط!
إنها مدرسة للتربية على العمل, ورفض المعاذير, وإلغاء التحجج بالعجز!
وهي ملحمة سطرها الشيخ وأبناؤه لم تدع لأحد عذراً, وهؤلاء المتشائمون إنما يعبرون عن انفصالهم عن روح الأمة وتاريخها وحاضرها ومستقبلها.

هـ ـ لقد تعود شعب فلسطين الصامد على المعاناة, وتكيّف مع ظروفها الصعبة ولأوائها, وأقسم على المُضي قدماً في الطريق مهما كانت التضحيات!
وها هو في المخيمات, وفي الملاجئ, وفي السجون الإسرائيلية, وفي السجن الكبير في الأراضي الفلسطينية, يُدوِّن دروس الصبر, والاعتماد على النفس بعد الله تعالى, وألا يذعن ولا ينتظر من الآخرين.
فلك الله من شعب صامد مبتلى؛ يعاني من قسوة الأعداء وخذلان الأصدقاء!!
حتى الإغاثة والإعانات الإنسانية لم يعد أهلك يجودون بها !!
إنهم يخافون أن تلصق بهم تهمة الإرهاب!

و ـ أما السلام فعليه السلام!
فهو أحلام, وأوهام, ووثائق للاستسلام!
واللغة الفاعلة هي لغة القوة, والعلم, والوحدة لمن يحسن استخدامها, دون أن يعني هذا تغييب الرؤية السياسية, لكن متى كانت السياسة تعني الإذعان؟

ز ـ ويا أبناء الشهيد!
ويا شعب فلسطين الصابر!
الوحدة الوحدة!
وحذار أن تفلح جهود الأعداء في فتح ثغرة ولو صغرت في جدار الأخوّة والبناء المرصوص!
عدوكم محدد, وميدان المعركة واضح, والأدوات متنوعة, والطريق طويل, والنهاية محسومة {وَمَن قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً} [ الإسراء:33].
أنتم منصورون ومظلومون؛ فلا تقتلوا إلا عدوكم الغاشم المحتل, واصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون. 

سلمان بن فهد العودة

الأستاذ بكلية الشريعة وأصول الدين بالقصيم -سابقًا-