قتلوه قتلهم الله
قتلوه قتلهم الله ونرجو أن يكون الله قد أحياه وأراد الصهاينة المعتدون أن ينهوا أحمد ياسين من الوجود ولكنهم بحمقهم أحيوا مئات الأحمدِين بل ملايين من الغاضبين المنتقمين.
قتلوه قتلهم الله ونرجو أن يكون الله قد أحياه وأراد الصهاينة المعتدون أن ينهوا أحمد ياسين من الوجود ولكنهم بحمقهم أحيوا مئات الأحمدِين بل ملايين من الغاضبين المنتقمين.
في فجر يوم الاثنين 2/2/1425هـ خرج الشيخ المجاهد أحمد ياسين ليعفر وجهه بالتراب مُصلياً خاشعاً لله وليشهد قرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً، واستقبل يومه الأخير وودعه وقرَّت عينه بالصلاة، وخرج من المسجد كالمغتسل من النهر الجاري هل يبقى من درنه شيء؟ وطوبى لعبد كانت الصلاة آخر مشهدٍ له في الدنيا.
وفي المقابل بات الرهط المفسدون يتقاسمون لنبيِّتنه وأهله ويمكرون ويخططون .. وكان الاغتيالُ الآثم الهدية المقدمة للجسد الطاهر والشيخ المقعد !! . . إنه توقيت (شاروني) غبي من حيث الزمان والمكان والانتقاء للرموز، وتصعيدٌ خطير للأسوأ للحالة المتردية أساساً في فلسطين وإسرائيل وسيفتح هذا التصعيد الباب أمام الفلسطينيين والإسرائيليين ليكون كلُّ شيء مستباحاً هنا وهناك بعد اليوم.
والمؤسف أن يقف العالم بدوله ومنظماته متفرجاً وصامتاً وذليلاً وغائباً بل ويكيل بمكيالين أمام إرهاب دولة بل دولٍ بهذا المستوى.
سُحقاً للقوم المجرمين وهم يستخدمون الطائرات والصواريخ الآثمة لشيخ لا تحمله رجلاه ولا تتحرك يداه، بل يُحمل على عربته ويحيط به جمعٌ من إخوانه وأبنائه ومحبيه وكان مصيرهم مصيره؟.
وسحقاً لليهود الغادرين وزعيمهم السفاح (شارون) يتبجح أمام الملأ بأنه المخطط والمتابع لهذه الجريمة النكراء؟
أجل مات الشيخ المجاهدُ أحمد ياسين عظيماً مثلما عاش كبيراً، ولم يكن هيّاباً للموت بل كان الموت وكانت الشهادة أغلى أمانيه .. والناس كلُّهم يموتون ولكن فرقٌ بين موتِ الأبطال وموت الجبناء، وفضل الله يؤتيه من يشاء.
مات البطل المجاهد ثابتاً على المبدأ الحق صامداً في وجه المخطط الصهيوني مبتهجاً بكتائب الجهاد التي سقى شجرتها وهي اليوم توقع الخسائر وتلقي الرعب داخل الأراضي المحتلة بالصهاينة المحتلين.
نعم نزف دم الشهيد (ياسين) ـ إن شاء الله ـ على الأرض ولكن دمه الزكي الطاهر حُقن في أوردة الملايين من المسلمين ليظل نهراً دفاقاً يدعوهم للجهاد والاستشهاد وتناثرت أشلاءُ الشيخ على قارعة الطريق ، ولكن ستظل هذه الذكرى المؤلمة في قلوب المؤمنين تحفزهم لتحرير المقدسات وتغذوا سيرهم نحو المكرمات.
لقد كان الفارسُ الأعزل (مشروع شهادة) وهو القائل في آخر لقاء معه "نحن طلاب شهادة" وكان رمزاً للصمود والشجاعة وهو القائل "التهديدات لا تهمنا" وكان عاليَ الهمة ، تجاوز حطام الدنيا وحقارتها وصوّب همّه نحو الآخرة ونعيمها ونرجو أن يكون الله قد حقق له ما تمنى.
لقد كان الشيخ الراحل (باباً للجهاد) و(مدرسةً لمقاومة المستعمر) استطاع بعزم وحزم ومساعدة طلابه النجباء أن ينقلوا المقاومة للصهاينة من الخارج إلى الداخل وأن يتحرروا من القيود والضغوط والمساومة والمزايدة على قضية فلسطين فتحركت الانتفاضة من قلب فلسطين فكان أطفال الحجارة وكانت العمليات الاستشهادية فصولاً جديدةً في القضية العادلة ، ودرساً موجعاً لإخوان القردة والخنازير . . وأحدثت هذه النقلةُ بإشراف الشيخ الراحل رُعباً وقلقاً وخسائر لليهود عطّلت كثيراً من مشاريعهم وأبطأت بتحقيق عددٍ من مخططاتهم ، واضطروا لطلب المساعدة والنجدة من إخوانهم النصارى وأعلنوا الانسحاب من المناطق الملتهبة برصاص المجاهدين (كغزة) حيث يقيم المجاهد الراحل وهم صاغرون ، وانتهى بهم التفكير الأحمق والتخطيط الأهوج إلى قتل الزعيم الكبير ، وساهم اليهود من حيث يشعرون أو لا يشعرون بدخول الشهيد ياسين التاريخ من أوسع أبوابه ، والظنُّ بل الأمل والرجاء أن قتل الشيخ ياسين ـ وبهذه الطريقة البشعة ـ سيُجدد في فصول القضية العادلة وسيبعث الحماس في قلوبٍ طالما غفلت أو تناست هذه القضية المهمة من قضايا المسلمين . . وكذلك تشرق الأمة حين تحترق وتتفجر طاقاتها حين تُذل وتقهر ، ودماء الشهداء ماءٌ لحياة الأمة وصحوتها ومن أخافهم شيخ مقعد كيف يواجهون توالد النمور الساخطة تخرج من بطون المسلمات ـ وفي مقدمتهن الفلسطينيات ـ إلى حيث يموت كلُّ غاصب أو مبررٍ للاغتصاب.
عادةً ما تكون (الأزمات النازلة) بالأمة منعطفاً تاريخياً لمسيرتهم تصدمُهم فتحركهم ، وتفاجئوهم فتمسح الغشاوة عن أعينهم ، وتزيل الران عن قلوبهم ، ثم يعودون بعد هول الصدمة مقتنعين بقيمة الوحدة وآثار التنازع والفرقة، ثم يدعوهم ذلك كلّه إلى إعادة البناء من جديد، وصدق العزائم والتعاهد على الجدِّ والجهاد، فتتحول المحن إلى منح والمكروه إلى خير ، والأتراح إلى أفراح ، والذلُّ والهوان إلى عزة ويقين وإباء .
واليوم وغداً يُدعى المسلمون عموماً لجمع الكلمة وتُدعى الفصائل الفلسطينية خصوصاً إلى رصِّ الصفوف وتنسيق الجهود ، ونبذ أي فرقة أو خلافٍ ينفذ العدوُّ منها، وهذه وتلك إذا تحققت من أعظم خسائر اليهود لتصعيد الوضع في فلسطين.
إن قتل الشيخ ياسين برهانٌ عملي لنسف كل محاولة للسلام الهزيل ورسالةٌ واضحة أن الصهاينة لا يرضون بوجود آخر غير وجودهم ولو كانوا أبناء فلسطين الأصلاء . . وأصحاب القضية العادلة ( تلك رسالةٌ لعموم العرب والمسلمين ) وهي رسالة للساسة والزعماء بأن منهج التصفية وأسلوب الغدر هو سلوك إسرائيل وأخلاق اليهود ، وأن اليهود قادمون وسيبحثون عن من يختبئ أو يظهر وسيعاقبون ـ إن تُركوا ـ الجبناء ، وأصحاب الشجاعة ، ولن يبالوا بمن داهنهم فترة من الزمن ، فسكين الجزار لن تتوقف ما دام الجزارُ قادراً على الذبح والإبادة .
إنها مآسٍ وقروح ولكن جولة البغي ساعة وجولة الحق إلى قيام الساعة ( إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ - وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ) (آل عمران:141)
وهنا يرد السؤال وماذا سيكون ردُّ المجتمعين في مؤتمر القمة القادمة لا سيما وقد انتهى زمن التضليل والتخدير وما عادت الشعوب الواعية تقتنع بالمسكنات وامتصاص الغضب ، أو ترضى بمجرد البيانات الختامية أو حتى الخطابات الثورية . . إنها تنتظر مشاريع استراتيجية عملية وتتلهف إلى رفع الهوان ووضوح الهوية وسلامةِ الراية ونزاهة القضية وإذا سكتت الأمة على هذه الجريمة أو اكتفت بمجرد الشجب والتنديد فالعدو لا يغتال (ياسين) وحده بل يغتال الأمة بأسرها ، ولن تقف اعتداءاته في فلسطين بل سيجاوزها إلى غيرها ، وفي العراق درسٌ وشاهدٌ ، وفي المخطط والدهاليز فصول أخرى؟ .
والأمر المهم ـ في نظري ـ أن نتجاوز العواطف مع أهمية إثارتها إلى استثمار الحدث استثماراً إيجابياً ، وذلك بالأمور التالية :
1 ـ ينبغي أن لا نفرغ طاقاتنا للتفاعل مع الحدث بخطابات حماسية وقتية لا تلبث أن تخبوا بل ينبغي أن نعضد ذلك بمشاريع عملية نافعة وخطط مستقبلية مدروسة لمواجهة اليهود ومن وراء اليهود ، ولتحرير المقدسات وتثمين القضايا الكبرى.
2 ـ وألا يكون ثمة انفصامٌ أو اختلاف في هذه المشاريع بين المشاعر الشعبية والمواقف الرسمية فيُضرب بعضنا ببعض ويظل العدو متفرجاً على مآسينا.
3 ـ أن نستثمَر وسائل الإعلام العربية والإسلامية مثلَ هذا الحدث لمزيد التعريف بقضيتنا الكبرى (فلسطين) وأن نوظف الطاقات الإعلامية والفكرية لفضح المخططات الصهيونية ، بل والغربية في منطقتنا وعلى شعوبنا المسلمة.
4 ـ ألا نظل نحن المسلمين في دائرة دفع التهمة ، نخشى الوصف (بالإرهاب) ونتحسسُ من (الجهاد) ، وبالتالي نظلُّ محبوسين في المربع الذي اختاره لنا أعداؤنا ، وأوشكوا أن ينجحوا بتقسيمنا إلى فئتين فئة تمارس الإرهاب وأخرى تقاومه والخسارة بكل حالٍ علينا وعلى مؤسساتنا ووحدتنا ، والعدوّ كاسبٌ متفرجٌ بكل حال.
5 ـ أن نبعث قضية فلسطين ومثيلاتها من قضايانا في مناهجنا التعليمية بشكل يشعر الدارسين بعدالة قضاياهم ويُحملهم مسؤولية الدفاع والحفاظ عليها وألا نستجيب للمخطط الرامي لتفريغ المناهج من أهم محتوياتها .
6 ـ أن تُجدد فينا هذه الجريمة الجديدة دعمنا المستمر للقضية الفلسطينية مادياً ومعنوياً ، وأن نحطم أغلال الحصار الاقتصادي الذي تراد لنا ولهيئاتنا الخيرية ومؤسساتنا الإسلامية ، وإذا تأخر أو تباطأ دعمنا الماديُّ للقضية الكبرى فليكن في مثل هذه المآسي البشعة ما يجدد العزائم .
7 ـ أن نمزج مشاعر الحزن بمشاعر الفأل ، وأن نطرد اليأس والإحباط باليقين والشعور بالعزة والثقة بالنصر ، وهنا تتحول المحن إلى منح ، والأزمات الخانقة إلى مخارج واسعة نبصر فيها بوارق النصر قبل وقوعها .
8 ـ لا حرج علينا وقد بلغت الأمور ما بلغت أن نقتص ممن ظلمنا وأن ننتصر على من اعتدى علينا ، فمن اعتدى عليكم فاعتدوا بمثل ما اعتدى عليكم ، والبادي أظلم والمظلوم منصورٌ بنص القرآن : ( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُوراً ) (الاسراء: من الآية33)
9 ـ ومن الأهمية بمكان أن تشعرنا هذه النوازل بالهوية التي نُقاتل من أجلها فلا يزيدنا صلفُ العدوِّ إلا تمسكاً بإسلامنا ، وأن تفعل هذه المصائب فعلها في نفوسنا لمراجعة الذات والعلاقة بالخالق ، والتوبة النصوح والجدية في الحياة ، وبناء المستقبل الراشد.
10 ـ وقبل أن يُوارى الجثمان ودم الشهيد على قارعة الطريق توصي أمريكا بضبط النفس ؟ بعد أن فجَّرت وحليفتها أسرائيل المشاعر ، وإذا كان هذا أولَ ردِّ فعلٍ أمريكي دلّ ذلك على تواطئهم في الجريمة وأكد على أن الدولتين الحليفتين مصدرُ الإرهاب ومُصدِّراته ، وأن الحملة على الإرهاب ما هي إلا دعاوى فارغة وتغطية لمشاريع الاستعمار في عالمنا الإسلامي.
11 ـ بدايةُ حياة الشيخ ياسين رحمه الله ونهايته ، وخلاصةُ تجاربه ومجموع جهاده درسٌ عظيمٌ للكسالى وأصحاب الوهن، فالمرضُ لا يُقعد والشيخوخة لا تعوّق والبطولة ليست وهماً فارغاً ، ولا جعجعةً وادعاءً بل هي عزمٌ وتصميم ، وامتلاءُ القلب بالصدق والإخلاص ، وجهادٌ وصبر حتى اليقين ، والموعدُ يوم الجنائز؟
12 ـ ودرسٌ من التاريخ لا بد أن نعيه وفصولٌ من الملاحم حول فلسطين لا بد أن نستحضرها ونؤمن بها ، والدرسُ يقول والتجربة تؤكد أن ما أُخذ بالقوة لا يُستردّ إلا بها ، وكلُّ ساعةٍ نتأخر فيها عن إعداد العدَّة وعقد ألوية الجهاد ( وبكافة أنواع الجهاد ) فإنما نُمكن للعدوِّ أكثر ، ونزيدُ في أمد الاحتلال ، ونضعف في مقاومة الاستعمار.
14 ـ وينبغي ألا نستغرب تحالف اليهود والنصارى ضدنا ، وهم يتبادلون الأدوار ويتعاونون لمجابهتنا ، وهل غاب عنا أن ( بذرة ) اليهود في فلسطين ( نصرانية، صهيونية الهويّة ) ( بلفورية الوعد ) ولكن الذي يجب أن ننكره أن يكون فينا سماعون لهم ممهدون لخططهم ، وقاتل الله النفاق ، والمنافقون ملعونون أينما ثقفوا ومهما كانت ألوانهم ومذابهم.
15 ـ يا أمة الإسلام كفى سعياً وراء السراب ، ومؤلم أن نظلّ نتغنى بأمجاد أمتنا دون أن نرتقي مراقِ المجد ، ولا يكفي أن نردد أسماءً لامعة مجاهدة في تأريخنا كخالد وطارق ونور الدين وصلاح الدين وأمثالهم رحمهم الله .. وكأن أرحام النساء عقمت أن تلد أمثالهم.
16 ـ يا أيها العلماء اصدقوا مع الله في علمكم وأوفوا بالميثاق الذي أخذه عليكم ، يا أيها الساسة اصدقوا الله في عهودكم وكونوا قادة صالحين لشعوبكم ، يا أصحاب الفكر والقلم هذا أوان الجهاد بالكلمة ، وهي أمانةٌ وتبعة ، يا أهل المال جاهدوا بأموالكم قبل أن تُسلبوها فالأمة أحوج ما تكون لدعمكم، يا أهل التربية والدعوة جددوا في أساليب تربيتكم ودعوتكم وانقذوا الأجيال من الضياع والانحراف فما بقي فرصة للهو واللعب والفساد.
17 ـ وأخيراً أخي الشاب أختي الفتاة إن الجهد الذي تصنعونه اليوم سيسركم غداً، والغفلة والضياع الذي تمارسونه اليوم ستتحملون أنتم وأولادكم تبعته بعد حين، أنتم قلب الأمة النابض، وأملها في الحاضر والمستقبل، فكونوا على مستوى التحدي وكونوا لوحةً صادقة لإسلامكم ومرآة عاكسة لجهادِ وجهود أمتكم، لا يفتنكم الكافرون ولا يستخفنكم الذين لا يوقنون.
سليمان بن حمد العودة
أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الإمام محمد بن سعود
- التصنيف:
- المصدر: